* السمة السادسة: فهم طبيعة الطريق:
فقد أوضحت تلك التجربة الدعوية، كغيرها من التجارب الدعوية على مر تاريخ الحركة الإسلامية، أن الصراع مع الباطل، والصدام مع مكذبي الفكرة أمر حتمي: {الـم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لا يُفتَنُونَ * وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3].
وتدبر التعقيبات القرآنية على مصيبة أُحُد: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الـمُؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُم عَلَيهِ حَتَّى يَمِيزَ الـخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطلِعَـكُم عَلَى الغَيبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجتَبِي مِن رٌّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإن تُؤمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُم أَجرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 179].
أي أن الله - عز وجل - شاء أن يميز بين الخبيث والطيب على أرض الواقع، وذلك بالاختبار والتمحيص، وهؤلاء الرسل في تجربتهم، قد تعرضوا لأنواع من الأذى والابتلاء، مثل:
1 - التكذيب: في كلتا الحالتين:
حينما كانا اثنين: {إذ أَرسَلنَا إلَيهِمُ اثنَينِ فَكَذَّبُوهُمَا}[يس: 14].
وحينما كانوا ثلاثة: {إن أَنتُم إلاَّ تَكذِبُونَ} [يس: 15].
2 - التشكيك: وذلك من خلال رؤية جاهلية ساذجة، وحجة غريبة، أن رسل الله لا يمكن أن يكونوا بشراً: {قَالُوا مَا أَنتُم إلاَّ بَشَرٌ مِّثلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحمَنُ مِن شَيءٍ, إن أَنتُم إلاَّ تَكذِبُونَ} [يس: 15].
وغاب عنهم أن الجانب العملي في أي دعوة، وهو سلوك الداعية، لا بد أن يكون ترجمة صادقة للجانب النظري في تلك الدعوة، وهي الفكرة المحركة.
ونسوا أيضاً أن السلوك إذا كان غير مرتبط بالفكرة، أي إذا كان العمل غير موافق للقولº فهو أمر قد ذمه الحق - سبحانه - في قوله: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفعَلُونَ * كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفعَلُونَ} [الصف: 2 - 3].
«والرسالة منهج إلهي تعيشه البشرية، وحياة الرسول هي النموذج الواقعي للحياة وفق ذلك المنهج الإلهي، النموذج الذي يدعو قومه إلى الاقتداء به، وهم بشر. فلا بد أن يكون رسولهم من البشر ليحقق نموذجاً من الحياة يملكون أن يقلدوه، ومن ثَمَّ كانت حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - معروضة لأنظار أمته»(1).
3 التطير والتشاؤم بالرسل: فهم مصدر الشر، وعدم النفع، والأذى: {قَالُوا إنَّا تَطَيَّرنَا بِكُم} [يس: 18].
4 ـ التهديد بالرجم: {لَئِن لَّم تَنتَهُوا لَنَرجُمَنَّكُم} [يس: 18].
5 ـ التهديد بالتعذيب والقتل: {وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يس: 18].
فكان من فقه هؤلاء الرسل الكرام لطبيعة الطريقº أنهم لم يفاجَؤوا بهذا الابتلاء المتعدد الصور، وكان ردهم: {قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُم أَئِن ذُكِّرتُم بَل أَنتُم قَومٌ مٌّسرِفُونَ} [يس: 19].
أي هذا التشاؤم إنما يأتي من داخلكم، وبناء على تصوراتكم، فلا تقذفوا غيركم بخرافة من صنعكم ومن بنات أفكاركم؟!
ولم َتكذبونا وتهددونا بالرجم والتعذيب والقتلº أفهذا جزاء من أراد بكم خيراً فوعظوكم، وذكروكم بالله - عز وجل -، وبينوا لكم سبل النجاة في الدارين؟!
بل أنتم الذين أسرفتم وتجاوزتم التفكير السوي، ورفضتم سبل النجاة!! فتحملوا وزر موقفكم الشاذ، وانتظروا العاقبة منه - سبحانه -.
وفقه طبيعة الطريق هي سمة لازمة بل أساسية لكل طليعة رائدة، وذلك من شأنه أن يقي الصف من التساقطات، ومن الانتكاسات وظواهر النكول والنكوص.
وكل طليعة مؤمنة تدرك أن لها خيارين، لخّصهما سيد قطب ـ - رحمه الله - ـ:
فإما إلى النصر فوق الأنام
وإما إلى الله في الخالدين
* السمة السابعة: الثبات:
ويبين سياق القصة، من خلال موقف الرسل الكرام وردهم على أصحاب القرية، معلماً آخر أو سمة أخرى من سماتهم، وهي الثبات على الحق.
وهذه السمة تعدٌّ محصلة أو جماع ونتيجة لكل السمات السابقة التي وضحتها الآيات، فما كان هذا الثبات ليأتي إلا من خلال كونهم ربانيين يثقون في مرجعيتهم وفي مصدر فكرتهم.
وما كان هذا الثبات ليأتي إلا من خلال كونهم جماعة تتعاضد ويساند بعضها بعضاً، وما كان لهذا الثبات أن يأتي إلا من خلال جديتهم في حمل الأمانة، ومن خلال فهمهم لدورهم الموكول، وهو حمل تلك الأمانة وتبليغها للناس، ومن خلال فهمهم للطريق واحتمالات النتائج.
ولا يقدر على الثبات إلا ذوو الطبيعة الإيجابية، والثبات على الحق سمة كل أصحاب الدعوات، حيث تبرز هذه الصفة جلية في سيرتهم.
وتدبر ثباته - صلى الله عليه وسلم - وهو يعلن: «ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلكº على أن تشعلوا لي منها شعلة»(2) ـ يعني الشمس ـ.
وتأمل ثبات أخيه هود - عليه السلام - وهو يواجه قومه، «في حسم كامل، وفي تحد سافر، وفي استعلاء بالحق الذي معه، وثقة في ربه الذي يجد حقيقته في نفسه بينة: {إن نَّقُولُ إلاَّ اعتَرَاكَ بَعضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ, قَالَ إنِّي أُشهِدُ اللَّهَ وَاشهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنظِرُونِ * إنِّي تَوَكَّلتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ, إلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ, مٌّستَقِيمٍ, * فَإن تَوَلَّوا فَقَد أَبلَغتُكُم مَّا أُرسِلتُ بِهِ إلَيكُم وَيَستَخلِفُ رَبِّي قَومًا غَيرَكُم وَلا تَضُرٌّونَهُ شَيئًا إنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيءٍ, حَفِيظٌ} [هود: 54 - 57]، إن أصحاب الدعوة إلى الله في كل مكان وفي كل زمان في حاجة إلى أن يقفوا طويلاً أمام هذا المشهد الباهر.. رجل واحد، لم يؤمن معه إلا قليل، يواجه أعتى أهل الأرض، وأغنى أهل الأرض وأكثر أهل الأرض حضارة مادية في زمانهم»(3).
والثبات على الحق في الحياة الدنيا، وفي القبر، وفي الدار الآخرة، نعمة ربانية: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ فِي الـحَيَاةِ الدٌّنيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلٌّ اللَّهُ الظَّالِـمِينَ وَيَفعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].
وهو الرصيد الذي لا يضيع، وهو الزاد الذي لا ينضب، الذي يرثه اللاحقون ـ من أجيال الدعاة، وأصحاب الدعوات ـ من السابقين لهم على الطريق، الذين لم يبدلوا تبديلاً. وهو المنارة التي على ضوئها يهتدي كل شارد.
* السمة الثامنة: الاهتمام بنشر الدعوة:
ومن خلال تدبر آيات الجولة الثانية في القصة، والتي تبين المواجهة بين الرجل المؤمن وقومه، يمكننا أن نستشعر بعض السمات الأخرى للطليعة المؤمنة.
فلقد أورد السياق أن الرجل المؤمن قد تحرك {وَجَاءَ مِن أَقصَا الـمَدِينَةِ} [يس: 20].
وهي اللمحة القرآنية التربوية الطيبة التي تهمنا في قضيتنا أو موضوعنا، وهي البحث في سمات الدعامة الأولى في عملية التغيير الحضاري، أو هي صفات الطليعة الفاعلة.
والتي نستشف منها أن هؤلاء الدعاة الربانيين، وهم الرسل الذين أرسلهم الحق - سبحانه - إلى أصحاب القرية، قد نجحوا في عرض قضيتهم، فاستعصت على محاولات التحجيم والتغييب، وكسرت طوق التعتيم والتجهيل والعزل، واتسعت دائرتها، وأصبحت حديث الشارع، حتى وصلت إلى أقصى مكان بالمدينة.
وهذه سمة مهمة جداً، يتبين منها صورة من صور النصر، ألا وهي النجاح في المهمة الموكولة، وهي البلاغ.
وتبين نجاح الرسل في نشر الفكرة في كل مكان مستطاع، وعدم الركون أو الهزيمة أمام ضغط الواقع، وأمام صعوبة العوائق.
* السمة التاسعة: الاهتمام بقضية الخروج إلى الناس:
وتبين القصة، في بداية آيات الجولة الثانية، أن الخير قد أتى من حيث لم يُتوقع، وأن الله - عز وجل - قد سرّى عن هؤلاء الرسل عندما تعرضت فكرتهم للحصار، وتعرضوا للتكذيب والتهديد، فجاء الفرج: {وَجَاءَ مِن أَقصَا الـمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسعَى قَالَ يَا قَومِ اتَّبِعُوا الـمُرسَلِينَ} [يس: 20].
وهي لمسة تسرية ربانية تعطي الأمل لهؤلاء الرسل، فتقول لهم لقد أديتم مهمتكم، ونجحتم في حسن عرض القضية وتقديمها، وبيان عدالتها، فتفاعل الشارع معكم ممثلاً في تحرك هذا الرجل المؤمن، حتى لو كان فرداً، وفرداً واحداً، متفاعلاً مع عدالة قضيتكم وصدقها.
بل يتحمل خطورة عرض دفاعه ورأيه، حتى لو أدى ذلك إلى استشهاده في سبيل موقفه المناصر.
وهي القضية التي ننظر إليها بمنظار آخر، وهي سمة عظيمة يجب أن تتصف بها كل طليعة مؤمنة، ألا وهي الاهتمام بقضية الخروج إلى الناسº وذلك من أجل هدف نهائي، هو إيجاد قاعدة جماهيرية تناصرها وتحميها.
وتدبر كيف أن الحق - سبحانه - قد ربط بين خيرية هذه الأمة، وبين خروجها إلى الناس، كل الناس، على مختلف فئاتهم وأجناسهم وألوانهم، لتقودهم إلى خيري الدنيا والآخرة، أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وذلك بعد إعادة صياغتها عقدياً، لتنطلق من قاعدة إيمانية، ولتكون شهيدة عليهم: {كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ, أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالـمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ الـمُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
فكان سلوكه - صلى الله عليه وسلم - في كل مراحل الدعوة، هو الالتزام بجانبين مهمين، هما:
1 - تربية قاعدة صلبة تقود التغيير.
2 - تكوين الرأي العام المناصر للفكرة، والمؤيد للداعية.
وعدم الاهتمام بقضية الخروج إلى الناس، كل الناس، من أجل تكوين تلك القاعدة الجماهيرية، حتى إن تواضع عددها تحول الطليعة المؤمنة إلى حركة نخبوية، فتؤدي إلى عملية عزل بينها وبين جماهير الأمة، فيؤدي إلى سهولة عمليات إجهاضها.
وتكون المحصلة النهائية هي تعرضها إلى عملية وأد مقنعة.
* السمة العاشرة: العفة والنزاهة:
وعندما جاء صاحب يس المؤمن إلى مسرح الأحداث، وصف هؤلاء الدعاة بصفتين أو سمتين بارزتين، لا يختلف عليهما اثنان، وهما أخطر صفتينº لأنهما جاءتا على لسان الآخر، وكذلك لم ينكرهما أصحاب القرية، والتي جعلت الرجل المؤمن يبني على أساسهما أن هؤلاء الدعاة صادقون، وبعيدون عن مواطن الشبهات أو مواضع الاتهام، وكانتا من أقوى حججه أثناء حواره مع قومه المكذبين.
وأول هاتين الصفتين نلمحها من قوله: {اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسأَلُكُم أَجرًا} [يس: 21]º أي اتبعوا هؤلاء الكرام الذين لم يتكسبوا بفكرتهم، ولم يطلبوا أجراً نظير وعظهم، ولم يتعيشوا بدعوتهم.
ألا ترون من لا يسعى إلى مغنم، ولم يطمع في أجر، وتنزه عما بأيديكمº ألا يدل ذلك على صدقه؟!
وهي السمة التي يتميز بها أصحاب الدعوات.
وتأمل كيف أنكر الحق - سبحانه - على مشركي مكة موقفهم من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي لم يطلب أجراً يثقل كاهلهم، فيدفعهم إلى التكذيب: {أَم تَسأَلُهُم أَجرًا فَهُم مِّن مَّغرَمٍ, مٌّثقَلُونَ} [الطور: 40].
وهو الرد نفسه من نوح - عليه السلام - على قومه المكذبين: {وَيَا قَومِ لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ مَالاً إن أَجرِيَ إلاَّ عَلَى اللَّهِ} [هود: 29].
وهو أيضاً الاستنكار نفسه من هود - عليه السلام - على موقف عاد: {يَا قَومِ لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إن أَجرِيَ إلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعقِلُونَ} [هود: 51].
والترفع عما بأيدي الناس، أو العفة والنزاهة، هي سمة بارزة لكل طليعة مؤمنة، وهذه السمة هي سبيل الكرامة والاحترام، ومن مسوغات قبول الناس للفكرة، وسبب أساس لكسب حبهم، كما قال الحسن البصري - رحمه الله -: «لا تزال كريماً على الناس ما لم تعاط ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك، وكرهوا حديثك، وأبغضوك».
* السمة الحادية عشرة: حسن السيرة والسلوك:
أما الصفة الثانية التي لاحظها الرجل المؤمنº فهي أن هؤلاء الرسل: {مٌّهتَدُونَ} [يس: 21].
أي أن السمة الأخرى التي جعلت الرجل المؤمن يتحرك، ويخاطر بنفسه، ويدافع عن هؤلاء الدعاة، هي أن هؤلاء الرسل يتميزون بالصلاح والهداية، ولا يشين سلوكهم أي شائبة أخلاقية تقدح في صدقهم.
وقيل إن وصفه لهم بتلك السمةº هي الصفة التي عرف منها قومه أنه على دينهم، وأنه يدرك الفرق بين الهداية والضلال، ويميز بين المهتدي والضال، فرجموه بسببها(1).
وتأمل موقف السجينين عندما احتاجاً لتأويل رؤياهما، فما كان منهما إلا أن قصدا يوسف - عليه السلام -، وذكرا سبب ثقتهما فيه - عليه السلام -º أن سلوكه كان طيباً، حتى وهو في داخل السجن، فنطقا مقرَّين: {إنَّا نَرَاكَ مِنَ الـمُحسِنِينَ}[يوسف: 36].
وإنه لدرس عظيم لكل طليعة مؤمنة أن تري ربها - عز وجل - منها كل قوة وخير، ثم تري المؤمنين من حولها بل كل الناس كل خير وسلوك حسنº حتى تنطق الألسنُ فيهم بالذكر الحسن.
وإنها لسمة راقية بارزة أن يتحدث بها الآخر!
{وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ وَالـمُؤمِنُونَ وَسَتُرَدٌّونَ إلَى عَالِـمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ} [التوبة: 105].
وقد ورد عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: «إذا أعجبك حسن عمل امرئ مسلمº فقل: اعلموا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون»(1).
الدعامة الثانية للتغيير الحضاري: وهي وجود القاعدة الجماهيرية:
أو الرأي العام الذي يناصر الفكرة، ويحب دعاتها ويكره أعداءها، ويحرص على انتصارها.
والتي تمثلت في حركة الرجل المؤمن، والذي جاء ليناصر الفكرة، ويدافع عن الدعوة، ويؤيد الدعاة.
وقد ورد الحديث عنها في آيات الجولة الثانية من القصة، وهي جولة المواجهة بين الرجل المؤمن وبين قومه:
{وَجَاءَ مِن أَقصَا الـمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسعَى قَالَ يَا قَومِ اتَّبِعُوا الـمُرسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسأَلُكُم أَجرًا وَهُم مٌّهتَدُونَ * وَمَا لِيَ لا أَعبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإلَيهِ تُرجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِـن دُونِهِ آلِهَةً إن يُرِدنِ الرَّحمَنُ بِضُرٍ,ّ لا تُغنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُم شَيئًا وَلا يُنقِذُونِ * إنِّي إذًا لَّفِي ضَلالٍ, مٌّبِينٍ, * إنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُم فَاسمَعُونِ * قِيلَ ادخُلِ الـجَنَّةَ قَالَ يَا لَيتَ قَومِي يَعلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الـمُكرَمِينَ} [يس: 20 - 27].
ومن خلال تدبر الآيات يمكننا أن نبحث حول بعض صفات هذه القاعدة.
ونقول بعض الصفات أو السماتº لأننا سنلتزم بما ورد عنها في آيات الجولة الثانية من القصة، وكذلك سنرتب السمات على حسب ورودها في سياق الآيات، وليس على حسب أولويتها، أو أهميتها.
* السمة الأولى: الوعي بالواقع:
تبين آيات الجولة الثانية من القصةº أن مؤمن يس قد تحرك في مبادرة وموقف عظيم: {وَجَاءَ مِن أَقصَا الـمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسعَى}.
ولا يهمنا أن يكون هذا الرجل هو حبيب النجار أو غيره، ولكن المهم أن نستشعر أنه رجل جاء من مكان ليس بالقريب، وكذلك كان يسعىº أي يسرع في مشيته، وهو ما يبين مدى الجهد الذي بذله للوصول إلى مسرح الأحداث، وهو المكان الذي كان يبتلى فيه الرسل، وذلك في مبادرة منه لم يحدها مكان ولا زمان ولا وقت، بل سعى ووصل في الوقت والمكان المناسبين، وعرض رأيه في القضية، وانتصر لهؤلاء الرسل ضد رغبة قومه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد