بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة مني لما ابتدأه أخي الشيخ عبدالله زقيل وفقه الله (على هذا الرابط) من تفنيد الشبهات التي يذكرها أهل الأهواء تجاه معاوية رضي الله عنه º أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد من ائتمنهم على كتابة الوحيº أحببتُ أن أفنّد هنا شبهتين باطلتين طالما تكررتا في كتابات أولئكº مع التنبه إلى أن الدفاع عن معاوية رضي الله عنهم فضلا عن كونه عقيدة يدين الله بها كل مسلم لم يفسد قلبه بمرض الغل والحقد على خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم فإنه مهمٌ جدًاº بسبب أن معاوية كما قال العلماء \" ستر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه \"º كما شاهدنا هذا واقعًا من بعض أهل الأهواءº حيث انتقلوا من الطعن فيه إلى الطعن في غيره من كبار الصحابةº كعثمان وطلحة والزبير وغيرهم. فالدفاع عنه هو خط الدفاع الأول عن الصحابة رضي الله عنهم.
المسألة الأولى: اتهام معاوية – رضي الله عنه – والدوله الأموية بنشر \"الجبرية\"!
يردد المغرضون اتهامًا عجيبًا وقديمًا للدولة الأمويةº وعلى رأسها معاوية – رضي الله عنه أنها كانت تروج للفكر الجبري وتنشره بين الناسº لتباعد بينهم وبين الخروج عليها، أو محاولة تغييرها. فيكون الرضا بتسلط هذه الدولة على المسلمين عقيدة راسخة يدينون الله بهاº وهذا ما يبتغيه بنو أميةº وعلى رأسهم الصحابي الجليل: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه !
وقد صدق الشيخ محمود شاكر المؤرخ المعاصر عندما قال: \"إن تاريخ بني أمية قد أصابه الكثير من التشويه\". [2] حيث تعرضت هذه الدولة المسلمة التي لم يأت مَن بعدها بعُشر فضائلها لحملة واسعة من التشويه المتعمد من قبل أعداء كثيرينº في مقدمتهم مؤرخو الشيعة الذين اختلقوا الأكاذيب والمفتريات عليها، وقلبوا محاسنها مساوىء.
وقد أحسن الدكتور حمدي شاهين في كتابه الجديد \" الدولة الأموية المفترى عليها دراسة الشبهات ورد المفتريات \"[3]º عندما أنصف هذه الدولة في كتابه هذا الذي أتمنى أن يعود إليه الأستاذ الشنقيطي وكذا غيره من المهتمين ليتبين لهم مقدار التجني والتحامل الذي تعرضت له تلك الدولة العظيمة.
يقول الدكتور حمدي: “ ظفر معاوية بن أبي سفيان بحظ وافر من فيض المطاعن والاتهامات، وكانت مواجهته علي بن أبي طالب بمكانته السامية عند المسلمين سببًا في ذيوع هذه الاتهامات وترسخهاº فوصفوا سياسته بالميكافيلية وإرهاب الخصوم، وإحياء النزعة القبلية، وتخذيل المعارضة بشل الروح الثورية، وبث روح الجبر والإرجاء.. “ [4].
وفي ظني أن أول من أشاع هذه الفرية على معاوية رضي الله عنه: المعتزلة الأوائل الذين أبغضوا الأمويين لأسباب عديدةº من أهمها: أن عقيدتها في القضاء والقدر سنية، بخلاف عقيدة المعتزلة القدرية[6]، ولهذا أطلقوا على كل من خالف عقيدتهم البدعية بأنه \" جبري \"!، ومنها: أن عقيدتهم في تسويغ الخروج على حكام المسلمين تخالف عقيدة أهل السنة التي تأمر بعدم الخروج على الحاكم المسلم الجائر، وتُلزم المسلمين بطاعته في غير معصية اللهº حفظًا لوحدتهم ودمائهم، وهي عقيدة مرجعها أقواله صلى الله عليه وسلم الآمرة بذلك، فليست من اختراع معاوية أو غيره من أهل السنةº كما يتوهم الثوريون أتباع المعتزلة.
ولهذا فقد شن رجال المعتزلة حملتهم على دولة بني أمية السنية، متوافقين في ذلك مع الروافض.
يقول الجاحظ في إحدى رسائله: “ عندها استوى معاوية على الملك، واستبد على بقية الشورى، وعلى جماعة المسلمينº من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سموه عام الجماعة، وما كان عام جماعة، بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة، والعام الذي تحولت فيه الإمامة مُلكًا كسرويًا، والخلافة غصبًا قيصريًا.. “ الخ هرائه[7].
فتأمل منازعة هذا المعتزلي المتهتك[8] لجماعة المسلمين الذين فرحوا بالصلح بين معاوية والحسن – رضي الله عنهما، الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم بقوله عن الحسن – رضي الله عنه: \" إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يُصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين \". أخرجه البخاري.، وسمّوا العام الذي حدث فيه عام الجماعة.
ثم تأمل كذبه وتناقضه عندما أوهم أنه مع الخلافة الراشدة ويدعو لهاº وهو كإخوانه أهل الاعتزال في تفسيق الخليفة الراشد عثمان – رضي الله عنه !! وبعضهم يُصرح بأنه لا يقبل شهادة الخليفة الراشد علي – رضي الله عنه ! [9]
ثم جاء بعده المعتزلي الآخر القاضي عبد الجبار، فردد هذه التهمة في كتابه \" طبقات المعتزلة \"[10]
وفي عصرنا الحاضر تتابع – للأسف بعض المؤلفين المتحاملين على الدولة الأمويةº على ترديد هذه التهمة الغريبة دون دليل معتمد. وإليك أمثلة لهم:
قال أحمد أمين في كتابه \" ضحى الإسلام\"[11] \": وبنو أمية كما يظهر كانوا يكرهون القول بحرية الإرادة لا دينياً فقط ولكن سياسياً كذلكº لأن الجبر يخدم سياستهم. فالنتيجة للجبر أن الله الذي يسير الأمور قد فرض على الناس بني أمية كما فرض كل شيء، ودولتهم بقضاء الله وقدره فيجب الخضوع للقضاء والقدر\".
وقال النشار في كتابه \" نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام \"[12]: \" كان معاوية يُعلن الجبر بالشام \".
وقال شاكر مصطفى في كتابه \" دولة بني العباس \"[13]: \" إن خلافة بني أمية تقوم على مبدأين... المبدأ الثاني: أن ما يتم على الأرض فإنما هو بإرادة اللهº لأن الإنسان مسير لا مخير، وفلسفة الجبرية كانت تقوم في أساس الفكر الأموي، ولو أراد الله غير ما هو كائن لفعل \".
وقال الدكتور عفت الشرقاوي في كتابه \" أدب التاريخ عند العرب \"[14]: \" وكان عَوَانة يهتم بالصراع السياسي والحربي بين الإمام علي وخصومه، مع ميل إلى تأكيد فكرة الجبر في تفسير حوادث التاريخº وهي الفكرة التي كان يشجع على بثها بين علماء المسلمين خلفاء بني أمية تأكيداً لسلطانهم السياسي\".
وقد رد الدكتور محمد بن صامل السلمي في كتابه \" منهج كتابة التاريخ الإسلامي\"[15] هذه التهمة الشنيعة بقوله:
\" بسبب الانحراف في مفهوم القضاء والقدر وقع جملة من الكتاب المعاصرين في أخطاء شنيعة في تقديرهم للدولة الأموية والحكم عليهاº حيث قالوا إن الدولة الأموية شجعت الاتجاه نحو الجبر والإرجاء، وقالت إن أعمالها لا تجوز معارضتهاº لأن من يعارضها يعتبر منكرًا للقدر، إذ لو أراد الله غير ذلك لكان. وقد أطلق هؤلاء الكتاب هذا القول دون أن يوردوا عليه دليلاً، وهذا يرينا مدى التشويه الذي يلحق تفسير حوادث التاريخ الإسلامي عندما توضع في منظور غير إسلامي وعندما تنحرف المفاهيم والتصورات، وهذا الفهم الذي ذهبوا إليه والحكم الذي حكموا به مبني على الجهل بمفهوم القضاء والقدر وتوهم أن بينه وبين التكاليف الشرعية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله معارضة، وليس الأمر كذلك كما أوضحناه.
كما أن الوقائع التاريخية الثابتة تكذب هذا الادعاءº فقد قُُتل كلٌ من غيلان الدمشقي ومعبد الجهني اللذين أنكرا القدر في ظل الدولة الأموية كما قُتل الجعد بن درهم والجهم بن صفوان إماما الجبرية بأمر من الخلفاء الأمويين \".
قلتُ: ومما يزيد هذه التهمة بطلانًا: أن معاوية – رضي الله عنه – عندما تصالح مع الحسن – رضي الله عنه – كان الاتفاق بينهما أن يتولى الحسن الخلافة بعدهº \"وأعطاه معاوية عهدًا إن حدث به حدَث والحسن حي ليسمّينه وليجعلنّ هذا الأمر إليه\". [16] فكيف يُتهم رضي الله عنه بنشر فكر الجبر ثم يعهد بالخلافة للحسن؟!
المسألة الثانية: اتهام معاوية بسن لعن علي – رضي الله عنهما – على المنابر!!
وهي أكذوبة شيعية سرت بين بعض المؤرخين دون إسناد تزعم أن معاوية رضي الله عنه أمر بسب علي رضي الله عنه على المنابر طوال عهده! ثم توارث ذلك بنو أمية إلى عهد عمر بن عبدالعزيز الذي أوقف هذا السب.
ثم سرت إلى بعض من يروي الغث والسمين، فصدقها من قال اللهم عنهم): وفيكم سماعون لهم(. ومن هؤلاء: الدكتور الشنقيطي صاحب كتاب \" الخلافات السيا
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد