حين يتحول الوطن إلى سجن كبير تكمم فيه الأفواه، وتقهر فيه الإرادات، ويتحول المواطنون فيه إلى حيوانات داجنة لا حول لها ولا قوة، وحين يختصر الوطن كله في شخصٍ, واحد أو قل صنم واحد يسجد له من دون اللهº حينها تتفاءل الأماني، وتتقزم الأحلام، ويصبح حلم الفرد البسيط أن يعيش بعيداً عن سياط جلاديه، وكلاب شانئية.
وحين يجد نفسه محاصراً مقهوراً في وطنه، تحصى عليه أنفاسه، وتراقب فيها سكناته وهمساته، وترصد فيها كافة تحركاته، حينها يشعر فقط بأن الحرية نعمة عظمى لا تضاهيها نعمة، وأن الحرية غالية بل وغالية جداً.
يخرج من الأرض التي أنجبته خائفاً يترقب، يترك فؤاده وديعة لدى أحب البقاع إلى نفسه، لكنه يحمل معه أعز ما يمتلكه المؤمن الواثق من نصر الله وتمكينه.
يخرج فاراً بدينه إلى وجهة لا يعلمها لكنه يمضي قاطعاً الفيافي والقفار، راجياً لطف الله ورحمته، فإذا بالعناية الإلهية تلاحظه، فتتحول المخاوف كلها إلى أمان واطمئنان، يصل إلى أرضٍ, آمنة، ويهيئ الله له من أسباب الرزق ما يعينه على حياة كريمة.
صحيح أنه غريب مهما أقام وطال به المقام، لكنه في النهاية هاجر خوفاً على دينه، راجياً أن تحسب له غربته تلك هجرة إلى الله وفي الله.
فهل تراه بعد ذلك كله يتخلى عن مبادئه التي خرج من أجلها، وضحى في سبيلها بالغالي والنفيس؟!
هل يمكن له بعد غربة دامت أعواماً وأعواماً أن يصل إلى مرحلة اليأس والقنوط، والتي معها يحط الترحال على أبواب الذل والمهانة بعد أن نجاه الله منها؟!
هل يعقل أن ينكص على عقبيه هادماً كل ما بناه مع الله في سنوات غربته، وأن يعلن براءته مما عاهد الله عليه حين خرج أول مرة؟!
أم تراه كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً.
ما الذي دفعه إلى صنيعه هذا؟!
هل ضاقت عليه الأرض بما رحبت؟ وهل أغلقت دونه الأبواب! أم ما زال في الأمر متسع وفسحة؟
لن ترضى لنفسك هذا الموقع ولا تلك النهاية، فالله الله في الثبات حين تزل الأقدام، وتتساقط الحمم، وحين تتمايز الصفوف ومعها تثبت الفئة المؤمنة رغم الشدائد أو المحن، فتحقق النصر والتمكين والاستخلاف في الأرض
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد