( النٌّهُوضُ بـ [ التأريخ ] )

1.7k
4 دقائق
التصنيف:
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%
بسم الله الرحمن الرحيم
القاريءُ في كُتُبِ ( التأريخ ) يرى أنه حَظِيَ بالإهمالِ من كثيرٍ, من أهله ، و ذلك في كونِهِ أُبقِيَ على حالٍ, واحدةٍ, ، و تُرِكَ على وضعٍ, راكدٍ, لم يتغيَّر.

و لا شكَّ أن إهمالَ ( التأريخ ) مَفسَدَةٌ كُبرى ، و خطيئةٌ جُلَّى ، لأن فيه تغييبٌ لحقائقه ، و سَترٍ, لمصداقية أخباره.

و مِن جرائره _ كما مرَّ _ جعلُه خامداً ، و تصييرُه ساكناً ، مما أدى إلى حِرمانه من ( النهوض ) به نحوَ ما يقتضيه كلٌّ زمانٍ, بحسبه.

و ( النهوض ) بـ ( التأريخ ) مما يتوافق مع مَسِيرِ ( التأريخ ): الزمني ، و المكاني ، و النوعي.

إيضاحُ ذلك: أن الزمان يدورُ دائرته ، و المكانُ يتبدَّلُ ، و الأحوالُ تختلف ، و ذلك كلٌّه لابدَّ و أن يكون فيه اختلافٌ بينَ السابق و اللاحقِ º فإما حسَنٌ و إما سيءٌ.

و المُرَادُ: أن يُنهَضَ بـ ( التأريخ ) نحوَ: الحُسنِ و الرٌّقِي ، و إقصاءَ ما يُسَبِّبُ له التَّخَلٌّفَ و التدنِّي.

و ( النهوض ) بـ ( التأريخ ) يكون بأمورٍ, ثلاثةٍ,:

الأول : التَّنقِيَة:

إن القاريءَ لـ ( التأريخ ) يَستَاءُ جدَّاً مما شابَه من الشوائب المُذهِبَةِ لِرَونَقِ حقيقته º و هاتيكَ الشوائبُ على أقسامٍ,:

أولها: أخبارٌ مُختَلَقَةٌ مَكذُوبَةٌ.

حينَ يتجرَّدُ الكاتبُ لـ ( التأريخ ) عن المِصدَاقِيَّةِ في الكتابة يكون العبَثُ في ( التأريخ )، و هذه الشائبَةُ عَمَّت في السياق التأريخي ، و انتشرَت في المصنفاتِ التأريخية.

و أسبابُها الباعثةُ عليها عديدةٌ لكنَّ جُملَتَها:

أولاً: الصراعُ الديني. ثانياً : الصراعُ السياسي.

فَمن الأول أخبارُ الروافض ، و من الثاني الأخبار المكذوبة على بني أمية.

ثاني الشوائب: التفسيرُ الكاذب.

و أعني بالكاذب: معنيين:

الأول: الكذب الذي هو ضدٌّ الحقيقة و الواقع ، و هو عَكسُ الصدق.

الثاني: الخطأ.

و هما معنيانِ معروفان عند العرب، لابد لمن أراد أن يُدِيمَ النظرَ و الاطِّلاع في تأريخ الزمان من تحليلٍ, و تفسيرٍ, لوقائعه و أحداثه.

و إن ممن تصدَّوا لتفسير ( التأريخ ) قَومٌ خانوا ( التأريخ ) ففسروا أحداثَه وَفقَ ما يتناسبُ و أهوائهم و مذاهبهم، و بذلكَ قُلِبَت حقائقُ ( التأريخ ) ، و ضُيِّعَت نفائِسُ خبايا أحواله. فهاتان شائبتان رئيستانِ في ( التأريخ ) ، لابد من تصفِيَةِ ( التأريخ ) منهما ، و إظهارِ الخُلاصَةِ الحَقَّة.

الأمر الثاني _ مما يتعلَّقُ بالنهوض _: التَّقعِيدُ:

مِن صُوَرِ الإهمال لـ ( التأريخ ) فُقدانُ التَّقعِيد له ، و غيابُ التأصيل لأبحاثه.

التقعيدُ من مهماتِ العلوم _ أي: في ذات العلوم _ فَبِهِ يكونُ ضبطُ أصولِ العلم ، و بِهِ يكونُ إحكامُ الطَّرح ، و بِهِ يكون توجيهُ الخلاف و تبيين الوفاق في العلم.

و كلٌّ عِلمٍ, خَلا من التقعيد فهو زيفٌ و هباءٌ ، و الاشتغال به ضياعٌ و فساد.

و العَجَبُ أن ( التأريخ ) من العلوم التي لحقَها قُصُورٌ في التقعيد ، و هي بالأهمية له بمكانٍ, كبير ، و ذاك من جهتين:

الأولى: كونُهُ ديوانُ الزمان و الإنسان.

الثانية: ما مرَّ من كون التقعيد مهمُّ في العلوم.

و لابدَّ من مُراعاة أمرين حالَ التقعيد:

الأول: كونُ القاعدةِ مَنصُوصَاً عليها عند جُملَةِ المؤرخين.

الثاني: مراعاة الوفاقِ في القاعدة و الخلاف فيها.

و التقعيدُ لـ ( التأريخ ) داخلٌ فيه:

أولاً: التقعيدُ ( الكتابي ).

و أعني به: وَضعُ قواعدَ لمن يتصدَّى للكتابة التأريخية ، فإن كثيراً من المشتغلين في كتابة ( التأريخ ) يكتُبُ على غيرِ قواعد ، أو على قواعدَ اخترعها، و هذا مما لا يُرتَضَى أن يكون في الكتابات التأريخية، و مما يُلحَق بهذا:

أ- التقعيد في التفسير التأريخي.

ب- التقعيد لمسائل الترجيح º فإن أغلبَ مَن يكتُبُ في ( التأريخ ) يَعمَدُ إلى ترجيحٍ, و نَصرٍ, لقولٍ, دون اعتمادٍ, على قواعدَ في ذلك.

ثانيها: التقعيدُ للقراءةِ في ( التأريخ ).

و ذلك بوضعِ أصولٍ, لمن أراد أن يقرأ في ( التأريخ ).

و بمعنى آخر: وضعُ منهجيةٍ, للقراءة في ( التأريخ ) ، و يُرَاعى فيها:

أ- كونُ الكتابِ ، أو المنهج مما هو عُمدَةٌ عند مُحقِّقي المؤرخين.

ب- التدرٌّج في القراءة.

الأمر الثالث _ مما يتعلَّقُ بالنهوض _: صياغة ( التأريخ ).

إن صياغةَ ( التأريخ ) مرَّت في زمنِ التأليف التأريخي على نوعين:

الأول: صياغةٌ من حيثُ الترتيبُ التسلسلي ، كما هو الحال من ابن جرير و ابن كثيرٍ, و غيرهما.

الثاني: الصياغة من حيثُ الانتقاءُ لأحوالٍ, منه.

هذان النوعان يتعلَّقان بالترتيب _ أصالةً _ و جعلُهما نوعين للصياغة لما للترتيب من تأثيرٍ, قويٍ, في صياغة (التأريخ).

و النهوض بـ ( التأريخ ) في صياغته صياغةً تتناسبُ مع أهل الوقت الذي تكون فيه صياغة ( التأريخ ).

و من أمثلة الصياغة: السؤالُ و الجواب ، الجدولَة ، التشجير.

على أنه يَنبَغي ملاحظةُ شيئين:

الأول: البساطةُ و السهولةُ في الصياغة ، فلا طولٌ مملُّ ، و لا اختصارٌ مخلُّ.

الثاني: الشمولية لـ ( التأريخ ) و أحداثه ، سواءً شموليةً عامةً للتأريخ كله ، أو شمولية خاصة لبعض أزمانه.

و إذا سلكنا تلك الأمور الثلاثة في النهوض بـ ( التأريخ ) يكونُ خروجنا بفوائد ثلاث:

الأولى: فهمُ ( التأريخ ).

الثانية: استيعابُ ( التأريخ ).

الثالثة: الاستفادةُ من ( التأريخ ).

و هذه واضحةٌ بَيِّنَةٌ لا تفتقر إلى إيضاح و شرح.

و صلى الله و سلم على نبينا محمد.


أضف تعليق