الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي يترعرع فيها الطفل ويفتح عينيه في أحضانها حتى يشب ويستطيع الاعتماد على نفسه، بعدها يلتحق بالمؤسسة الثانية وهي المدرسة المكملة للمنزل، وتتشكل شخصية الطفل خلال خمس السنوات الأولى، أي التي مع الأسرة، لذا كان من الضروري أن تلم الأسرة بالأساليب التربوية الصحيحة التي تنمي شخصية الطفل وتجعل منه شابًا واثقًا من نفسه صاحب شخصية قوية ومتكيفة وفاعله في المجتمع..
وتتكون الأساليب غير السوية والخاطئة في تربية الطفل إما لجهل الوالدين بتلك الطرق أو إتباع أسلوب الآباء والأمهات والجدات أو لحرمان الأب أو الأم من اتجاه معين، فالأب عندما يحرم من الحنان في صغره تراه يغدق على طفله بهذه العاطفة، أو العكس فإن بعض الآباء يريد أن يطبق الأسلوب نفسه المتبع في تربية والده له، وكذلك الحال بالنسبة للأم، وهذه بعض الأساليب الخاطئة في تربية الأبناء والتي تترك أثرًا سليبًا على شخصيتهم.
1ـ التسلط والسيطرة:
يعني تحكم الأب أو الأم في نشاط الطفل والوقوف أمام رغباته التلقائية ومنعه من القيام بسلوك معين حتى ولو كان صحيحًا أو إلزام الطفل بالقيام بمهام وواجبات تفوق قدراته وإمكانياته، ويرافق ذلك استخدام العنف أو الضرب أو الحرمان أحيانًا تكون قائمة الممنوعات أكثر من قائمة المسموحات.
كأن تفرض الأم على الطفل ارتداء ملابس معينة أو طعامًا معينًا أو أصدقاء معينين ويفرض الأب على الابن تخصصًا معينًا في الجامعة، أو دخول قسم معين في الثانوية \'القسم العلمي أو الأدبي\'.
ظنًا من الوالدين أن ذلك في مصلحة الطفل دون أن يعلموا أن لذلك الأسلوب خطرًا على صحة الطفل النفسية وعلى شخصيته مستقبلاً.
ونتيجة لذلك الأسلوب المتبع في التربية..
ينشأ الطفل ولديه ميل شديد للخضوع وإتباع الآخرين حتى يصل إلى درجة لا يستطيع فيها أن يبدع أو أن يفكر.. أو أني يبدي رأيًا، أو يناقش..
كما يساعد اتباع هذا الأسلوب في تكوين شخصية قلقة خائفة دائمًا من السلطة تتسم بالخجل والحساسية الزائدة. ويفقد الطفل الثقة بالنفس وعدم القدرة على اتخاذ القرارات والشعور الدائم بالتقصير وعدم الإنجاز..
وقد ينتج عن إتباع هذا الأسلوب طفل عدواني، يخرب ويكسر أشياء الآخرينº لأن الطفل في صغره لم يشبع حاجاته في الحرية والاستمتاع بها.
2ـ الحماية الزائدة:
يعني قيام أحد الوالدين أو كلاهما نيابة عن الطفل بالمسؤوليات التي يفترض أن يقوم بها الطفل وحده، حيث يحرص الوالدان أو أحدهما على حماية الطفل والتدخل في شؤونه فلا يتاح له فرصة اتخاذ قراره بنفسه وعدم إعطائه حرية التصرف في كثير من أموره:
كحل الواجبات المدرسية أو الدفاع عنه عندما يعتدي عليه أحد الأطفال.
وقد يرجع ذلك بسبب خوف الوالدين على الطفل لاسيما إذا كان الطفل الأول أو الوحيد أو إذا كان ولدًا وسط عديد من البنات أو العكس، فيبالغان في تربيته.
وهذا الأسلوب بلا شك يؤثر سلبًا على نفسية الطفل وشخصيته فينمو الطفل بشخصية ضعيفة غير مستقلة، يعتمد على الغير في أداء واجباته الشخصية وعدم القدرة على تحمل المسئولية ورفضها إضافة إلى انخفاض مستوى الثقة بالنفس وتقبل الإحباط.
كذلك نجد هذا النوع من الأطفال الذي تربى على هذا الأسلوب لا يثق في قراراته التي يصدرها، ويثق في قرارات الآخرين ويعتمد عليهم في كل شيء وتكون نسبة حساسيته للنقد مرتفعة.
وعندما يكبر يطالب أن تذهب معه أمه إلى المدرسة حتى مرحلة متقدمة من العمر، يفترض فيها أن يعتمد الشخص على نفسه.
وتحصل له مشكلات عدة في عدم التكيف مستقبلاً بسبب أن هذا الفرد حرم من إشباع حاجاته من الاستقلال في طفولته، ولذلك يظل معتمدًا على الآخرين دائمًا.
3ـ الإهمال:
يعني أن يترك الوالدان الطفل دون تشجيع على سلوك مرغوب فيه أو الاستجابة له وتركه دون محاسبته على قيامه بسلوك غير مرغوب فيه وقد ينتهج الوالدان أو أحدهما هذا الأسلوب بسبب الانشغال الدائم عن الأبناء وإهمالهم المستمر لهم.
فالأب يكرس معظم وقته للعمل ويعود لينام، ثم يخرج ولا يأتي إلا بعد نوم الأولاد، والأم تنشغل بكثرة الزيارات والحفلات أو التحدث في الهاتف أو التصفح على الانترنت أو مشاهدة التلفزيون، وتهمل تلبية حاجات أبنائها من طعام وشراب وملبس، وغير ذلك.. والأبناء يفسرون ذلك على أنه نوع من النبذ والكراهية والإهمال، فتنعكس آثارها سلبًا على نموهم النفسي.
ويصاحب ذلك أحيانًا السخرية والتحقير للطفل، فمثلاً عندما يقدم الطفل للأم عملاً قد أنجزه وسعد به تجدها تحطمه وتنهره وتسخر من عمله، وتطلب منه عدم إزعاجها بمثل تلك الأمور التافهة، كذلك الحال عندما يحصل الطفل إلى درجة مرتفعة ما في إحدى المواد الدراسية لا يكافأ ماديًا ومعنويًا، بينما إن حصل على درجة منخفضة تجده يوبخ ويسخر منه، وهذا بلا شك يحرم الطفل من حاجته إلى الإحساس بالنجاح، ومع تكرار ذلك يفقد الطفل مكانته في الأسرة ويشعر تجاهها بالعدوانية وفقدان حبه لهم.
وعندما يكبر هذا الطفل يجد في الجماعة التي ينتمي إليها ما ينمي هذه الحاجة، ويجد مكانته فيها ويجد العطاء والحب الذي حرم منه.
وهذا يفسر بلا شك هروب بعض الأبناء من المنزل إلى شلة الأصدقاء، ليجدوا ما يشبع حاجاتهم المفقودة في المنزل.
وتكون خطورة ذلك الأسلوب المتبع، وهو الإهمال وعدم إشباع حاجات الطفل الفسيولوجية والنفسية، وحاجة الطفل للآخرين، وعجزه عن القيام بإشباع حاجاته أكثر ضررًا على الطفل في أعوامه الأولى.
ومن نتائج إتباع هذا الأسلوب في التربية ظهور بعض الاضطرابات السلوكية لدى الطفل كالعدوان والعنف أو الاعتداء على الآخرين أو العناد أو السرقة أو إصابة الطفل بالتبلد الانفعالي وعدم الاكتراث بالأوامر والنواهي التي يصدرها الوالدان.
4ـ التدليل
ويعني أن نشجع الطفل على تحقيق معظم رغباته كما يريد، وعدم توجيهه، وعدم كفه عن ممارسة بعض السلوكيات غير المقبولة سواء دينيًا أو خلقيًا أو اجتماعيًا والتساهل معه في ذلك..
عندما تصطحب الأم الطفل معها مثلاً إلى منزل الجيران أو الأقارب ويخرب الطفل أشياء الآخرين ويكسرها لا توبخه أو تزجره، بل تضحك له، وتحميه من ضرر الآخرين، كذلك الحال عندما يشتم أو يتعارك مع أحد الأطفال، لا توبخه على ذلك السلوك، بل توافقه عليه.
وقد يتجه الوالدان أو أحدهما إلى إتباع هذا الأسلوب مع الطفل إما لأنه طفلهما الوحيد أو لأنه ولد بين أكثر من بنت أو العكس، أو لأن الأب قاسي فتشعر الأم تجاه الطفل العطف الزائد فتدلله وتحاول أن تعوضه عما فقده أو لأن الأم والأب تربيا بالطريقة نفسها فيطبقان ذلك على ابنهما..
ودائمًا خير الأمور الوسط لا إفراط ولا تفريط وكما يقولون الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده فمن نتائج تلك المعاملة أن الطفل ينشأ غير معتمد على نفسه، غير قادر على تحمل المسؤولية، وبحاجة لمساندة الآخرين ومعونتهم.
كما يتعود الطفل على أن يأخذ دائمًا ولا يعطي، وعلى الآخرين أن يلبوا طلباته، وإن لم يفعلوا ذلك يغضب، ويعتقد أنهم أعداء له، ويكون شديد الحساسية، وكثير البكاء.
وعندما يكبر تحدث له مشكلات في عدم التكيف مع البيئة الخارجية \'المجتمع\' فينشأ وهو يريد أن يلبي له الجميع مطالبه، يثور ويغضب عندما ينتقد على سلوك ما ويعتقد الكمال في كل تصرفاته، وأنه منزه عن الخطأ وعندما يتزوج يحمل زوجته المسؤوليات كافة دون أدنى مشاركة منه، ويكون مستهترًا نتيجة غمره بالحب دون توجيه.
5ـ التذبذب في المعاملة:
ويعني عدم استقرار الأب أو الأم من حيث استخدام أساليب الثواب والعقاب، فيعاقب الطفل على سلوك معين مرة ويثاب على السلوك نفسه مرة أخرى.
وذلك نلاحظه في حياتنا اليومية من تعامل بعض الآباء والأمهات مع أبنائهم مثلاً: عندما يسب الطفل أمه أو أباه نجد الوالدين يضحكان له ويبديان سرورهما، بينما لو كان الطفل يفعل ذلك العمل أمام الضيوف فيجد أنواعًا من العقاب النفسي والبدني.
ويكون الطفل في حيرة من أمره لا يعرف هل هو على صح أم على خطأ، فمرة يثيبانه على السلوك، ومرة يعاقبانه على السلوك نفسه.
ويترتب على إتباع ذلك الأسلوب شخصية متقلبة مزدوجة في التعامل مع الآخرين، وعندما يكبر هذا الطفل ويتزوج، تكون معاملته لزوجته متقلبة متذبذبة، فنجده يعاملها برفق وحنان تارة، وتارة أخرى يكون قاسيًا من دون أي مبرر لتلك التصرفات، وقد يكون في أسرته غاية في البخل ودائم التكشير، أما مع أصدقائه فيكون شخصًا آخر كريمًا متسامحًا ضاحكًا مبتسمًا.
ويظهر أيضًا أثر هذا التذبذب في سلوك أبنائه حيث يسمح لهم بإتيان سلوك معين وفي حين آخر يعاقبهم بما سمح لهم من تلك التصرفات والسلوكيات، أيضًا يفضل أحد أبنائه على الآخر، فيميل إلى جنس البنات، أو الأولاد، وذلك حسب الجنس الذي أعطاه الحنان والحب في الطفولة، وكذلك في عمله ومع رئيسه يكون ذا خلق حسن، بينما يكون على من يرأسهم شديدًا وقاسيًا وكل ذلك بسبب التذبذب الذي أدى به إلى شخصية مزدوجة في التعامل مع الآخرين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد