إلى أرباب الفكر وحملة المنهج ( 3 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

ومن المعالم في تربية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه

خامساً: سبق النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الوسائل التي يتنادى إليها التربويون اليوم ومن ذلك.

ضربه - صلى الله عليه وسلم - الأمثال وهو كثير، ومن ذلك: تشبيه المؤمن بالنخلة [في حديث البخاري برقم 61 من حديث ابن عمر] والمجتمع بالسفينة [في حديث البخاري برقم 2540 من حديث النعمان بن بشير] الصاحب السيء بنافخ الكير [في حديث البخاري برقم 5214 من حديث أبي موسى] ومن الوسائل في تعليمه: تحفيز الأذهان بالسؤال وهذا كثير فقد قال يوما لأصحابه \" أتدرون من المفلس... \" [رواه مسلم برقم 2581 من حديث أبي هريرة] وقال \" أتدرون ما الغيبة... \" [رواه برقم 2589 من حديث أبي هريرة] وقال: أتدرون أي يوم هذا.. \" [رواه البخاري برقم 1654 من حديث أبي بكرة] ومن الوسائل أيضا: تحفيز الأذهان بذكر معلومة أو خبر لم يذكر مقدمه أو أوله، ومن ذلك أنه قال: رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، قيل من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة \" [رواه مسلم في صحيحه برقم 3551 من حديث أبي هريرة] ومرّ بجنازة فأُثنى عليها خيراً فقال نبي الله \" وجبت وجبت، ومر بجنازة فأثنى عليها شراً فقال نبي الله: وجبت وجبت، قال عمر: فدىً لك أبي وأمي، مر بجنازة..) [رواه مسلم برقم 949 من حديث أنس. ] وذات مرة قال - صلى الله عليه وسلم - \" أُحضروا المنبر، فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال: آمين، فلما ارتقى الدرجة الثانية قال: آمين، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال: آمين، فلما نزل قلنا يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه.. \" [رواه الحاكم من حديث كعب بن عجرة] ومن الوسائل أيضا: قلة الكلام وإعادته ليتمكن في قلب السامع، تقول عائشة رضي الله عنه \" إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحدث الحديث لو شاء العد أن يحصيه أحصاه \" [رواه أبو داود برقم 3654 من حديث عائشة] ويقول أنس رضي الله عنه \" كان إذا سلم سلم ثلاثاً، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً \" [رواه البخاري برقم 94] وفي رواية أخرى للبخاري زاد \" حتى تفهم منه \" [رواه البخاري برقم 95] ولهذا فإني على المعلم المثالي أن يكون أقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليعرف نهجه وكيف ربى أصحابه.

 

سادسا: ومن المعالم أيضا في تعليمه - صلى الله عليه وسلم -: الصبر وطول النفس.

يسهل على الإنسان أن يتعامل مع الآلة الصماء، ويستطيع الباحث أن يصبر ويكافح في دراسة هذه الظاهرة المادية أو تلك، لكن التعامل مع الإنسان له شأن آخر وبعد آخر، ذلك أن الناس بشر لا يحكم تصرفاتهم ومواقفهم قانون مطرد، فتراه تارة هنا وتارة هناك، تارة يرضى وتارة يسخط، ولهذا أجمع المختصون بأن الظاهرة الإنسانية ظاهرة معقدة، وأن البحث فيها تكتنفه صعوبات عدة فكيف بالتعامل المباشر مع الإنسان والسعي لتقويمه وتوجيه سلوكه، ومن يتأمل سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - يرى كيف صبر وعانى حتى ربى هذا الجيل المبارك، كم فترة من الزمن قضاها - صلى الله عليه وسلم -؟ وكم هي المواقف التي واجهها - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك صبر واحتسب وكان طويل النفس بعيد النظر إن البشر مهما علا شأنهم فلن يصلوا إلى درجة العصمة، وهل أعلى شأناً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهاهم يتنزل فيهم في بدر [لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم] وفي أحد [منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة] وفي حنين [ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين] وحين قسم صلى!

الله عليه وسلم غنائم حنين وجد بعض أصحابه في نفوسهم ما وجدوا، وكان - صلى الله عليه وسلم - يخطب فجاءت عير فتبعها الناس فنزل فيهم قرآن يتلى، ومع ذلك يبقى هذا الجيل وهذا المجتمع هو القمة، وهو المثل لأعلى للناس في هذه الدنيا

فكيف بمن دونهم بل لا يسوغ أن يقارن بهم، إن ذلك يفرض على المربي أن يكون طويل النفس صابراً عالي الهمة متفاءلاً.

 

سابعا: الخطاب الخاص.

فكما كان - صلى الله عليه وسلم - يوجه الخطاب لعامة أصحابه، فقد كان يعتني بالخطاب الخاص لفئات خاصة من أصحابه، فقد كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - حين يصلي العيد أن يتجه إلى النساء ويخطب فيهن، كما روى ذلك ابن عباس -رضي الله عنهما- قال خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد، ثم مال على النساء ومعه بلال فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تلقي القلب والخرص [رواه البخاري (1431) ومسلم (884)] بل تجاوز الأمر مجرد استثمار اللقاءات العابرة، فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه- أن النساء قلن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فواعدهن يوماً فلقيهن فيه فوعظهن وأمرهن، فكان مما قال \" ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار \" فقالت امرأة: واثنين فقال \" واثنين \" [رواه البخاري (101) ومسلم (2633)] وقد يكون الخصوص لقوم أو فئة دون غيرهم، كما فعل في غزوة حنين حين دعا الأنصار وأكد ألا يأتي غيرهم، وكما بايع بعض أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئاً.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply