الأخ المسلم المعاصر.
القصة التي ذكرتها قصة رائعة ولكن كما يقول أهل الحديث: أثبت العرش ثم انقش.
نعلم أنك نقلت القصة لما فيها من صور العزة عند المسلم وغير ذلك من الفوائد التي تستنبط من القصة ولكني لا أظنك ترضى أن ينسب إلى صحابي جليل مثل هذه القصة المكذوبة.
وإليك الدليل بارك الله فيك.
يقول مشهور حسن سلمان في كتاب \" قصص لا تثبت \" [الجزء الثالث] (ص 74-75):
هكذا يردد بعض الخطباء والوعاظ هذه القصة وقد أطلتُ النفس في تتبعها من مصادرها فلم أظفر بما يورده بعضهم في هذه القصة من تفصيلات وقمت بدراسة أسانيدها فلم أجد شيئا يفرح به مع أن هذه القصة فيها كثير من المعاني السامية والصبر على الابتلاء والتسامي على الأعداء..... ولكن هذا شيء والبحث العلمي والحقائق الثابتة بالأدلة الصحيحة شيء آخر. ا. هـ.
ثم بين طرق القصة فقال (ص77):
لهذه القصة طرق كثيرة شديدة الضعف وهذا البيان..... ا. هـ.
ثم ذكر طرقها، وسأذكرها باختصار مع ذكر العلة.
1 - أخرجها أبو إسحاق الفزاري في السير وقال الشيخ مشهور عن إسنادها (ص77): وهذا منقطع فإن الأوزاعي لم يدرك عبد الله بن حذافة ولم يشهد هذه الحادثة فأرسلها دون إسناد. ا. هـ.
2 - وأخرجها أبو العرب التميمي في كتاب المحن وقال عنها الشيخ مشهور (ص 80): وهذا إسناد ضعيف جدا عبد الله بن محمد مجهول وعبيد الله بن عائشة مثله وهما غير معروفين بالرواية.... وعبد العزيز بن مسلم شيخ فيه جهالة وقواه بعضهم كذا في الميزان. ا. هـ.
3 - وأخرجها ابن عساكر في تاريخ دمشق ومن طريقه ابن الأثير في أسد الغابة وابن الجوزي في الثبات عد الممات وقال الشيخ مشهور (ص 82) عنها: وهذا إسناد ضعيف جدا مسلسل بالمجاهيل والضعفاء فيه عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي قال الذهبي في الميزان: أحد الضعفاء أتى عن مالك بمصائب. ا. هـ.
وعمر بن المغيرة قال البخاري عنه: منكر الحديث مجهول.
وعطاء بن عجلان متروك بل أطلق عليه ابن معين والفلاس وغيرهما الكذب... فهذا الإسناد واهٍ, بمرة لا يفرح به البتة. ا. هـ.
4 - وأخرجها ابن عساكر في تاريخ دمشق أيضا وقال عن هذه الطريق الشيخ مشهور (ص 84): وهذا إسناد ضعيف جدا وفيه علل:
الأولى: الانقطاع بين الزهري وعبد الله بن حذافة.
الثانية: يزيد بن سمرة قال ابن حبان: ربما أخطأ.
الثالثة: هشام بن عمار فيه ضعف.
أفاده شيخنا الألباني في الأرواء (8/157 ح 2515). ا. هـ.
5 - وذكر ابن حجر في الإصابة أن القصة في فوائد هشام بن عمار من مرسل الزهري.
6 - وذكرها الذهبي في السير (2/15) قال عنها الشيخ مشهور (ص85): وللقصة طريق أخرى مقطوعة. ا. هـ.
7 - ورواها ابن عائذ وقال عنها الشيخ مشهور (ص 86): وإسناده مقطوع. ا. هـ.
8 - أخرجها ابن عساكر أيضا وقال عنها الشيخ مشهور (ص88): وهذا إسناد ضعيف جدا فيه ضرار بن عمرو وهو ضعيف جدا قال عنه ابن معين: لا شيء. وقال الدولابي: فيه نظر. ا. هـ.
ثم قال بعد ذكره لهذه الطرق وبيان عللها (ص 86): فهذه الأسانيد جميعها ضعيفة لا تنهض بالقصة ولا تقوى على عدّها حقيقة تاريخية لا شك فيها فهي شديدة الضعف ولذا لما سمع بعض العلماء راويا يحدث بها استغربها. ا. هـ
وذكر الشيخ مشهور في الرواية الثامنة بعد سرد القصة من استغربها فقال:
ثم قال: قال أحمد بن سلمة: سألني عن هذا الحديث محمد بن مسلم ومحمد بن إدريس وقال لي: ما سمعنا بهذا الحديث قط. ا. هـ.
قال الشيخ مشهور عقب ذكره لأسانيد القصة (ص 90): ملاحـــظـــات مـــهـــمـــة:
وأخيرا نلفت نظر القارىء إلى الملاحظات التالية:
أولا: نص شيخنا الألباني - رحمه الله - على ضعف القصة في كتابه القيم \" إرواء الغليل \" ولم يعزها إلا لابن عساكر.
ثانيا: لا يستلزم من ضعف القصة عد أسر عبد الله بن حذافة من قبل الروم فقد ذكر ذلك خليفة في تاريخه وعنه الذهبي في تاريخ الإسلام قال في أحداث سنة تسع عشرة: وفيها أسرت الروم عبد الله بن حذافة السهمي.
وأسند ذلك الحاكم في المستدرك عقب حديث أبي سعيد الخدري قال: وكان الروم قد أسروه في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فأرادوه على الكفر فعصمه الله - عز وجل - حتى أنجاه الله - تبارك وتعالى -منهم.
وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى (4/190) قال محمد بن عمر - الواقدي -: وكانت الروم قد أسرت عبد الله بن حذافة فكتب فيه عمر بن الخطاب إلى قسطنطين فخلى عنه ومات عبد الله بن حذافة في خلافة عثمان بن عفان.
ثالثا: في مقولة الواقدي الأخيرة إضعاف ضمني لهذه القصة إذ فيها أن فكاك عبد الله بن حذافة من الأسر كان هو سبب كتابة عمر إلى ملك الروم وعبارة البلاذري في أنساب الأشراف أوضح من ذلك قال: عن عمر بن الخطاب كتب إلى قسطنطين ملك الروم لما أسرته بشأنه فأطلق سراحه.
اللهم إلا أن يُتكلف فيقال: ولعل امتحانه من قبل الروم وتخويفه واختبار إيمانه جاء عقب كتاب عمر ليرى ذلك ملك الروم!
ويغنينا عن كل ما قدمنا أن هذه القصة لو كانت ثابتة لوردت بأسانيد نظيفة فإن همم العدول والثقات تتداعى على حمل مثلها وحينئذ لا تفوت الحفاظ الكبار والأئمة العظام كأبي حاتم وغيره ولا يبعد أن مراد البخاري في التاريخ الكبير (ترجمة عبد الله بن حذافة) في قوله: لا يصح حديثه مرسل. هذه القصة. ا. هـ. كلام الشيخ مشهور.
وبهذا يتبين من خلال هذه النقول أن القصة غير ثابتة عن الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة.
والله أعلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد