إلى أرباب الفكر وحملة المنهج ( 7 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

ومن المعالم في تربية النبي - صلى الله عليه وسلم – لأصحابه:

الثالث عشر: التوجيه الفردي والجماعي:

لقد كان - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين التربية والتوجيه الفردي من خلال الخطاب الشخصي المباشر وبين التربية والتوجيه الجماعي، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد كفي بين كفيه [رواه البخاري (831) ومسلم (402)] ومن ذلك ما ورد عن غير واحد من أصحابه: أوصاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن ذلك حديث معاذ - رضي الله عنه -: كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار فقال: يا معاذ، أتدري ماحق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - زوّجه أبوه امرأة فكان يتعاهدها، فتقول له: نعم الرجل لم يكشف لنا كنفاً ولم يطأ لنا فراشاً تشير إلى اعتزاله فاشتكاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعاه فكان معه الحوار الطويل حول الصيام وختم القرآن وقيام الليل، وقد كان هذا الحوار والتوجيه له شخصياً، بينما نجد أنه - صلى الله عليه وسلم - في مواقف أخر يوجه توجيهاً عاماً، كما في خطبه ولقاءاته وتوجيهاته لعامة أصحابه وهي أشهر من أن تورد وتحصر، وهاهنا مأخذ مهم في قصة عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - إذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاه وناقشه لوحده، بينما نجده في موقف آخر شبيه بهذا الموقف يعالج الأمر أمام الناس، فحين سأل طائفة عن عبادته وتقالٌّوها وقالوا ما قالوا صعد المنبر وخطب في الأمر، عن أنس - رضي الله عنه - أن نفرا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - سألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمله في السر فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني [رواه مسلم (1401)] ومثل ذلك في قصة الذي قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فعن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول هذا لك وهذا لي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه، ألا هل بلغت ثلاثا [رواه البخاري (7174) ومسلم (1832)] إذاً: فهناك جوانب يمكن أن تطرح وتناقش بصورة فردية ولا يسوغ أن تطرح بصفة عامة، ولو مع عدم الإشارة إلى صاحبها لأنها ربما كانت مشكلات فردية لا تعني غير صاحبها، بل قد يكون إشاعتها فيها ضررا أكثر من النفع، وهناك جوانب يجب أن تطرح بوضوح وبصورة عامة وتعالج وتناقش أمام الجميع، والمربي الناجح هو الذي يضع كل شيء موضعه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply