\"كان يا ما كان في قديم الزمان، وخير ما نبدأ به الكلام الصلاة على سيدنا محمد خير الأنام\".
منذ قديم الزمان عرف الناس الحكاية، وتناقلوها جيلاً بعد جيل، وقد وصل إلينا الكثير من الحكايات التي يعود تاريخها إلى فترة موغلة في القدم...مما جعل البعض يعتقد أن الحكاية ارتبطت بالموروث الشعبي، والتراث...
إلا أن استخدام الحكاية في الحقيقة صار أوسع اليوم، وباتت جزءًا مهمًا ليس فقط من العملية التربوية بل أيضًا من العملية التعليمية، ليس ذلك في فترة رياض الأطفال فقط بل حتى في المرحلة الابتدائية، فالدروس تبدأ بقصة لتشد انتباه الطفل لها، ثم تقدم له المعلومة، فحتى دروس الرياضيات صارت الحكاية تتدخل فيها... فما الذي أهّل القصة لتأخذ تلك المكانة في مدارسنا الحديثة؟
الحكاية وعلاقتها بزيادة القدرة الفكرية عند الطفل:
تشعر الأمهات بالدهشة عندما يتذكر أطفالهن تفاصيل صغيرة من حكاية سمعوها، وتتعجب الأمهات من تلك المقدرة الفكرية التي يمتلكها الطفل، ففي الوقت الذي تنسى الأم ما كانت حكته لطفلها، يتذكر هو كل التفاصيل مهما كانت صغيرة، على نحو غير متوقع، فالطفل ينسى الكثير مما يقال له، فما الذي يجعله يتذكر الحكاية بكل تفاصيلها؟
في الحقيقة أن الحكاية فيها من المتعة ما يساعد الطفل على التذكر، فحالة الانبهار التي يعيشها الطفل وهو يستمع لتفاصيل الحكاية تجعل ذهنه متحفزًا متنبهًا لكل كلمة تقال، فنحن نرى أعين الأطفال كيف تبدو متسمرة على وجه الراوي تتابع حركة شفاهه، وكأنها تستعجل ما يريد أن ينطق به من أقوال لتأخذها وتخزنها في الذاكرة، وكلما زادت مهارة الراوي في استخدام نبرات صوته وتعبيراته، التي يتفنن في استغلالها ليظل مستحوذًا على انتباه الطفل، أتيحت الفرصة لذاكرة ذاك الطفل أن تخزن كل ما يقوله.
والذاكرة مهمة جدًا في مجال الحكاياتº لأن الطفل إذا لم يتذكر فإنه لن يستطيع أن يتابع تطور الأحداث، ولم يتمكن من اكتشاف الترابط بينها. وإذا كانت الذاكرة هي أساس مهم من أسس المعرفة الفكرية، فإن القصة تصبح من أهم العوامل التي تساعد على تنمية عقل الطفل وفكره.
والدور الذي تلعبه القصة في زيادة القدرة الفكرية عند الطفل ليس مقتصرًا فقط على تذكر الأسماء، أو الأحداث، التي تنشط الذاكرة، بل إن عملية الربط بين أحداث القصة المتتابعة وتسلسلها بشكل منطقي للوصول إلى عقدة القصة التي لا تخلو من بعض الغموض... كل ذلك يحتاج إلى ذكاء، ومقدرة عقلية وفكرية عالية، ما يجعل استمتاع الطفل بالقصة وتفاعله معها، وحرصه على متابعتها، يزداد كلما ازداد ذكاء الطفل وإمكانياته العقلية. ومن ناحية أخرى نجد أن القصص بأحداثها المتنوعة وتتابعها تقدم مجالات متعددة لفكر الطفل كي ينمو ويتطور، وهذا ما يؤهل القصة لأن تكون وسيلة مهمة، بل من أهم الوسائل التربوية التي تساعد على تنمية قدرات الطفل الفكرية.
عندما يحكي الطفل الحكاية:
واستخدام الحكاية في تنمية مهارات الطفل الفكرية يمكن أن يبدأ في مرحلة مبكرة جدًا من عمره، قبل أن يذهب إلى المدرسة، وحتى قبل أن يتقن تمامًا النطق السليم، فهي تساعده في تكوين مفردات لغوية، وتزيد من حصيلته المعرفية، بأن تربطه بالكون والحياة من حوله.
ولكن عندما يبدأ الطفل خطواته الأولى نحو رياض الأطفال تصبح القصة هي الأساس المهم الذي تعتمد عليه معلمات رياض الأطفال لجذب الطفل وشد انتباهه من ناحية، ولتنمية مهاراته اللغوية من ناحية ثانية، أما الجزء الذي لا يقل أهمية عن الاثنين أن الطفل باستماعه للحكاية سيتدرب على الاستماع للآخرين، والإنصات لما يقولون، وهذا يشعره بالثقة والاهتمام، وينمي لديه الحس الاجتماعي، ويكون لديه عادة الإنصات التي إذا لم يتقنها فلن يستطيع أن يتقدم دراسيًا عندما يكبر.
كما أن تكرار استماعه للحكاية نفسها سيمكنه من حفظ الحكاية ليتمكن فيما بعد من إعادة حكايتها، وهي مرحلة تالية تأتي بعد أن يمتلك الطفل مهارات كلامية تساعده على ممارسة فن الرواية، وذلك بأن يتاح للطفل أن يعيد رواية الحكاية التي استمع لها من قبل. ورواية الطفل للحكاية من الفعاليات المهمة التي تساهم في تنمية الطفل للغته وتدريبه على استخدام المفردات التي تعلمها، كما يتمرن بمساعدة المعلمة على التحكم في نبرة صوته وطبقته، كما أنها ستعزز مكانته الاجتماعية، وتقوي ثقبته بنفسه وبالمجتمع الذي يحيط به. وسنحاول باختصار أن نعدد فوائد رواية الطفل للحكايات التي سمعها:
-تعزيز ثقة الطفل بنفسه عندما يجد الآخرين يستمعون لما يرويه.
- تساعده على التعبير عن ذاته وذلك برواية الحكاية بالطريقة التي يحبها، مما يجعله يطلق اسمه على أبطالها أو اسم صديق يحبه.
- يجعل البطل في الحكاية يتحدث نيابة عنه، فيفرغ شحنة داخل نفسه، وينطلق بعد ذلك منشرحًا سعيدًا، مما يخفف من الضغوط التي يحملها في داخله.
- عندما يروي الطفل الحكاية فإنه يتمكن من رؤية الأشياء في ضوء العلاقة بينها، وليست أشياء مجردة ومنفصلة، ويتدرب على التعبير عن هذه العلاقة.
- رواية الطفل للحكاية سوف تدفعه لأن يطلق أوصافًا على الأشياء التي تحيط به.
الفكرة والكلمة:
إن العلاقة الترددية بين الفكرة والكلمة تجعل كل واحدة منهما تدعم الأخرى وتقويها، فالفكرة تستدعي استخدام كملة للتعبير عنها، والكلمات هي التي تبلور الفكرة، وتزيدها وضوحًا وهكذا دواليك، وهذا ما يجعل القصة تلعب دورًا كبيرًا في تنمية فكر الطفل وقدراته الفكرية بكل جوانبها.
الحكاية بداية تعرف الطفل على الأدب:
والحكاية نوع من الأدب الشفهي الذي تناقلته الأجيال عبر السنين وصارت شكلاً من أشكال الأدب الذي يعبر عن فكر الأمة، وثقافتها، بل قد يتم من خلال الحكاية التعرف على ثقافات الشعوب المختلفة، وإذا كان الطفل يحتاج لعدة أعوام دراسية كي يصبح قادرًا على التعرف على الآداب المكتوبة، فإنه قادر على التفاعل مع الحكاية في سنوات عمره الأولى، مما يجعلها فترة مهمة جدًا وخصبة تستفيد من أدب الحكايات، وهذا ما يجعل للحكاية الشكل الأدبي الأمثل الذي لا ينحصر دوره في مجرد تنمية فكر الطفل، ومهاراته اللغوية، وشحذ خياله، بل أيضًا إنها نافذة ثقافية في مرحلة مبكرة من عمره تشعره بأهمية الكلمة وتقوده بلطف وحنان إلى البحث الدائم عن اكتشاف الغموض والرغبة في اكتشافه والتعرف عليه.
وأخيرًا:
لم تعد الحكاية نشاطًا اجتماعيًا نمارسه وقت فراغنا، بل تعرفنا على فوائد عديدة لهذا النشاط مما جعلنا نحرص على إيجاد وقت فراغ كي نمارسه حتى نبني فكر أطفالنا ونتواصل معهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد