الآباء مسؤولون عن تربية أولادهم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن تربية الأبناء تربية صالحة هي الأساس المتين في إعداد الفرد الصالح والأسرة السليمة والمجتمع الفاضل.

 

لذا فإن الإسلام يُحمل الوالدين مسؤولية تربية الأبناء ويخصهما بهذا الواجب قبل غيرهما، قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً) قال الإمام علي - رضي الله عنه -: (علموا أنفسكم وأهليكم الخير) رواه الحاكم، وقال أيضاً: علموهم وأدبوهم.

 

وقد أكد ابن القيم - رحمه الله - هذه المسؤولية حينما ذكر أقوال بعض أهل العلم، فقالوا: إن الله - سبحانه وتعالى - يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، فكما أن للأب على ابنه حقاً فللابن على أبيه حق، ووصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، قال - تعالى -: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً).

 

ومن حق الأولاد التربية والتأديب فقد روى البخاري في التاريخ والبيهقي في سننه، عن أيوب عن موسى القرشي عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ما نحل والد ولده أفضل من أدبٍ, حسن ونَحَل أي أعطى، وروى الطبراني عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لأن يُؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين.

ومن هنا قال العلماء: إذا بلغ الولد ست سنين أدب، فإذا بلغ تسع سنين عُزل فراشه، فإذا بلغ ثلاث عشرة سنة يضرب على الصلاة، فإذا بلغ ست عشرة زوجه أبوه، وروي البيهقي عن الحاطبي قال: سمعت ابن عمر يقول لرجل (أدب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته وماذا علمته؟ وإنه لمسؤول عن برك وطاعته لك)، وفي الحديث الذي رواه ابن ماجة قوله - صلى الله عليه وسلم -: أدبوا أولادكم وأحسنوا أدبهم، قال ابن القيم - رحمه الله -: (فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً.

 

ويقول الإمام الغزالي - رحمه الله - (إن الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقشٍ, وصورة، وهو قابل لكل ما ينقش فيه ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوِّدَ الخير وعُلِّمَه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه أبواه في ثوابه وكل معلم له ومؤدب، وإن عُوِّدَ الشرَّ وأُهمله أبواه شقي وهلك وكان الوزر في رقبة مربية والقيِّم عليه).

 

ويقول الأستاذ محمد قطب في كتابه (منهج التربية الإسلامية): وإذا كان البيت والشارع والمدرسة والمجتمع هي ركائز التربية الأساسية فإن البيت هو المؤثر الأول، وهو أقوى هذه الركائز

لأنه يتسلم الطفل من أول مراحله

ولأن الذي يقضيه الطفل في البيت أكبر من أي زمن آخر

ولأن الوالدين أكثر الناس تأثيراً في الطفل.

وهكذا يجمع العلماء على ضرورة تربية الأولاد تربية صحيحة قوامها الكتاب والسنة، وأن الطفل ما هو إلا صفحة بيضاء نقية في يدي أبويه ومن يربيه فإذا نقشوا فيه صالحاً نشأ صالحاً وإن نقشوا فيه سيئاً نشأ سيئاً.

 

ومن الحقوق المشروعة للأولاد التي يجب على والديهم القيام بها هي:

اتباع السنة في استقبال المولود من رفع الأذان والإقامة في أذنيه، وتحنيكه وختانه وتسميته بأحب الأسماء وحلق رأسه وذبح عقيقته، وقيام الأم بحضانته ورعايته والاهتمام به في مهده ثم تعليم الأطفال كتاب الله قراءة وحفظاً، مما يساعدهم على توسيع مداركهم وتزوديهم بالحكمة والهداية والنور والعلم، ثم تعليمهم الصلاة وتعويدهم عليها، وتعليمهم العلوم الدينية والعلمية النافعة لهم في دينهم ودنياهم، وأن يعدل الوالدان بين أولادهم امتثالاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم متفق عليه، واختيار الصحبة الصالحة لهم، ومن المهم أن يوفر الوالدان لأبنائهم أسباب اللهو المشروع واللعب المفيد كالسباحة والرمي وركوب الخيل وغيرها من الألعاب المفيدة والنافعة، فقد شجع النبي - عليه الصلاة والسلام - سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - فقال: ارم فداك أبي وأمي أيها الغلام الحزور. ومن حق الأولاد النفقة عليهم حتى يكبروا، ومن حقهم الرحمة والحب والحنان والرعاية، وكذلك التأديب ومتابعة الطفل في كل سلوكياته وأخلاقه وكلامه، وتعويدهم على الصدق وغرس العقيدة الصحيحة ومحبة الله ورسوله والمؤمنين في قلوبهم وتقوية إيمانهم، وتعويدهم على الآداب، وتحذيرهم من تشبه الأولاد بالنساء وتشبه البنات بالرجال، ثم الاهتمام بتربيتهم وتثقيفهم الثقافة الشرعية في أحكام المراهقة والبلوغ من موجبات الغسل والطهارة والأحكام الشرعية الأخرى.

 

كما أن الوالدين مسئولان عن تخليق الأولاد منذ الصغر بالأخلاق الفاضلة والآداب الجميلة القولية والفعلية، ومسؤولان عن تنزيه ألسنتهم من السباب والشتائم والكلمات النابية القبيحة، وعن كل ما ينبئ عن فساد الخلق وسوء التربية، كذلك تعويدهم على المشاعر الإنسانية الكريمة، والأحاسيس العاطفية النبيلة تجاه الفقراء والأيتام والمحتاجين، والاهتمام برفع نفوسهم عن دنايا الأمور وسفاسف العادات وقبائح الأخلاق وكل ما يحط بالمروءة والشرف والعفة.

 

إن الوالد المسلم الواعي مفتّح العينين على أولاده، يعرف ما يقرؤون وما يكتبون، ويعرف هواياتهم التي اختاروها لأنفسهم أو اختيرت لهم، ويعرف رفاقهم الذين يلازمونهم أو يقضون معهم معظم الأوقات، ويعرف الأماكن التي يرتادها أولاده في أوقات الفراغ.

 

ولا تنسيا أيها الوالدان أن القدوة الحسنة تُعد من أهم وسائل التربية للأولاد، فعندما يرى الطفل والديه يصليان أو يسمعهما يتلوان القرآن الكريم، فإن روحه تتغذى بذلك ويقلدهما، وعندما يجلس مع الأسرة على مائدة الإفطار في رمضان فيسمع الدعاء ويرى فرحة الصيام ويشعر بلذته يريد أن يصوم مثلهم، وإذا صحبته الأسرة معها إلى العمرة والحج فيسره لباس الإحرام ورؤية الكعبة، فرؤية الطفل للعبادات تسره وتفرحه، وتتشربها روحه فتنو وتزدهر.

 

إن رجال التربية وعلماء النفس والأخلاق يُجمعون على أن الإغراق في التنعم والتقلب في الرفاهية والاسترسال وراء الشهوات والملذات والاستماع إلى الأغاني الماجنة، ومشاهدة الأفلام الخليعة والتأثر بظاهرة السفور والتبرج والاختلاط والتخنث والتشبه بالنساء والتميع في الكلام كل هذه الظواهر تعتبر من أفتك الأوبئة في إضعاف الذاكرة وتحطيم الشخصية وتمييع الخلق وقتل الرجولة ونشر الأمراض والقضاء على الشرف والعفاف.

 

أيها الآباء والأمهات

يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: مروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، فذلك وقاية لهم من النار رواه ابن جرير، وقال أيضاً: أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم وحب آل بيته، وتلاوة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله.

فما علينا إلاّ أن نتمسك بما جاء في الكتاب والسنة وما فعله السلف الصالح مع أبنائهم حتى نطمئن ولو قليلاً على حياة وسعادة أبنائنا وسلامة أخلاقهم ودينهم، وصحة أبدانهم وعقولهم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply