ها هو شهر رمضان المبارك قد أهل علينا بنسائم الإيمان العطرة ونفحات الرحمن المباركة، فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
وإن من الخير الذي نبغيه جميعا حسن تربية أبنائنا على شعائر الإسلام، ولئن نجح أعداء الإسلام في تعويد أجيال من أطفال المسلمين على أن رمضان ما هو إلا أكل وشرب وفوانيس وفوازير مع النوم أو التسلية بأي شيء سوى القرآن أو الذكر، فإن أمامنا الفرصة سانحة من خلال شهر رمضان نفسه ذلك المحضن التربوي الكبير- أن نبنى أبنائنا إيمانيا ونربيهم على خصال الخير التي تكثر وتتجمع ميادينها في رمضان.
إن الله - تعالى -وهبنا هذا الشهر الكريم هدية ورحمة منه - سبحانه وتعالى - لنصوم ونصلى ونقوم ونقرأ القرآن فتزداد حسناتنا وتغفر سيئاتنا، ولتسمو أخلاقنا ونصل إلى الغاية الكبرى من الصيام \' ولعلكم تتقون\'
تهيئة الصغار للشهر الكريم:
الطفل الصغير كالعود الغض يستقيم على ما عوّده عليه أبواه منذ الصغر:
وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوّده أبوه
وما دان الفتى بحجا ولكن *** يعلمه التدين أقربوه
ويحسن بنا أن نهيئ ذهن الصغير قبل حلول الشهر الفضيل من خلال:
العادات الطفولية المرتبطة بشهر رمضان مثل تزيين البيوت والشوارع وإضاءة الأنوار، والتي يكون لها أثر طيب في نفس الطفل الصغير، تجعله يفرح بقدوم شهر رمضان.
تحبيبه في الصيام وتشويقه إليه قبيل قدومه بالحديث عن فضله وليكن حديثنا عن الصيام والقرآن والصلاة والقيام والزكاة والذكر في رمضان أكثر من الحديث عن الطعام والشراب والفوانيس والفوازير وكعك العيد.
فإذا جاء رمضان الحبيب كان لنا مع أبنائنا برنامج تربوي نستغل فيه كل شعيرة وعبادة وكل عادة طيبة، لنغرس في نفوسهم من خلالها الكثير من الفضائل، وليكن هذا البرنامج قائم على التربية الواقعية واستغلال الحدث كالآتي:
تعويد أبنائنا على الصيام تدريجيا فنتفق معه على أن يصوم حتى الظهر، ثم بعد ذلك حتى العصر، وفى بعض الأيام حتى المغرب، حتى يألف الصيام ويتدرب عليه، على أن يكافأ الطفل على نجاحه في كل مرحلة بجائزة يحبها، وهذا هو منهج الصحابة والصحابيات- رضي الله عنهم أجمعين- فعن الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها- قالت: \'أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائما فليتم صومه، ومن كان مفطرا فليتم بقية يومه، فكنا بعد ذلك نصومه، ونصومه صبياننا الصغار، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم أعطيناه إياه، حتى يكون الإفطار\' وفى رواية: \' ونصنع لهم اللعبة من العهن، فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة، نلهّيهم بها حتى يتموا صومهم \'رواه البخاري ومسلم. والعهن هو الصوف المصبوغ. فكانت الأمهات يستعن بعد الله على تصويم الصغار بالاجتماع في المسجد، بعيدا عن متناول الطعام والشراب، والاعتياد عليه في البيوت، كما أن في اجتماع الأولاد ولعبهم سويا أثرا في التلهي عن الطعام والشراب، فإذا جاع الصغير قدمت له أمه لعبة يحبها ويتسلى بها حتى يتم صومه.
اصطحاب الأولاد إلى المسجد في جميع الصلوات وكذلك صلاة التراويح والاعتكاف على أن يكون ذلك بصحبة والده والإخوة الأكبر منه سنّا، فيرتبط الطفل بالمسجد وبالصلاة وبجماعة المسلمين، لأنه يشاهد بعينه ويعيش هذه المعاني واقعا ملموسا.
تعويد الصغار على تلاوة آيات من القرآن الكريم كل يوم، وحبذا لو أشركناهم في مقرأة في المسجد القريب من المنزل.
ربط الأبناء بمعاني الرحمة والتعاطف من خلال المشاركة العملية في إعداد وجبات رمضانية للفقراء حتى ولو كانت بسيطة المحتوى، وإرسال الأطفال لتوصيلها بأنفسهم إن أمكن ذلك، مع ترديد الآيات والأحاديث التي تبين ثواب هذا الصنيع على مسامعهم مثل: \' من أطعم أخاه لقمة على جوع أطعمه الله يوم القيامة\' و\' من تقرب فيه أي في رمضان- بخصلة من خصال الخير كان كمن تقرب بفريضة فيما سواه\'.
تعظيم قدر تفطير الصائم في نفس الأبناء، وبيان أنه من أسباب العتق من النار: \' من فطّر صائما كان له مثل أجره \' وفى رواية: \' كان عتق رقبته من النار\'، وبإمكان الأب إعطاء كمية من التمر لكل ولد ويطلب منه أن يتواجد في المسجد قبيل المغرب فإذا أذّن الأذان قام كل واحد من الأولاد بتوزيع التمر على الصائمين وسقيهم الماء فيحصلوا بذلك على القيمة التربوية في هذه الطاعة ويؤجروا عليها إن شاء الله - تعالى -.
تعويد الأبناء على ممارسة صلة الأرحام بشكل عملي من خلال دعوة الأقارب على الإفطار وتبادل الزيارات الودية معهم، وتعليل ذلك لهم بأن صلة الأرحام من أعظم القربات عند الله - تعالى -لذلك فنحن نهتم ونتواصى بها في رمضان.
لابد أن يكون هناك مساحة للترفيه المباح الذي لا يغضب الله - عز وجل -، فيمكن عمل مسابقات إسلامية شفهية بين الصغار أو مطبوعة وتكون على نطاق أوسع بين أطفال العائلة أو أطفال مسجد الحي، مع تشجيعهم برصد جوائز محببة إلى نفوسهم تعطى للفائزين منهم، كذلك يمكن جمع الأبناء على بعض أفلام الفيديو الإسلامية الهادفة.
وهكذا أعزائي المربين يتضح لنا أسرار التربية الإيمانية التي يهديها لنا الشهر الكريم إذا أحسنّا استغلاله، ليخرج منه أبنائنا بإيمان راسخ وأخلاق حميدة واعتزاز بدينهم العظيم، ولتعلوا كلمة الله في نفوسهم، وليهتفوا بأصواتهم البريئة:
يا شهرا في العام الواحد *** فيك نصوم وفيك نجاهد
ونعمر فى الأرض مساجد *** وننفذ أمر الرحمن
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد