الأسلحة العربية الإسلامية القديمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 [1] الأهميـة:

استعمل العرب المسلمون الأسلحة العربية الإسلامية في غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - وسراياه، وفي معارك حروب الرِدَّة، وفي معارك الفتح الإسلامي العظيم، وفي معارك استعادة الفتح، وفي المعارك الدفاعية عن البلاد الإسلامية، وفي معركة (عين جالوت ) بقيادة قطز على التتار، وفي معارك صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين.

 

وكان من نتائج غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - وسراياه، التي استمرت سبع سنوات فقط (الرسول القائد 423 ) توحيد شبه الجزيرة العربية تحت لواء الإسلام، لأول مرة في التاريخ، ولربما لآخر مرة أيضاً، إذ لم يوحِّدها غيره حتى اليوم.

 

وكان من نتائج معارك حروب الردَّة التي استمرت سنة أو بعض السنة: إعادة الوحدة إلى شبه الجزيرة العربية تحت لواء الإسلام، وإعادة الوحدة إلى صفوف المجاهدين التي لو لا إعادتها لما كان الفتح الإسلامي ممكناً، ولظل العرب في ديارهم يتخذون خطة الدِّفاع، والمدافع لا ينتصر أبداً.

 

وكان من نتائج معارك الفتح: فتح بلاد شاسعة تمتد من الصين شرقاً إلى قلب فرنسا غرباً، ومن سيبيريا شمالاً إلى المحيط جنوباً، وإحراز انتصارات حاسمة على أعظم إمبراطوريتين: الفرس والروم، وغيرهما من الأمم العريقة.

 

وكان من نتائج معارك استعادة الفتح: إعادة فتح البلاد التي انتقضت إلى حظيرة الدولة الإسلامية من جديد بعد انتقاضها.

 

وكان من نتائج المعارك الدفاعية عن البلاد الإسلامية: بسط الحماية القادرة على تلك البلاد، وصد غارات المعتدين والطامعين عنها.

 

وكان من نتائج معركة (عين جالوت ): كسرُ شوكة تعرض التتار الكبير لأول مرة على بلاد المسلمين، وصدهم عن تنفيذ خطتهم المتعرضة للسيطرة على سائر بلاد المسلمين.

 

وكان من نتائج جهاد صلاح الدين الأيوبي: تحرير كثير من البلاد العربية من سيطرة الصليبيين، وكان على رأس البلاد المحررة مدينة القدس، والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الطاهرين.

 

وكان استعمال العرب المسلمين للأسلحة العربية الإسلامية القديمة، سبباً من أسباب انتصارهم في تلك المعارك على أعدائهم، فمن المفيد معرفة هذه الأسلحة وأساليب استعمالها، لمعرفة سبب من أسباب انتصار المسلمين في مسيرتهم الطويلة المظفرة، ولتفصيل المعارك القتالية التي استعملت فيها هذه الأسلحة من أجل تقريبها إلى الأفهام، وهذا التفصيل مفيد للغاية في إعادة كتابة تاريخ المعارك العربية الإسلامية من جديد بأسلوب واضح خالٍ, من التعقيد.

 

[2] المنهــــاج:

 والأسلحة العربية الإسلامية كثيرة العدد، وازداد عددها كمّاً ونوعاً بالتدريج، ولم تبق على ما هي عليه من أيام غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - وسراياه إلى المعارك الدفاعية، بل تطورت وتكاثرت يوماً بعد يوم.

 

لقد كان العرب المسلمون يتحلون بمزية (المرونة ) في القضايا العسكرية عامة: في التسليح والقضايا التعبوية والتنظيمية وأساليب القتال.

 

وكمثال على ذلك، فإن خالد بن الوليد - رضي الله عنه -اقتبس أسلوب الكراديس، قبل معركة اليرموك، نتيجة لاستطلاعه الشخصي لقوات الرٌّوم قبل أن ينشب القتال، وخرج في تعبية لم تُعبِّها العرب من قبلُ في ستة وثلاثين كُردوساً إلى الأربعين (الطبري 3/396 )، وباشر القتال بهذا الأسلوب القتالي، فأحرز النصر على الروم في تلك المعركة الحاسمة.

 

وما كان خالد لينتصر على الروم، لو جمد على أسلوب العرب القتالي القديم: الكرّ والفرّ، وأسلوب الصفوف، ولكنه اقتبس من الرٌّوم ما وجده صالحاً لجيش المسلمين في القتال، وطبَّقه فوراً، ولم يبق جامداً على الأساليب القتالية القديمة.

 

كذلك كان العرب المسلمون يقتبسون صنوف الأسلحة من أعدائهم، كما كان أعدائهم يقتبسون منهم صنوف الأسلحة ـ نتيجة للمعارك التي يخوضونها ـ فكانت هجرة الأسلحة من جانب إلى جانب من جملة الدروس المستفادة من تلك المعارك.

 

لقد كانت أسلحة المسلمين عند ظهور الإسلام في غاية البساطة: رماحهم من مُرَّان (شجر تتخذ من فروعه رماح فيها صلابة ولدونة )، وأسنتهم من قرون البقر، يركبون الخيل في الحرب أعراء، فإن كان الفرس ذا سرجٍ, فسرجه رِحاله (سرج من جلدٍ, بلا خشب )، من أَدَم (الجلد غير المدبوغ، ويطلق على المدبوغ أيضا ً)، ولم يكن ذا ركاب، والرِّكاب من أجود آلات الطَّاعن برمحه، والضارب بسيفه، وكان فارسهم يطعن بالقناة الصمَّاء، بينما الجوفاء أخف حملاً وأشد طعنةً، وكانوا يفخرون بطول القناة، ولا يعرفون الطعن بالمطارد (جمع مطرد، وهو الرمح القصير )، وإنما القنا الطوال للرجالة والقصار للفرسان، وكانوا في ابتداء الفتح الإسلامي لا يعرفون الرٌّتيلة (آلة تقذف الحصيات على العدو )، ولا العرَّادة (آلة تشبه المنجنيق )، ولا المجانيق، ولا الدبابات، والخنادق ولا الحَسَك (خناجر تصنع من الحديد الصلب، لها شعب تغرز أنصبتها في الأرض حول المعسكر، أو حول الموضع الدفاعي، حتى إذا دبَّ العدو إلى المعسكر أو الموضع، أنشبت في أرجل الخيل أو الرجالة، فتمنعهم من الدنو )، ولا يعرفون الأقبِيَة (جمع قباء: ضرب من الثياب، أخذتها العرب من الفرس )، ولا السراويلات، ولا تعليق السيوف، والطبول ولا البنود (جمع بند، والبند: العلم الكبير )، ولا التجافيف (جمع التجفاف، بكسر التاء، آلة يُغَطَّى بها الفارس والفرس في الحرب للوقاية )، ولا الجواشن (الجواشن: صدور الدروع، وقد تطلق على الدرع كله )، ولا الرمي بالمنجنيقات ولا الزرق بالنفط والنيران.

 

تلك بعض مطاعن الشعوبية على العرب بشأن آلات الحرب، كما نقلها الجاحظ في كتابه: (البيان والتبيين: 3/13 -16 )، ورد عليها (3/17-24 )، ولا أرى في هذا المطاعن شيئاً يستحق الرد، فهي مفاخر لا مطاعن، كفى العرب فخراً أنهم تغلبوا على أعدائهم بهذه الأسلحة البسيطة البدائية، بينما كانت أسلحة أعدائهم أفضل من أسلحتهم، فالأهم من السلاح اليد التي تستخدمه، وقد انتصر العرب المسلمون بهذه الأسلحة البدائية بفضل الأيدي المتوضئة التي استخدمتها في القتال.

 

ومن المعروف في تاريخ السلاح في العالم، أن السلاح ينتقل من أمة إلى أخرى بعد انكشاف أمره وفضح أسراره، وبمجرد استعماله في المعركة لا يبقى سراً من الأسرار العسكرية، بل يصبح معروفاً للصديق والعدو معاً.

 

والمنهاج الذي أعتمده في هذه الدراسة يهدف إلى التركيز على أهمية دراسة الأسلحة العربية القديمة، للدلالة على الطريق فحسب، تاركاً للباحثين سلوكه، لأن الدخول في تفصيلات سلاح واحد كالسيف مثلاً، يستغرق كتاباً مستقلاً ووقتاً طويلاً.

 

ولكن لابد من التطرق إلى أنواع الأسلحة، وخاصة المهمة منها، مع شيء من الوصف لها، لنعين الدارس على سلوك الطريق.

 

[3] التدريب على الســـــلاح:

لا قيمة لأي سلاح من الأسلحة إلا باستعماله، والتدريب على استعمال السلاح تدريباً راقياً دائباً هو الذي يؤدي إلى استعماله بكفاية، والمقاتل المدرب على استعمال سلاحه هو وحده يستطيع استعماله بنجاح، أما المقاتل غير المدرب فلا يستفيد من سلاحه كما ينبغي، والمدرَّب يستطيع التغلب على غير المدرَّب بسهولة ويسر.

 

ومن الضروري أن يثق المقاتل بسلاحه، والثقة تتم بالتدريب على استعمال السلاح، فإذا كان المقاتل لا يثق بسلاحه لضعف تدريبه أو لضعف السلاح، فإن مصير هذا المقاتل مصير لا يُحسد عليه.

 

وقد كان العرب قبل الإسلام يتدربون على استعمال السلاح، ولكن لم يكن تدريبهم إلزامياً، فكان منهم من يتدرب ومنهم من لا يتدرب بحسب رغبته وهواه.

 

فلما جاء الإسلام أمر بالتدريب وحث عليه، لأن الجهاد فرض على كل مسلم قادر على حمل السـلاح، فالمسلمون كلهم جند في جيش المسلمين، يجاهدون في سبيل الله لتكون كلمته هي العليا.

 

وقد وردت أحاديث كثيرة في الحث على الرمي، والرمي كما هو معروف، هو الاختبار العلمي للتدريب على السلاح، فإذا كان الرامي (هدَّافا ً) كان ذلك دليل على تدريبه المتقن الراقي، وإذا كان الرامي (وَسَطا ً) كان تدريبه وسطاً أيضاً، أما إذا كان (ضعيفا ً)، فهو ضعيف في تدريبه.

 

فقد مر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على نَفر من (أَسلَم ) - إحدى القبائل العربية - يَنتَضِلون بالسّوق، فقال: (ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً. ارموا وأنا مع بني فلان ))، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما لكم لا ترمون؟))، فقالوا: ((كيف نرمي، وأنت معهم؟ )) فقال: ((ارموا وأنا معكم كلكم )) (رواه أحمد والبخاري).

 

وعن عُقبَة بن عامر - رضي الله عنه -قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ,، ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ))، (رواه أحمد).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply