بسم الله الرحمن الرحيم
ـ ابنتي ذات التسع سنوات فجأة تغيرت، تبدلت، تغير طولها، زاد وزنها، وبدت عليها سمات أجسام النساء ثم بلغت مبلغ النساء، فذهبت بها إلى الطبية لأطمئن عليها وأسأل هل هذا طبيعي؟ أم أن الأمر غريب؟
فقالت لي: لا تقلقي هذا طبيعي عند الفتاة فمن سن التاسعة فصاعدًا تنتظر البلوغ.
فسألت: وهل تبلغ هذه ذات التسع سنوات؟
قصة واقعية:
ـ وهذه فتاة تقول لأمها:
أمي.. هل أستطيع أن أستعير طاقم الإكسسوار الأخير منك اليوم؟
أمي.. هل أستطيع أن ألبس ثوبك البنفسجي اليوم؟
أمي.. هل تحتاجين ساعتك الثمينة الليلة؟ أعتقد أنها تلائم ما ألبسه.
أمي.. حذاؤك كبير بعض الشيء لكنه يناسب الملابس التي أرتديها.
أمي... أمي... أمي... حقًا إن خزانتي مليئة بالملابس إلا أن أثوابها تروق لي. حتى أبي كم كنت أحاول دائمًا أن أثير انتباهه لي ولرأيي كلما وجدته يتحدث مع والدتي في الأمور المختلفة.
النضج المبكر:
ما الذي يحدث للفتاة فجأة؟
ولماذا تحول الفتاة التخفي بجسمها أو ببعض أعضاء جسمها عن الكبار؟
ولماذا تقلد الفتاة أمها وقد تستولي على ملابسها واكسسواراتها إذا شارفت على البلوغ؟
أسئلة كثيرة واستفسارات عديدة تطرح نفسها مع النضج المبكر للفتاة، فنجد الإجابة عنها في علم النفس: \'إن جسد المراهق يواجه عملية تحول كاملة في وزنه وحجمه وشكله، ويُعد هذا التحول الجسدي ميزة لمرحلة المراهقة، ومن أبرز معالمها\'.
ـ وتتعجب الأم كثيرًا عندما تفاجأ بها وقد تغير طولها وزاد وزنها، وبدت عليها سمات أجسام النساء.
ـ هذه التغيرات التي تصيب الفتاة تتصف بالجدة والسرعة والتزامن، مما يجعلها ملحة ومستغربة لدى الفتاة وأهلها:
1ـ الجدة: المقصود بها أن معظم التغيرات التي تحدث بجسم المراهقة هي تغيرات جديدة في نوعها لم تسبق للمراهقة المرور بها من قبل، فظهور الشعر في مواضع معينة، وظهور الطمث، وتغير الصوت للنعومة، وإفرازات الغدد التناسلية كلها تغيرات نوعية جديدة تظهر على المراهقة وتبرز في جسدها أو هيئتها أو حديثها، وهي توحي لها بأن في الأمر جديد، وأن وضعها قد اختلف عما سبق من حال، وأنها تستعد لعمل جديد ومهمة مختلفة بقدر اختلاف حالتها وتحولات جسدها.
2ـ السرعة: فالسرعة في نمو العظام وفي زيادة الوزن والطول تكون ملفتة ومفاجأة للمراهقة ولبيئتها، وتقوم هذه التغيرات بتحويل الطفلة إلى عالم جديد، وفي نفس الوقت تكون في مجال نفسي عجيب وغامض، وفي مرحلة انعدام وزن، فهي لا تعرف موقعها هل تنتمي إلى عالم الكبار لها ما لهم وعليها ما عليهم، أما أنها مازالت منتمية إلى عالم الصغار.
3ـ هذه التغيرات متزامنة ومتقاربة:
فالتغير لا يحدث لجزء واحد، وهو لا يحدث لعدة أجزاء من الجسم في أوقات متباعدة، بل إن هذه التغيرات متزامنة ومتتابعة تحدث في فترة محدودة.
[المراهقون د/عبد العزيز محمد النغيمشي]
ـ ما أسباب النضج المبكر؟
لماذا هذه التغيرات العضوية والتبدلات الجسدية؟
ولماذا تحدث التحولات الملفتة للفتاة من ظهور الطمث، ونمو الصدر، ونعومة الصوت، ونبوت الشعر في بعض الأماكن؟
يرجع ذلك إلى سرعة النمو الفسيولوجي الحيوي والنمو السريع الزائد للغدد.
وهي بذلك تستعد لوظيفة الأنوثة ومهماتها، وكل ذلك تقتضيه السنة الحياتية والإنسانية بأمر الله - تعالى -.
ـ البلوغ هو سن التكليف الشرعي:
يعتبر سن البلوغ هو سن التكليف في الإسلام لحديث الرسول ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: \'رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم\' [رواه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم ـ صحيح الجامع الصغير].
والمتعارف عليه أن فترة المراهقة تبدأ في سن الخامسة عشر غالبًا، وقد تسبق هذا السن وتختلف الفتاة عن الفتى في سرعة النضج والبلوغ.
ـ وتعتبر الفتاة مكلفة بعد البلوغ بالصلاة والصوم وسائر العبادات، والله الذي خلقها هو أعلم - سبحانه - بمدى طاقتها وتحملها للتكاليف، يقول الأستاذ محمد قطب: \'ومما يلفت النظر أنه في هذا الوقت ـ أي البلوغ ـ بالذات تصبح الصلاة والصيام فرضًا، والمنهج الإسلامي يضيف إلى التكليف الشرعي حمل التكاليف الدنيوية كذلك، فقد صار الفتى منذ اليوم مسئولاً في البيت والمجتمع لأنه \'بلغ مبلغ الرجال\' فصار واحدًا منهم يتصرف مثلهم، ويُعهد إليه بالأمور مثلهم، وقد صارت الفتاة مسئولة في البيت ـ ميدانها الأصيل ـ لأنها بلغت مبلغ النساء، ودخلت عالمهن بالفعل فصارت واحدة منهن يُعهد إليها بما يُعهد إليهن من أمور\' [منهج التربية الإسلامية ـ محمد قطب].
ـ وقد أمَّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد على جيش لمحاربة الروم ولما لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره بعد.
فالأحكام الشرعية لا تعترف بفترة انتقالية بين الطفولة والرشد كما يسن في القوانين الوضعية التي لا تعتبر الإنسان رجلاً يطبق عليه القانون قبل الثامنة عشرة من عمره.
ـ وتظهر حكمة الشرع في قول رسولنا الكريم: \'مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر\' حيث إن من المحتمل أن تبلغ الفتاة أو الفتى على عشر سنوات، فتكون قد تعودت على الصلاة وسهل الالتزام بها بمجرد بلوغها.
ـ ولا يعني أن الفتاة في مرحلة البلوغ والمراهقة تكون في سلسلة من التغيرات العضوية والجسمية وكثيرة النوم، أن تهمل التكاليف الشرعية، لا فالله الذي كلفها بذلك هو أعلم منها بنفسها، وأنها ستكون قادرة على القيام بسائر العبادات المفروضة على المسلم.
ويأتي هنا السؤال ما مشكلات النضج المبكر؟
1ـ الشعور بالحرج نتيجة للطول المفرط أو الوزن الزائد أو تضخم الصدر والأرداف مما قد يؤدي إلى الحساسية والانطواء أو كراهية الذات.
2ـ التغيرات الناتجة عن اختلاف أعضاء الجسم في درجة النمو والسرعة، قد تؤدي بالبعض إلى سوء التكليف حيث تشك الفتاة في كونها طبيعية كما تشك في تقبل المجتمع لها، وذلك حين نرى بعض الآباء والأمهات يهمزون أو يلمزون بناتهم لما بدا من تغير أجسادهم أو أشكالهم كالبدانة أو الطول المصاحب للنحافة، أو طول الساقين، أو ضخامة القدمين والكفين وبسبب ذلك تحدث التعليقات أو المداعبات المشوبة بالاستغراب، وأحيانًا بالسخرية والاحتقار المنبعث عن شعور الكبار بسرعة التحول والتغير عن الطفولة إلى سمات الأنوثة المؤذنة بالاكتمال.
3ـ وقد يحصل الاختلال الحركي عند المراهقين ويفقدون الاتزان في المشي والجري وحمل الأشياء والعمل اليدوي.
4ـ وهناك تغيرات أخرى في نظام الجسم الداخلي، من ذلك انخفاض نبض القلب، وارتفاع ضغط الدم تدريجيًا، وتؤدي هذه التغيرات إلى شعور المراهق بالجهد والتعب والرغبة في الراحة، ويكون المراهق حساسًا للنقد الجسمي والشكلي من ذويه وزملائه ومدرسيه ومن الجنس الآخر [سيكولوجية المراهق ـ إبراهيم قشقوش].
ـ دور الفتاة يبدأ مع البلوغ:
وهنا أضرب مثلاً لدور الفتاة المسلمة بعد بلوغها وهي فتاة بني هلال: تلك الفتاة التي كانت تسكن في أطراف المدينة قالت لأمها ليلاً عندما أمرتها أن تمذق اللبن بالماء وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قد أمر ألا يمذق اللبن، قالت الفتاة لأمها: \'والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء\'.
وكان أمير المؤمنين يسمع قولها، فأعجب بأمانتها أيما إعجاب وزوجها من ولده عاصم، وقد ولدت له بنتًا أسماها \'أم عاصم\'، تزوج عبد العزيز بن مروان أم عاصم، فولدت له الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز.
إن صلاح هذه الفتاة وقيامها بدور في أسرتها لفت نظر أمير المؤمنين فزوجها من ولده عاصم، وكانت نعم المرأة جدة الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز.
ـ وأخيرًا أقول للمربي الفاضل، إن التربية المتوازنة في ظل العقيدة والإيمان يبدل مرحلة المراهقة إلى فترة عمل وعطاء ودعوة.
وعلى المربي دفع الفتاة بمجرد البلوغ إلى الالتزام بالتكاليف الشرعية، ولا يجوز تجاوز التكاليف الشرعية بحجة أنها مازالت صغيرة أو لا تستطيع، فالله الذي كلفها هو الذي خلق الخلق وهو أعلم بمدى تحمل عباده لهذه التكاليف.
وتذكر فضل الطاعة من الصغر الذي جاء في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : \'سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظله إلا ظله... ومنهم شاب نشأ في طاعة الله\'.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد