ذكر لي أحد الصحب اسم رواية عاطفية كتبت على صفحات النت... فبحثت عنها حتى وجدتها... و طالعت تلك الأرقام القياسية التي حققتها... فاندهشت منها وتعجبت... فقد قرأها في أحد المنتديات مليون وربع المليون من المتتبعين (يعتبر هذا العدد في عداد المطبوعات من الأرقام القياسية)... ووجدتها في منتديات أخرى قد لخصت... و اختصرت... و حذفت الردود... و أضيف عليها وحذف منها... ولعل عدد صفحات تلك الرواية جعلني أتردد بقراءتها أو المرور عليها... فسألت عنها فقال من أطلع عليها إنها رواية عاطفية تحتوي الكثير من المشاهد التي تتوقف النفس الطيبة عن متابعتها...
أخوتي و أخواتي...
إن القصص الروائية العاطفية المنسوجة بدقة بدأت تغزوا عقول الشباب و الشابات... ومعها بدأت تُدق أجراس الخطر... وهذا الخطر لا أتقوله عليها عبثاً... أو أحاربه لهواً في نفسي.. أو أنني ممن أشهر سلاحه ليحارب روايات الحب و الروايات الرومانسية لمجرد أنها تحكي قصص الحب و تصف حال المتحابين فقط.. أو لأنها رسمت بشكل عاطفي... ليس هذه معارضتي لمثل هذه الرواية أو غيرها... ولكن معارضتي أن مثل هذه الروايات النتيه بعيدة عن الرقابة... و أنها أيضاً كتبت بأيدي غير معروفة ممن أعطاهم الله حساً في الأسلوب وحرموا من تجارب الحياة الواقعية فخلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً... و أضف إلى ذلك أنها تفقد الصياغة الواقعية التي تلامس حياتنا و تحاكي واقعنا... إنني أتوقف عند مثل هذه الروايات... لأن مثل هذه الرواية تجعل الفتيات و الفتيان يعشوا جواً رومانسياً حالماً... و يحلقوا بعالم آخر... مبني على أحلام وردية... و تصور الحياة بأنها حياة لا تعرف إلا الحب... وأن الحب بين العشاق هو الهدف الأسمى... بل هو الأساسي في حياتنا... و أن الحب قادر على التغلب على جميع العقبات... أو بمعنى أصح أن الحب يتحدى كل العقبات... فهي ترسم جو شاعري بين الحبيب و المحبوب ملؤه التحدي... و نهايته إما الوصول للمحبوب... أو أن نهايته هو نهاية الحياة بالكلية... و تجعل من يقرأ هذه القصة يعيش الأمنيات... و يحلم بتلك الحياة... فتبدأ الفتاة تفكر بحياتها... و كيف لها أن تعيش حياة مشابهة سعيدة... و تبدأ رحلة البحث عن الحبيب... و فارس الأحلام الذي تنتظره بعد مغيب... و الذي سوف ينفذ معها سيناريو هذه القصة... فهنا تدخل الفتاة بكل مشاعرها... و بعواطفها الفياضة في جو وردي شاعري جميل... و لكنه ينتظر التطبيق... و الخوف ليس الخوف أن تعيش الفتيات مثل تلك المشاعر الجميلة... وتلك الجمل من الأحلام الرائعة... و لكن خوفي أكبر... و قلقي أعظم... إن خوفي من مثل هذه الروايات أنها عندما تقرأها الفتاة المتزوجة المحرومة من مثل هذه المشاعر تعتقد أن الجميع يعيش في نعيم وأنها هي وحدها التي خانها الحظ و أن حياتها منذ أساسها هي حياة فاشلة وأن ما يكتنفها من مشاكل أساسه أنها بدأت حياتها الزوجية بطريقة خاطئة... فقد بدأتها بدون قصة حب مماثلة مما يعرض على صفحات النت أو في أي وسلة إعلامية... لذا استمرت حياتها بعد الزواج خالية من أحلام الحب.. أما خوفي على الصغيرات من الفتيات ممن ينظرن المستقبل المشرق... أن تدلف إلى تلك الحياة عبر أبواب مظلمة... فهي تنظر إلى القصص المحبوكة أنه حق لا يخالطه باطل.. و تنظر إلى القصص الجميلة أنها أماني يسعى الجميع لتحقيقها.. ولا تعلم أن عالم النت عالم واسع مفتوح للجميع... فالكبير و الصغير يدخله... و العاقل و الناقص يتجول فيه... لذا قد يرى الكبير المحنك مثل هذه الروايات فيحذرها.. و يراها الصغير الغض فيقع في شراكها.... و قد يراها العاقل فيتبسم ساخراً منها... و يراها الجديد على الحياة و يتبسم فرحاً بها... و بالتالي قد تكون النهايات بحسب البدايات... فالنهاية أن الفتيات و الفتيان عندما يعيشوا الحياة الحقيقية يجدوا أن الحياة بصعوباتها... وضغوطاتها... ومشاكلها تخالف ما رسمته تلك الروايات.. وتبدأ رحلة المتاعب... إثر تلك الصدمة... أو يستمر الفتى و الفتاة بانتظار الحياة السعيدة الموعودة وذلك بالتمني و انتظار السعادة المزخرفة أن تتحقق... فهنا تخرب بيوت... وتموت أحلام... وتذبل آمال... و يبدأ إيقاع الحياة بفرض نفسه على الجميع وبقوة... فمن ينجوا من تلك المهلكة فهو السعيد... و القليل هم الناجون... وهم الذين يفيقون من أحلامهم و يبتدئون العيش على أرض الواقع... ويعلمون أن صدمة الحياة هي النجاة وهي شرارة اليقظة من السبات...
لذا و من خلال هذه الحروف... لا أدعو للتشاؤم... أو أن التفاؤل في عرفي غائب... ولكن يجب أن نعيش الواقع... ويجب أن نجد حلاً لهذا العنف العاطفي الذي بدأ يطرق أبواب بيوتنا من كل اتجاه.... فهل نجد حلاً عميقاً ينجينا من تلك الظلمات التي بدأت تتساقط علينا في كل وقت...
فقد كنت أعتقد من قبل أن التحصين الداخلي للأبناء هو المنجاة والحل الأسلم... و لكن مع تغير ظروف الحياة... و كثرة المتدخلين بتربية أبنائنا أصبحت تربية الأهل مهددة... فأين المفر لنا و لأبنائنا من عوامل التغيير التي تهبط عليهم صبح مساء... و أين لهم الطاقة من مواجهة هذا الغزو الساقط... فكم يحززنني وضعهم... و كم أشفق و أخاف عليهم... و كم أدعو لهم بالصبر و الثبات... فهذه المحن تهدم الجبال الراسيات... فنحن عملنا جُهدنا حتى جَهِدنا... و أبناؤنا المساكين أغشيت عيونهم من كثرة الملابسات... و اختلاط الشبهات... فأين لهم من تميز الحق المستتر من الباطل المجاهر... و كيف لهم من الهروب عن خنادق الظلال في ليل الظلام... و كيف لهم التمسك بطوق النجاة... و هم أغرار صغار... و هم ممن لم تعركهم الحياة بتجاربها...
فكيف لهم العيش مع المبادئ و القيم التي علمناهم إياها في أول حياتهم و المؤثرات الموجهة المختلفة تطاردهم.... من إعلام هابط... و من مجتمع بدأت عليه آثار الانفتاح... و من تقنيات بدأت تظهر سلبياتها على السطح... فالكل مشارك بالتربية.. وكلاً يمد يده ليقتسم معنا فلذات أكبادنا... كلهم يريدون أن يشاركونا... الفضائيات... الأصدقا ء... الجامعات و المدارس... الاستراحات و الديوانيات... و من كل حدب وصوب يهبطون... فهل نصمت أو ننتظر حتى تغرس سكاكينهم المميتة في ظهورنا... أو نتوقف نطلب المدد من الله ونحن لم نسعى...
لا... و ألف لا... فيجب علينا جميعاً أن نعمل بالخط المعاكس... و أن ننشر الفضيلة كما يجتهد أصحاب الرذيلة... وهذا العمل لا يعذر فيه إنسان... و لا يحق لمرء أن يتوانى عنه... ولا يغفر لفرد أن يعلق مشاكله على الغير وبدون أن يجتهد لتقديم حلاً و لو اجتهادياً... فأطرح بعض النقاط... لعلها تكون سبباً بتدافع خبرتكم لكتابة بقيتها على أرض الواقع... وهي كذلك تذكرة ببعض نقاط التربية التي اعتقدها فلعلها تفيد في هذا الطريق منذ الصغر...
1. غرس الخوف من الله في النفوس في كل وقت وحين... وأن الله مطلع على السرائر...
2. الدعاء.. واليقين بالإجابة بأن الله يجيب دعوة المضطر والوالد و المظلوم...
3. تنشيط الرقابة الذاتية في أبنائنا على الدوام... و العمل على بذر هذه الصفة في نفوسهم... و ذلك بعد زرع الفضيلة و المبادئ السامية في نفوسهم بحيث يفرقون بين الحسن و السيئ في دروب الحياة...
4. تعويد الأبناء على المصارحة والوضوح مع الجميع و خاصة الأقربين من حولهم..
5. إظهار الأبناء على بعض المشاكل البسيطة و التي تواجه الأسرة... وذلك حتى لا يعتقدوا أن الحياة الأسرية هي حياة بلا منغصات...
6. العمل على بث الخير بين الجميع والتحذير من مثل هذه الروايات والساحرة... الغير مقننة...
7. أن يتقدم كل إنسان بمواهبه فينثرها في النت... فإن الإبداع يجذب النفوس.. وعندها يبدأ بتضمينها مبادئه المتوافقة مع الشريعة...
8. مع التحصين الداخلي لأبنائنا يجب أن نختار ما يناسب هواياتهم... و أن نقف كذلك على اختياراتهم...
9. يجب أن تكون لدينا تغذية مرتدة لأساليب التربية.. بمعنى أن الأساليب التي استخدمناها قبل سنوات أو أشهر قد تكون غير مناسبة في هذا الوقت الحالي... فالحياة تتغير وبسرعة ويجب أن نتسارع معها
10. يجب أن نشغل أوقات أبنائنا بالمفيد بما يتوافق مع هواياتهم وميولهم.... حتى و إن كانت ميولهم عاطفية فيجب أن نختار المناسب منها و الملائم لهم...
11. إن زمن فرض الرأي قد انتهى... فحتى الأطفال الصغار الآن لا ينفذون ما يطلب منهم مالم تقدم لهم حجج مقنعة... أو تدعم رأيك ببراهين مثبته...
12. يجب أن يتم إشباع الجانب العاطفي من الوالدين للأبناء.. فذلك يهذب العواطف المتأججة في نفوسهم.. فهم يبحثون عبر كل الوسائل لإشباعها وإخراجها.. فكن أنت المصدر للتلقي والمصدر لإشباعها..
13. تأكد إن لم تكن قريباً لأبنائك... فلن تستطيع أن تصل إلى قلوبهم..
14. قد تعمل... وتعمل... ولا تنجح بعملك مع أبنائك... فلا تيأس و كن واثقاً بالله.... و اعلم أن الله قد كتب لك الخير في قادم الأيام بإذن الله - تعالى -..فابحث وحاول بطرق أخرى فلعل الله صرف عنك الأولى لتجد أفضل منها وأكمل...
لدي الكثير من النقاط... ولكن أعتقد أنني أطلت كثيراً عليكم... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد