الأطفال ومسلسلات رمضان إنهم بحاجة إلى من يستمع إليهم


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الأطفال ثروة كبيرة، هم أمل المستقبل، فإذا استطعنا أن نعلمهم ونوجههم التوجيه الصحيح فإننا بذلك نكون كمن يضع البذرة في الأرض انتظاراً لجني المحصول.

ومن المفروض أن تكون المدرسة هي المنبع الأهم لتحصيل المعرفة وزرع الوعي في عقول هذه الزهرات اليانعة، وينبغي أن تكون هي المصنع الذي يخرّج أناساً عاقلين، يعرفون كيف يحاورون وكيف ينتقدون وكيف يعبرون عن أنفسهم وعن آرائهم.

ومن خلال عملي في التدريس حاولت أن أجعل في درسي، وهو درس للتربية الإسلامية، مساحة لمناقشة الطلاب ومعرفة آرائهم فيما يدور حولهم، فصرت أستغل موضوعات المنهاج لأكلف الطلاب بكتابة موضوعات متنوعة، يبدون فيها آراءهم بالموضوع المطروح، ويعبرون فيها عن تساؤلاتهم وما يشغل بالهم.

طلبت منهم أن يكتبوا عن المسلسلات التي يشاهدونها في التلفاز أثناء شهر رمضان، هل تعبر عن الواقع؟ ما سلبياتها وما إيجابياتها؟ وما انتقاداتهم لها؟ ولماذا؟

كان الهدف من هذا معرفة آرائهم، والأمور التي تلفت نظرهم، ومدى تأثير هذه المسلسلات على عقولهم، وانعكاسها على تصرفاتهم.

في الحقيقة لقد وجدت أن هؤلاء الصغار يملكون نظرة وتحليلاًً لما يدور حولهم وليسوا خارج الأحداث كما يظن كثيرون، وهم أيضاً يفكرون، يقبلون أشياء ويرفضون غيرها.

كتبت طالبة عن مسلسل \"حاجز الصمت\" وكتبت أخرى عن مسلسل \"الشمس تشرق من جديد\" وكتب طالب عن مسلسل \"بكرة أحلى\" وآخر كتب عن مسلسل \"الغدر\" وكتب غيرهم عن \"الحور العين\"، وعن \"أشواك ناعمة\"، وغيرها من المسلسلات الأخرى.

وقد قدموا عدة ملاحظات أعتقد أنها جديرة بالاهتمام:

 

ملاحظات الطلاب:

1 تحدث الطلاب عن بُعد هذه المسلسلات عن الواقع، فقال أحدهم: يتحدثون عن مضار التدخين ثم نجد معظم الممثلين يدخنون، فالسيجارة رفيقة المثقف وسيدة المجتمع، وكذلك كثرة مشاهد شرب الخمر حتى كأن هذه الأمور هي عادية في مجتمعاتنا.

2 وقالت إحدى الطالبات: إنهم في المسلسلات لا يتحدثون مثلنا، فهم يستخدمون عبارات لا نستخدمها في التعبير عن أنفسهم (كلام مثقفين)، مما يشعرنا بالدونية غالباً، فأبطال المسلسلات يعبرون عن أنفسهم ومشاعرهم بعبارات منمّقة، بينما نحن لا نسمع مثل هذا بيننا.

3 وطالبة قالت: إنهم يصورون الفتاة المحجبة على أنها فقيرة ومتخلفة، صحيح أن هناك حالات مشابهة ولكننا نجد أن المحجبات مشاركات في العمل والدراسة، وعيب أن نقيّم الشخص بشكله أو لباسه، فصرنا نجد لا شعورياً أن الحجاب ملازم للتخلف والانغلاق، مما يكوّن في نفس المحجبة شعوراً بالخجل المبطّن من حجابها.

4 وقدمت طالبة ملاحظة متعلقة بمسلسل \"الشمس تشرق من جديد\"، فقالت: إن مرام وصديقتها هيام كانتا تعيشان وحدهما في شقة وكانتا تستقبلان الشباب فيها أحياناً، فهل يُعقل أن تتصرف فتاة بمثل هذه الحرية دون أن يتحدث الناس عن سمعتها؟ ثم إن أهل هيام لم يسمحوا لها بالسفر بمفردها خوفاً على سمعتها، فكيف سمحوا لها باستقبال من تشاء في بيتها من غير خوف على سمعتها؟!

وتناولت طالبة أخرى جانباً آخر من المسلسل السابق فقالت: إن عماد في المسلسل فكّر بابنه المعاق، فتزوج امرأة أخرى غير زوجته لتنجب أخاً لولده المعاق، ولكنه ظلم هذه الزوجة وابنها، وعاملها وكأنها ليست إنسانة، وهنا وجدت الطالبة تناقضاً بين محبة عماد لابنه المعاق، وعدم اهتمامه بابنه الآخر، فهو أصلاً تزوج من أجل إنجابه.

وطالبة علّقت على مسلسل \"الحور العين\" بأنه أظهر العلاقات الأسرية المتنوعة، فمن خلال الأسرة الفلسطينية عرض مشكلة التعامل مع سن المراهقة، فالأب كان يتبع أسلوب الضرب مع ولده، والأم كانت تتبع سياسة المنطق والمناقشة، ومن خلال الأسرة الدمشقية أظهر فيها حنان الأم الكبير بصورة كبيرة، وكيف أن حرية الأولاد يجب أن تكون مراقبة من قبل الأهل.

فالطالبة هنا ربطت بين بلد الأسرة ومشكلاتها الداخلية، فكأن المسلسل قد أوصل رسالة تقول: إن الأسر العربية مختلفة ومتباينة، وهنا تدخّل طالب وسأل فقال: هل فعلاً يوجد مثل هذا الاختلاف؟

 

تحليل الملاحظات:

مما سبق يمكننا ملاحظة ما يلي:

1 نوعية المسلسلات التي يتابعها هؤلاء الأطفال: غالباً يتابع الأطفال ما يشاهده الأهل في البيت، وتتحكم بهذه المشاهدة وخصوصاً في رمضان اعتبارات كثيرة، منها: وقت عرض المسلسل، ونوعيته، وأحياناً أسماء الممثلين..الخ.

ونلاحظ بصورة عامة أن الأهل لا يمنعون أولادهم من مشاهدة أكثر من مسلسل وبرنامج، بل إن رمضان تحول إلى شهر مسلسلات بامتياز، فصار الكبار والصغار يمضون معظم أوقاتهم بالتنقل بين المحطات ومن مسلسل إلى آخر، حتى أن إحدى الطالبات قالت: إنها تشاهد عشر مسلسلات دفعة واحدة! معنى هذا أنها لا تنام بما يكفي ولا تدرس جيداً، وهذا أمر مؤسف حقاً.

وقد بدأت طالبة ثانية نقدها لمسلسل بقولها: إن رمضان شهر كريم، ومن كرمه كثرة المسلسلات فيه!

ونلاحظ أيضاً أن الطلاب لم يشاهدوا المسلسلات التاريخية، مثل \"ملوك الطوائف\" أو \"الظاهر بيبرس\" أو \"صلاح الدين\"، فالمسلسلات التاريخية لا تستهوي إلا فئة قليلة من الناس، لذلك نجد أنها تُعرض في أوقات متأخرة، مما يقلل من نسبة مشاهدتها أو الاستفادة منها.

2 نلاحظ أيضاً اهتمام الأطفال بالجوانب العاطفية، وهنا يجب مراعاة السنº فهؤلاء الطلاب هم في سن المراهقة، وفي هذه السن تنشط الناحية العاطفية، فكثير من طلابي يعرض عليّ قصصاً عن الحب والمعاناة، وأشعاراً وخواطر عن الحبيب، وأعتقد أن المسلسلات تغذي هذا الجانب عندهم.

3 نلاحظ التفاوت في الفهم بين الطلاب، فمنهم من يملك وعياً جيداً، ومنهم من يفكر بطريقة بسيطة سطحية، ومن جهتي أرجع ذلك لعوامل متعددة منها: تأثير الأهل ودرجة ثقافتهم، ومقدار اهتمامهم بتوضيح المفاهيم لأولادهم، ومنها الاستعداد الفطري ودرجة الذكاء.

4 نلاحظ أن الطلاب قد لمسوا التناقضات التي تقع فيها المسلسلات عامة، من طريقة حديث الممثلين، أو بيئاتهم، أو تصرفاتهم.

والأطفال أذكياء يعبرون ببراءة عما يدور في عقولهم في سن المراهقة، ويتصورون أن بإمكانهم إصلاح العالم، لذلك فهم ينتبهون للخطأ، ويكرهون الغدر، ويدينون الأفعال السيئة، وفي الوقت نفسه تراهم يضحكون على المقالب والمؤامرات، لذلك فقد كان \"كسمو\" في مسلسل \"بكرة أحلى\" نجمهم المفضل، على الرغم من كونه ظهر بمظهر الشاب الكاذب الذي يتصرف تصرفات غير مسؤولة.

وهذا ينبهنا إلى أن طريقة عرض الشخصية تؤثر تأثيراً مباشراً بالنسبة لتقييمها عند الأطفال.

بالنسبة لمسلسل \"الحور العين\" فقد كان الطلاب متأثرين بما يدور من حديث عن الإرهاب، ولكنني لمست إحساسهم بسوء الظن، بمعنى أن الأطفال تصوروا أن هذا المسلسل يريد أن يقول ما تريده أمريكا، لذلك فقد كانوا متشككين بكل ما ورد فيه، حتى أن أحدهم كما قلت استهجن أن تعيش أسر مختلفة من بلاد مختلفة في عمارة واحدة، وسأل هل هذا يحصل حقيقة؟

وكتبت طالبة أخرى: إن الأحداث الأخيرة في المسلسل أظهرت محوراً مهماً وهو كيفية تعامل التحقيق مع موضوع الإرهاب.. وأظهر بأن المجموعات المتطرفة التي تقوم بعمليات إرهابية ليست إلا مجموعات تتستر بدين الإسلام لكي تقوم بعمليات تهز من خلالها أمن الدولة واستقرارها وتجعلها مضطرة للتعامل مع القوات الخارجية التي تسعى إلى السيطرة على هذه المنطقة.

وأخيراً أقول: إن أطفالنا بحاجة إلى من يستمع إليهم، وبحاجة إلى من يناقشهم، فمن خلال الحديث نستطيع زيادة الوعي عندهم، ونزرع في نفوسهم الثقة، ونستطيع حمايتهم من الوقوع في أخطاء كثيرة، فهم مسؤوليتنا، وهم أملنا لصنع مستقبل مشرق بإذن الله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply