بسم الله الرحمن الرحيم
جاء في موقع (العربية - نت) بتاريخ 27/2/2007 عرضاً أو ملخصاً لمقال كتبه الأستاذ عبد العزيز بن عبد الرحمن المقحم في مجلة الدعوة السعودية ينتقد فيه الذين يمدحون عبد الملك بن مروان أو يذكرونه بخير، أو يقولون أنه من السلف الصالح، ويعتبر أن هؤلاء مغفلون، بل إن الببغاوات أفضل منهم!
وقد وجه الأستاذ المقحم أكثر نقده لعبد الملك بسبب توليته الحجاج بن يوسف الثقفي على العراق، وذكر إغداقه الجوائز على الشعراء، لا أريد اتهام الأستاذ المقحم والدخول في النوايا، وهل هو متأثر بالحملة التي يشنها العصرانيون على التاريخ الإسلامي، ولكن الواضح أن العولمة الثقافية التي تديرها أمريكا من أولى مطالبها إبعاد وحذف شيئاً كثيراً من التراث لأنه لا يتناسب وأهداف (الكونية) الإنسانية، وأهداف التقارب مع (الآخر)، إلى آخر الأفخاخ المعدة لسلخ المسلم عن جذوره وثقافته.
والحقيقة التي يجب أن يعرفها العالم المسلم، والمثقف المسلمº أن مطالب هؤلاء لا تنتهي عند عدم قراءة آيات من القرآن الكريم (وهذا ما يصرحون به)، أو حذف أحاديث للرسول - صلى الله عليه وسلم -،ولا أن نهاجم تاريخنا حتى يضرب اليأس أجيالنا القادمة، لا يكتفون بهذا بل كلما نفذنا طلباً زادوا طلباً آخر حتى نتعرى تماماً.
ونعود لموضوع عبد الملك بن مروان فأقول:
لا أحد من العلماء أو المؤرخين يقول عن عبد الملك أنه من السلف الصالح، وإن كان الجيل الذي تربى فيه وعاصره جيل ممدوح من الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) ولكنه ملك من ملوك المسلمين له أعمال صالحة وله أخطاء كثيرة مثل توليته الحجاج الظالم المتجبر وغير ذلك من الأخطاء، ولكن هذه الأخطاء يجب أن تدرج ضمن سياق تقويم الدولة الأموية، وذكر حسناتها وسيئاتها، وصوابها وخطئها، لأنها دولة إسلامية وهذا متفق عليه عند أهل السنة، وقد قام فيها سوق الجهاد والفتوحات التي وصلت إلى أقصى الشرق وأقصى الغرب، وعندما فسر ابن كثير حديث الخلفاء الاثني عشر قال: ليسوا متتابعين بل متفرقين في الدولة الأموية والعباسية.
إذن هناك حسنات كثيرة لعبد الملك ولغيره، فالعلماء يقولون كلمة الحق مثل الإمام الزهري، والقضاء مستقل، ودرة تاج هذه الدولة الخليفة عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -، وإذا بدأنا بالكلام في التاريخ خليفة خليفة، وعلى طريقة الانتقاءº فماذا سنقول عن الوليد بن عبد الملك، وعن هشام بن عبد الملك، وعن المنصور والرشيد في دولة بني العباس؟
فالصحيح منهجياً أن تذكر أعمال هؤلاء سواء أكانت صواباً أم غير ذلك ضمن سياق الدولة، وضمن ظروف العصر يومها، وإذ لم تكن كذلك فماذا ستكون النظرة إلى الدولة الأموية عندما يقرأ القارئ ما كتبه الأستاذ المقحم؟
ليس هذا حجراً على أحد أن يكتب ما يراه صواباً، أو ينقد إذا كان النقد نزيهاً وايجابياً، ولكن يجب أن ننتبه لما يدبر في الخفاء من مكر لتدمير تاريخنا وتراثنا فلا نساعدهم بحسن نوايانا، وكأني بالأستاذ المقحم فوجئ بأن عبد الملك له أخطاء كثيرة، أو كأنه اكتشف شيئاً جديداً لم يعلمه أحد من قبل، وظن أن المسلمين مخدوعون، والحقيقة أنه كتب الكثير عن عبد الملك وعن الدولة الأموية بإنصاف وتحقيق، والذي يبحث سيجد هذا في المكتبات، والمؤرخون المسلمون يعلمون تمام العلم حسنات الدولة وأخطاءها، وكلنا يكره الاستبداد، وتبذير الأموال، ولكن عندما نبدأ بانتقاد ملوك الدول الإسلامية واحداً إثر آخر فالصورة ستكون قاتمة أمام الأجيال الحاضرة والمقبلة، وكأنه ليس لدينا ما نفتخر به، أو يستحق الذكر والتنويه، بل هذا محبط للآمال، وربما يقال هنا: وهل تريد أن نغطي على أسباب ضعفنا وتخلفنا، ولا تريد أن نصارح أنفسنا؟ وأقول: لا، بل المصارحة أفضل، ولكن ليس بهذه الطريقة، ولا بهذا الأسلوب.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد