الزمان/ 10 صفر 459 هـ.
المكان/ غرناطة جنوب الأندلس.
الموضوع/ مسلمو غرناطة يقتلون يهود المدينة جزاءاً لخيانتهم.
الأحداث/
مقدمة:
قال الله - عز وجل - في محكم التنزيل {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} وذلك عقب قصة القرية التي كانت حاضرة البحر وتحايل اليهود على شرع الله - عز وجل - لتحليل الحرام وكيف كان عاقبتهم في هذه القصة ثم عاقبتهم عبر العصور، حيث أصبحت سنة ماضية في بني إسرائيل في كل عصر من العصور يسلط الله - عز وجل - عليهم بظلمهم وكفرهم وشرهم من يسومهم العذاب والخسف والقتل حتى عرف ذلك في التاريخ بملاحم بني إسرائيل ونحن اليوم مع واحدة من ملاحم بني إسرائيل باءوا بذلها وطال عهدهم بمثلها وما ربك بظلام للعبيد.
دولة بني مناد البريرية في غرناطة:
كان انهيار الخلافة الأموية والسلطة المركزية وما اقترن بذلك من الفوضى الغامرة فرصة سانحة لظهور الزعامات البربرية في ميدان النفوذ والسلطان ومن هذه الزعامات \'بنو مناد\' ويرجعون في الأصل إلى قبيلة صنهاجة البربرية الشهيرة وهم من البربر الحضريين، وقد استقر بنو مناد في غرناطة أيام الفتنة التي هاجت بالأندلس بعد انهيار الخلافة الأموية وأحكموا قبضتهم عليها ولما قامت دول الطوائف ابتداءاً من سنة 422هـ استقل بنو مناد البرابرة بحكم غرناطة وما حولها وكان أول من تملك منهم هو حبوس سنة 411هـ ثم تولى من بعده ابنه باديس الذي قدر له أن يكون أقوى ملوك البربر في جنوبي الأندلس واستمر يحكم سبعة وثلاثين سنة متصلة وقع خلالها الكثير من الأحداث والملاحم والمعارك الدامية.
يهود غرناطة وباديس:
كان لباديس ملك غرناطة كاتب اسمه أبو العباس وكان لأبو العباس هذا مساعد يهودي اسمه \'يوسف بن نغرالة\' كان داهية شديد الذكاء وأيضاً حسن السيرة فلما توفى أبو العباس أخذ يوسف اليهودي مكانه وأخذ في التقرب إلى باديس وكان ينتظر الفرصة السانحة ليترقى في منزلته عند باديس.
جاءت الفرصة عندما حاول بعض بني عمومة باديس الانقلاب عليه ودبروا مؤامرة لقتله وحاولوا ضم كاتبه \'يوسف اليهودي\' للمؤامرة وقد طمعوا في اشتراكه لكونه يهودي يعبد المال ولا يبالي بأمانة أو عهود فاهتبل يوسف تلك الفرصة وأحسن بفشل تلك المؤامرة فقام بإخبار باديس وانكشف المؤامرة وتم القبض على المتآمرين وعلت منزلة اليهودي جداً حتى صار أثيراً عند باديس وصار ناصحه الأول لا يبرم أمراً دون رأيه وظل هكذا فترات طويلة.
كان يوسف اليهودي رجلاً ذكياً نجح في أن يستأثر بعطف باديس وثقته فرفعه باديس فوق سائر الكتاب والوزراء فقام اليهودي بتعيين بني جلدته اليهود في كثير من المناصب الهامة في الدولة واستطاع بمهارته أن يملأ خزائن باديس بالأموال وهذا ما يرضي الحكام عن وزرائهم ويقدم لنا المؤرخ المعاصر ابن حيان وصفاً لهذا الوزير اليهودي فيقول: \' وكان هذا اللعين في ذاته على ما زوي الله عنه من هدايته من أكمل الرجال علماً وفهماً وذكاءاً ورصانة ودهاءاً ومكراً، ومعرفة بزمانه ومداراة لعدوه واستسلالاً لحقودهم بحلمه، بارعاً في الآداب العبرية والعربية، قليل الكلام دائم التفكير جماعة للكتب\' وقد ساعدته هذه الصفات بلا ريب للوصول لتلك المنزلة، واستمر ابن نغزلة في مكانته حتى هلك فندب باديس ابن وزيره الهالك وكان اسمه أيضاً يوسف وكان صنو أبيه في الذكاء والدهاء ومعرفة ما يطلبه الحاكم من وزيره فأبدى همة مضاعفة في جمع الأموال فتمكنت منزلته لدي باديس واجتمعت في يده السلطات شيئاً فشيئاً حتى غدا كأبيه من قبل أول رجل في الدولة وأمضاهم تصرفاً في شئونها.
خيانة اليهود:
كان استئثار اليهود بالنفوذ والمناصب في غرناطة يثير حنق الكثيرين من أهل غرناطة وكان على رأس هؤلاء الغاضبين من نفوذ اليهود هو الأمير بلقين ولد باديس الأكبر وولي العهد من بعده حيث كان يجاهر ابن نغزالة بالعداوة ويسعى لإسقاطه وقتله ويتضامن مع بلقين الكثير من رجال الدولة وشيوخ صنهاجة الكبار.
وكان يوسف اليهودي من جانبه يضع عيونه وجواسيسه من خاصة باديس في القصر وفي الحريم فلا يكاد باديس يأتي بحركة أو تصدر عنه كلمة حتى يقف عليها لفوره وكذلك بالنسبة لبقلين وعرف يوسف من جواسيسه بنية بلقين في التخلص منه فأسرع هو ودس على بلقين من وضع له السم في شرابه فمات بلقين مسموماً وكانت صدمة كبيرة على باديس وأفهمه يوسف اليهودي أن بعض فتيان ولده بلقين وجواريه هم السبب في ذلك فقتل منهم عدة وفر الباقون وكان ذلك سنة 456هـ.
بعد مقتل بلقين ازداد باديس انطواء على نفسه وفوض الأمور كلها لليهودي الذي زاد في طغيانه المرهق لأهل غرناطة لجمع الأموال واستسلم لذلك الطغيان والجبروت الجميع عدا رجل واحد اسمه الناية وهو رجل خدم باديس وقام له ببعض المهام الخطيرة حتى ارتفعت مكانته عند باديس ووقع التنافس بينه وبين يوسف اليهودي، وكان الناية يحرض باديس على وزيره اليهودي ويكشف له عيوبه كلما سنحت الفرصة حتى بدأ باديس يتغير من ناحية وزيره خاصة بعد اشتعال السخط الشعبي داخل غرناطة ضد اليهودي بعد القصيدة الشهيرة التي نظمها الفقيه الورع الزاهد أبو إسحاق التجيبي في التحريض على سحق اليهود ولقد شاعت تلك القصيدة وانتشرت كالنار في الهشيم وألهبت مشاعر الشعب الغرناطي وكانت الشرارة التي أضرمت الحريق وجاء في مطلعها:
ألا قل لصنهاجة أجمعيــن *** بدور الزمـان وأسد العرين
لقد زل ســـيدكم زلــة *** تقربهـــا أعين الشامتين
تخيــر كاتبه كافـــراً *** ولو شاء كان من المؤمنين
فعز به اليهود وانتخــوا *** وتاهوا وكانوا من الأرذلين
مذبحة اليهود:
شعر يوسف اليهودي بتزايد السخط الشعبي ضده وأن منزلته عند باديس قد ضعفت ففكر في التفاهم مع أبي يحيي بن صمادح صاحب مملكة ألمرية واستدعائه للاستيلاء على غرناطة، ومهد اليهودي السبيل لمشروعة الخطير بأن عمل على تعيين زعماء صنهاجة الذين يخشى بأسهم في الأعمال البعيدة واستطاع ابن صمادح بالفعل أن يستولى على وادي آسن الواقع شمال شرقي غرناطة وأن يشحنها برجاله والمخطط اليهودي يسير في طريقه وباديس غارق في لهوه منكب على لذاته وشعبه يضطرم سخطاً على الطاغية اليهودي.
وبالفعل وقع الانفجار في مساء السبت العاشر من شهر صفر سنة 459هـ الموافق 30 / 12 / 1066م حيث اجتمع يوسف اليهودي في هذه الليلة على الشراب مع طائفة من صحبه من الضالعين معه في مؤامرته وكان مشروعه لاستدعاء ابن صمادح قد نضج وكان ابن صمادح قد استعد بجنوده في مكان قريب من المدينة للانقضاض عليها.
في نفس الوقت كان هناك جماعة صنهاجة الثائرون على اليهودي ونفوذه وينقمون على أميرهم تهاونه وتخاذله قد أخذوا في مراقبة حركات اليهودي وسكناته وقد استشعروا رغم الحذر الشديد من جانب اليهودي أن هناك مؤامرة تدور في الخفاء.
وقعت حادثة صغيرة وعابرة في تلك الليلة أدت للانفجار وذلك أن مشادة وقعت بين أحد الحاضرين مع حاشية وخدم يوسف اليهودي فانطلق هذا الرجل خارجاً من الدار وهو يصيح لقد غدر اليهودي ووصلت الصيحة إلى ابن صمادح خارج البلدة فدخل بقواته مسرعاً وفي الحال هرع الناس وهو يتصايحون غدر اليهودي غدر اليهويد في مقدمتهم شيوخ صنهاجة إلى دار اليهودي فهرب يوسف منها واستجار بباديس فلم يفد ذلك شيئاً حيث هجم الناس على قصر باديس وفتشوه حتى عثروا على اليهودي في حزائن الفحم وقد تنزر وصبغ وجهه بالسواد فأخذوه وقتلوه ثم صلبوه على باب غرناطة.
كان الجند والمدينة بأسرها قد هاجت يومئذ وتخاطف الناس السلاح وهجموا على بيوت اليهود في كل مكان وأمعنوا فيهم تقتيلاً وتعذيباً ونهبوا دار يوسف اليهودي وكان ذاخرة بالكنوز التي جمعها من دم الشعب الغرناطي وبلغ عدد من قتل من اليهود يومها ثلاثة ألاف يهودي وعاد ابن صمادح أدراجه بعد أن انهار مشروعه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
هذا كذب
-aziz
03:24:43 2020-10-17