السؤال الأول تقابلني مشكلة أشعر أن الكثيرين من أبناء الصحوة يشاركني فيها، وهى عدم تأثير الجلسات التربوية التي تتم بصورة دورية علينا وافتقادها لعامل التأثير، وما أصبحت تتسم به من الرتابة والتكرار الذي قد يؤدي بنسبة غير قليلة لعدم الحضور، مع العلم أن هذه الجلسات قد تصبح في بعض الأحيان هي الرابط الوحيد بالحركة مما يؤدى لخطورة الانفصال الكامل في حالة عدم حضورها.
فمن وجهة نظركم وإذا رقت هذه المشكلة لمرتبة الظاهرة كما أرى، ما هو الحل؟ وما هي وسائل تفعيل هذه اللقاءات والقضاء على الرتابة التي تعتريها؟ وعلى من يقع الجزء الأكبر من المسؤولية؟
السؤال الثاني بتأمل بسيط لبيوت الكثيرين من أبناء الصحوة لاحظت أمراً خطيراً أراني أعاني منه شخصياً، وهو أن أبناء وأخوة نسبة غير قليلة من أبناء الصحوة بعيدون بدرجة كبيرة عن الالتزام بل وقد يتميزوا في الانحراف والبعد عن الطريق مما يسبب عبئاً ضخماً لاختلال الجبهة الداخلية لدى الداعية، والملفت للنظر أن هؤلاء الأبناء أصبح ما يشبه المناعة من التوجيه، وأصبح القول المشهور زامر الحي لا يطرب رداً سريعاً قد نتحجج به.
فمن وجهة نظركم ما هو الحل لهذه المشكلة؟
بالنسبة للسؤال الأول: يقول الدكتور فتحي يكن: \"أخي الكريم.. لقد وضعت إصبعك على العلّة الأساسية والحقيقية التي تعاني منها الحركة الإسلامية اليوم .. ومن هذه العلة بالذات تتوالد العلل والمشكلات على الساحة الإسلامية.
- إن ضعف أو تعطل (المحاضن التربوية) يعني توقف عملية التغيير في الحركة وفي الأمة، ويعني مخالفة هذه السنة الإلهية المعقودة والمبرمة في قوله - تعالى -: \"إن الله لا يغيّر ما بقومٍ, حتى يغيّروا ما بأنفسهم\".
- إن هذه العلّة متفشية اليوم على امتداد الساحات والحركات الإسلامية، ومن خلالها تتكاثر التداعيات وعلى معظم الأصعدة والمستويات.
- إن ضعف التربية يعني ضعف الحركة الدعوية وتراجع أثر وتأثير الداعية في الناس، وبالتالي انحسار النشاط الدعوي.
- وإن ضعف التربية يعني عدم انضباط الحركة السياسية بالأطر الشرعية وبروز ظواهر (الشخصانية) والمصالح (الفردية) على حساب المصلحة الإسلامية العليا.
- وضعف التربية سبب أساسي لضعف الروابط الأخوية، ومدخل شيطاني لنشوء الخلاف والشقاق ووقوع الانقسامات في الحركات والجماعات.
وبما أن السؤال لا يتعلق بشكل مباشر بآثار هذه الظاهرة، وإنما بطرق معالجتها فإنني أكتفي بما سقت من أمثلة على ذلك، منتقلاً إلى الجواب المطلوب والمحدد: ما هو الحل؟ وبكل صراحة أقول: إن معالجة هذه الظاهرة تقتضي معالجة الواقع الحركي كله.. فهذه المشكلة لم تنشأ من العدم، ولم تبرز من خلال (محضن تربوي معين) أو (في قطر وبلد معين) وإنما هي ظاهرة أصبحت شائعة وعامة.. مما يؤكد وجود خلل في جوانب متعددة:
- فمناهج التربية تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر لتكون متكافئة مع طبيعة المرحلة ومشكلاتها ومتطلباتها وتحدياتها. - وهذه المناهج يجب أن تكون على تواؤم وتوافق مع (المشروع الإسلامي العام) وأن تخدم بالنتيجة هذا المشروع، لا أن تكون منفصلة عنه، وهذا لوحده يمكن أن يحقق في (المحاضن التربوية) الحيوية والحركية المطلوبة، ويخرجها من فتورها ومواتها. - ولنجاح مناهج التربية هذه لا بد من (مربين) على المستوى المطلوب التزاماً وقدوة وتجربة وعلماً، فليس كل عالمٍ, وخطيبٍ, أو محاضرٍ, أو مدرسٍ, أو واعظٍ, مربياً.
إن تنظيم دورات لاختيار وتخريج مربين على قدر ما تتطلبه هذه الوظيفة النوعية من كفاءات يمكن أن يسهم إلى حد كبير بمعالجة هذه المشكلة العاتية والله أعلم\" وما ذكره أستاذنا الكبير الدكتور فتحي يكن حقُّ ولا شك، فالعديد من الحركات والجماعات الإسلامية -بل وغير الإسلامية أيضاً- تعاني من رتابة وتقليدية جلساتها التربوية، وقد فصّل أستاذنا - حفظه الله - في آثارها، وأوضح خطورة عدم الانتباه لذلك، ووضع حلولاً عمليةً وواقعيةً علينا الانتباه إليها وتنفيذها بشيءٍ, من التجديد والابتكار والإبداع، فالعالم من حولنا اليوم حافلٌ بالجديد كلَّ يوم، والمبدعون كُثُر، وهم لا يتوانون أبداً في بثِّ إبداعاتهم في كل المجالات، وأبرزها مجالات الترفيه والتسلية، وما لم تكن الحركات على قدر المسئولية، ومراعيةً لواقعها الذي تعيش فيه، فإنها ستكون خارج الزمن، ولن يكون مصيرها إلا أحد أمرين: الانقراض والاندثار كالعديد من الحركات الدنيوية التي لم تفهم واقعها وتتواكب وتتعامل معه، وإما أن تبقى كياناً ظاهرياً خاوياً من الداخل، كأنه خيالُ ظلٍّ, لا يقدِّم ولا يؤخر.
أما بالنسبة للسؤال حول أبناء الدعاة، فيقول د. فتحي يكن: \"هذه المشكلة هي كذلك من المشكلات الشائعة والخطيرة جداً.. ليس بالنسبة للحركة والجماعة والتنظيم، وإنما بالنسبة لأصحابها أولاً..
فالإنسان مسؤول مسؤولية شرعية ابتداءً وقبل كل شيء عن نفسه، ثم عن أهله مصداقاً لقوله - تعالى -: \"يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون\"، ومصداقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: \"مثل الذي يعلِّم الناس الخير وينسى نفسه مثل الفتيلة تضيء على الناس وتحرق نفسها\" [رواه البزار والسيوطي في الجامع الصغير]. فإذا كانت بيوت الدعاة مهددة من داخلها، وإذا كان أبناء الدعاة غير ملتزمين بالإسلام، أو متفلتين من مبادئه وقيمه، فهل يمكن أن ينجح هؤلاء في إصلاح بيوت الآخرين، أو إصلاح الناس أو المجتمع، فضلاً عن النجاح في تحقيق التغيير الإسلامي في الدولة والأمة؟
وحتى وإن نجح هؤلاء فما قيمة نجاحهم إذا خسروا أنفسهم وأهلهم؟
إن منهجية الإسلام في تحقيق الإصلاح، وإن ترجمة السنة الإلهية في التغيير (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) تقتضي التدرج في خطوات الإصلاح وفق سُلِّم الأولويات. \" انتهى كلام الدكتور فتحي يكن - حفظه الله -، وهو كلامٌ طيبٌ وضع يده فيه على أساس المشكلة، وهي فقدان العديد من الدعاة لمنهجية الإسلام في تحقيق الإصلاح، والتي تقتضي التدرج في الخطوات وفق سلَّم الأولويات، وأول هذه الأولويات هو ما أمر به الله - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - في بداية دعوته: \"وأنذر عشيرتك الأقربين\" أنذرهم أولاً لا تمييزاً عن غيرهم وتفضيلاً لهم، ولكن لأن سلّم الأولويات يقتضي ذلك، ولأنهم من المفروض أن يكونوا خير سندٍ, للدعوة والداعية، فهم أهله وعشيرته، وهم ظهره الذي يستند عليه حين تلمٌّ به الملمَّات، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: \"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي\" [رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي] وقال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح، والخيرية هنا لا تقتصر على حسن المعاملة والمعايشة فقط، بل تشمل كذلك حسن التربية والتوجيه، وهذا ما غفل عنه للأسف- العديد من الدعاة، فانغمسوا في انشغالاتهم الدعوية الخارجية، ونسوا واجبهم الدعوي الداخليّ، فاختل الميزان، وفقد أبناء الدعاة الموجِّه والمربِّي، وبقي الحال هكذا حتى استشرى ونما، عندها انتبه الدعاة وحاولوا الإصلاح، ولكن لاَت حين مندم، واتسع الخرق على الراقع، ولم يعد يمكن إصلاحه.
فيا إخواني الدعاة.. الله الله في أهلكم وبيتكم، حوطوهم بالرعاية، عاملوهم على الأقل ضمن من وضعتموهم في خططكم الدعوية، فهذا أقل واجبٍ, عليكم نحوهم، وعلِّمونا من فضلكم أن زامِر الحي يُطرِبُ ويُطرِب...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد