أضواء على تربية المراهقين في الجانب الجنسي


  

بسم الله الرحمن الرحيم

يعتبر نمو الجهاز الجنسي لدى الإنسان، من أواخر الأجهزة الجسمية نمواً، حيث يكتمل النمو خلال مرحلة المراهقة، ويعتبر البلوغ حدثاً مهماً للفتى والفتاة، ولذا لا بد من التوعية للمراهقين من الجنسين، حول هذا الحدث، فهو يشكل نقطة تحول من مرحلة الطفولة لمرحلة الشباب، وهو يتزامن مع مجموعة من المتغيرات والتفاعلات البيولوجية والنفسية والاجتماعية لكلا الجنسين.

والبلوغ غالباً يحدث لدى النساء بين سن التاسعة والرابعة عشرة، وبين الحادثة عشرة والسادسة عشرة بالنسبة للذكور، وتوقيت البلوغ يختلف من فرد لآخر، ومن مجتمع لآخر، ومن العوامل المؤثرة في ذلك:الصحة العامة، والوراثة، والرفاهية الاجتماعية، والثقافة السائدة، والمناخ وغيرها.

إن الإسلام لم يغفل الجانب الجنسي لدى الإنسان، فقد تحدث عنه القرآن الكريم بأسلوب مهذب جميل، قال - تعالى -: {نِسَآؤُكُم حَرثٌ لَّكُم فَأتُوا حَرثَكُم أَنَّى شِئتُم وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم}(البقرة/223). وقال - تعالى -: { وَيَسأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُل هُوَ أَذًى فَاعتَزِلُوا النِّسَاء فِي المَحِيضِ وَلاَ تَقرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطهُرنَ فَإِذَا تَطَهَّرنَ فَأتُوهُنَّ مِن حَيثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبٌّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبٌّ المُتَطَهِّرِينَ}(البقرة/222)، وقال - سبحانه -: { أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُم هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُم وَأَنتُم لِبَاسٌ لَّهُنَّ}(البقرة/187). وقال جلّ شأنه: { أَو لاَمَستُمُ النِّسَاء}(النساء/43)، وقال - سبحانه -: { يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَستَأذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَت أَيمَانُكُم وَالَّذِينَ لَم يَبلُغُوا الحُلُمَ مِنكُم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ, مِن قَبلِ صَلَاةِ الفَجرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعدِ صَلَاةِ العِشَاء ثَلَاثُ عَورَاتٍ, لَّكُم لَيسَ عَلَيكُم وَلَا عَلَيهِم جُنَاحٌ بَعدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيكُم بَعضُكُم عَلَى بَعضٍ, كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(النور/58) وقال - تعالى -: {أَلَم يَكُ نُطفَةً مِّن مَّنِيٍّ, يُمنَى}(القيامة/37) وقال - سبحانه -: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَت حَملاً خَفِيفًا }(الأعراف/189)، وقال جلّ جلاله: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُم عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ}(البقرة/187)، وقال - تعالى -: { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ }(البقرة/197).

وفي السنة إشارات نحول الفعل الجنسي بطريقة مهذبة، فقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"وفي بضع أحدكم صدقة\" (رواه مسلم) وقال أيضاً: \"إذا أتى أحدكم أهله فليستتر\" (رواه ابن ماجه والطبراني)، وقال: \"لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله\" (رواه البخاري ومسلم)، وقال: \"إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها\" (رواه أبو يعلي) وقال - عليه السلام -: \"ولك في جماع زوجتك أجر\" (رواه النسائي) والأحاديث في هذا كثير جداً، وإنما أردت الإشارة فقط.

من هذه الأدلة والتوجيهات ننطلق في تأصيل التربية للمسلم والمسلمة في جانب هام من حياتنا، وهو التثقيف الجنسي المنضبط. إنّ إغفال هذا الجانب يترتب عليه كثير من المحاذير، الشرعية والصحية والنفسية والاجتماعية.

من المحاذير الشرعية أن يجهل الشاب أو الشابة أموراً تتعلق بالطهارة من الجنابة أو الحيض فيما أو أهمية الغسل بعد انقطاع الحيض الذي يتوجب أثناءه ترك الصلاة والصوم وقضاء الصوم بعد الطهر، وكذلك الاغتسال من الجنابة، والامتناع من قراءة القرآن ومسّ المصحف ونحو ذلك.

والمحاذير الصحية في معرفة أمراض الجهاز الجنسي والعناية به، والبعد عن العبث في الأعضاء الجنسية، وخطورة انتقال الأمراض الجنسية، وخطورة فض غشاء البكارة بالنسبة للفتيات.

والمحاذير النفسية المتمثلة بما يتلقاه الفتى أو الفتاة من معلومات مغلوطة من مصادر غير موثوقة كالأصدقاء ونحو ذلك، إضافة إلى الانحرافات الجنسية العديدة والتي يكون منشؤها نفسياً في الغالب.

والمحاذير الاجتماعية ما يتعلق بمخاطر الاختلاط، والعلاقات بين المراهقين والمراهقات أو حتى الكبار ممن عرف عنهم الأخلاق السيئة، فكم من جريمة خلقية وراءها صديق فاسد، أو صديقة فاسدة، مع انعدام التوجيه والتربية من قبل الوالدين..إذن كيف نتعامل مع المراهقين في هذا الجانب؟ لا شك أن من يقوم بالتوجيه والتعليم يختلف باختلاف الجنس.

فبالنسبة للذكور: يبدأ الأب أو من يقوم مقامه، ببناء علاقة مودة موثقة بينه وبين المراهق، فيذكر له أنه على وشك دخول مرحلة الرجولة، إذ سيصبح رجلاً كالرجال، فقد بدت علامات ذلك، من خلال التغيرات التي تطرأ عليه، مثل ظهور شعر الشارب، وظهور شعر الإبط والعانة، وكذلك تغير الصوت من صوت طفولي إلى صوت أقرب لصوت الرجال، كذلك هذا التغير في النمو الجسمي السريع، فها أنت أصبحت تشعر بأنّ ملابسك بدأت تصبح ضيقة عليك وقصيرة، وأن حذاءك أصبح غير مناسب لك..، أنت بدأت تخطو سريعاً نحو اكتمال الجسم.. لتصبح رجلاً كأبيك، ويبدأ يشرح له أسباب هذه التغيرات من جانب فسيولوجي، ولو يستعين بقراءة مراجع متخصصة حول هذا الجانب..

ثم بعد ذلك يشرح التغيرات الجسمية والوجدانية المتعلقة باكتمال النمو، ويذكر له مسألة الاحتلام كيف تحدث، وأسبابها، وما يترتب على ذلك من أحكام شرعية..، مع الإشارة إلى ما يصاحب هذا الحدث من تغيرات في المشاعر والعواطف نحو الآخرين، خاصة الجنس الآخر، مع ربط هذا الميل وتلك المشاعر بكونها جبلة جبل الله الناس عليها، لكي يتم الزواج وتعمر الأرض ويكثر النسل، إلا أن هذا الميل قد ضبطه الشرع بضوابط، لا يجوز تجاوزها، قال - تعالى -: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبٌّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء}(آل عمران/14) وفي المقابل حذر الله من الانسياق وراء الشهوات دون ضابط من الشرع، فقال - سبحانه -: { وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيمًا}(النساء/27)، وقال - سبحانه -: {فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّ}(مريم/59) وقال - تعالى -: { قُل لِّلمُؤمِنِينَ يَغُضٌّوا مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم}(النور/30) وقال - سبحانه -: {وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُم وَالحَافِظَاتِ}(الأحزاب/35) وقال - سبحانه -: {وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزوَاجِهِم أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ}(المعارج/29ـ31).. ونحو ذلك من الأمور المنهي عنها، مع دعوته لصيانة نفسه من الوقوع في الزنا واللواط والفحش والفسق وممارسة العادة السرية ونحو ذلك مع تبسيط لهذه المعاني، لكي يعي ذلك ويدرك مخاطره، ولا بأس بشرح مبسط مصور لتشريح الجهاز التناسلي للذكر، وبيان وظائف كل جزء وكيفية حدوث الاحتلام.

كما ينبغي على الأب أن يحذر من أساليب وأماكن الشر والفساد، الموجودة في بيئة الشاب، ويبث فيه خلق التقوى والصبر ومراقبة الله - جل وعلا -، فهو المطلع على الإنسان، فهو السميع البصير - سبحانه وتعالى -، كما يبث فيه خلق الحياء وغض البصر، قال - تعالى -: { قُل لِّلمُؤمِنِينَ يَغُضٌّوا مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم}(النور/30).

مع بيان لبعض الأمراض الجنسية، التي تصيب من تعدى حدود الله وأوامره، ويفضل أن يكون ذلك كله بلغة واثقة جريئة وبلهجة أو لغة يفهمها الشاب بعيداً عن الأسلوب الرسمي الذي يشعر المراهق بدرس تعليمي إضافي لما يأخذه في المدرسة.

أما بالنسبة للفتاة: فتقوم بهذه المهمة الأم أو من يقوم مقامها، حيث يسبق هذا الدرس الهام بث الطمأنينة وبناء علاقة حب وثقة ومودة بين المراهقة والأم، فتشير إلى أنها على أبواب دخول مرحلة المرأة الكاملة الناضجة، والتي لها موقعها المهم في الأسرة والمجتمع، وأنك قد قاربت بطلاق مرحلة الطفولة والدخول إلى مرحلة الشباب والنضج واكتمال الأنوثة، والتهيؤ لأن تصبحي زوجة وأما.

ثم تشير إلى التغيرات الحاصلة لديها، كنمو سريع حيث أصبحت الملابس تضيق عليها وأصبح الحذاء لا يناسب قدمها..، مع الإشارة إلى المظاهر الجسمية مثل تغير الصوت من صوت طفولي إلى صوت أنثوي ناعم وعميق، والإشارة إلى ظهور الشعر في الإبطين والعانة، وتحول الوبر في الساقين والساعدين إلى خشن، كذلك بروز الصدر ونمو الثديين، وتراكم الدهون في الأرداف.

ثم تدخل إلى أن ذلك مؤذن بحدوث الحيض، فتشرح لها طبيعته ومدته ودورته وسببه، وما يترتب عليه من أحكام شرعية، منها وجوب الحجاب، فقد أصبحت امرأة ناضجة، ومنها ترك الصلاة والصيام أثناء الحيض، وقضاء الصيام دون الصلاة وغير ذلك من أحكام، ولا بأس بالاسترشاد بكتاب فقهي حول هذا الموضوع، وكذلك أهمية الاغتسال من الجنابة نتيجة الاحتلام لو حدث، وما يتعلق به من أحكام، ثم تنتقل بعد ذلك على أهمية المحافظة على النظافة والصحة لهذه الأعضاء وطبيعة ووظيفة أجزاء الجهاز التناسلي للفتاة، مع رسم تشريحي للجهاز الأنثوي، من مبايض ورحم ومهبل وغشاء بكارة.

ثم تبين لها الأهمية الصحية والاجتماعية والزواجية لهذه الأجهزة، وأهمية المحافظة على غشاء البكارة، وكيف ينظر المجتمع لهذا الأمر، وخطورة العبث في هذا العضو، ثم تعرض جانباً من الأمراض التي تصيب هذا الجهاز في حال مخالفة شرع الله أو التساهل في أمور النظافة والعناية بتلك الأعضاء، وخطورة العبث فيها.

ثم تشرح لها وظيفة الزواج في حياة الفتاة وفي دورة المجتمع، وكيف يتم الحمل، وكيف أن الإنجاب هو من المهام السامية للفتاة، وكيف تصبح أماً، وطبيعة العاطفة في المرأة على عكس الرجل، ووظيفة مثل هذه الجوانب في العطف على الأولاد ورعايتهم وتربيتهم والصبر عليهم، فدافع الأمومة عنصر هام في سبيل حماية الأبناء ورعايتهم.

كما تشرح لها أهمية التحكم بالعاطفة تجاه الجنس الآخر، وطبيعة إشباع الدافع الجنسي من خلال ما شرعه الله، وما وضع له من ضوابط، وعدم الانسياق وراء العاطفة، والتعقل والتصبر في هذا الجانب.

كما تربّي فيها خلق الصبر والمصابرة لحين قدوم فارس الأحلام، ولذا تبين لها مما هو محمود من خلق المرأة من الخفر والدلال والحياء ونحو ذلك، كما تربي فيها خلق غض البصر وفوائده، قال - تعالى -: {وَقُل لِّلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ}(النور/31) كما تصبرها بأساليب وحيل الأشرار من النساء والشباب والرجال، في الإيقاع بالفتيات وسلب أعزّ ما لديهن بعد دينهن.

تلك أهم النقاط التي لو سار عليها الأبوان لجنبا أولادهم من ذكور وإناث ـ بإذن الله ـ مشكلات شتى لا حصر لها.

وقد لا يكون الأب مؤهلاً أو ليس لديه الاستطاعة في القيام بتلك الخطوات، فليعهد بذلك لمن يقوم به كالأخ (أي العم) أو مربي الشاب أو المعلم أو إمام المسجد إن كانوا مناسبين للقيام بهذا.

كذلك الأم قد لا تكون مؤهلة لذلك، أو لا تستطيع القيام ببعض الخطوات، فالتعهد بذلك لغيرها، إما أختاً لها أو عمة للفتاة، أو صديقة حكيمة أو غيرها.

نسأل الله أن يحفظ شبابنا وفتياتنا من كل سوء ومن مكر شياطين الإنس والجن ممن عناهم الله بقوله: { وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيمًا}(النساء27).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply