التَّرقِيَةُ في مِعرَاجِ التَّربِيَة

2.8k
5 دقائق
التصنيف:
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

إن من معاني ( التزكية ) و ( التربية ) النماء و الترقي بالشيء نحو الكمال، و الإيصالُ له نحو المطلب المرموق، و هذا المعنى مضموم مع المعاني الأخرى التي تعني ( التحلية ) بكل فضيلة، و ( التخلية ) من كل رذيلة، و بضمِّ ذاك مع ذين يكون الشأن واضحاً بيِّناً، و نتحصَّلُ على قاعدةٍ, أُمٍّ, في التربية الذاتية.

تلك هي قاعدة: الترقية في التربية، إننا حين نسعى في تربية ذواتنا و غيرنا فإننا نطمحُ من تلك التربية بالوصول إلى أمرٍ, من الغايات الكمالية، و نصلُ إلى هدفٍ, سامٍ, شامخ، و هذا من أُسس المقاصد التربوية. و الترقية التربوية ملازمةً للطموح، و مجاريةً للهمة، و مصاحبةً للعزيمة، و من تخلَّى عنها ممن يأمَلُ من نفسه أن يكون ذا طموح,ٍ, و همةٍ,, و عزمةٍ,, فليس من آمالِه في شيء، و لا من أمانيه في حظٍ,.

ذلك أن الهمةَ السعيُ في تحصيلِ الغاية مع بذلِ ما دونها لها، و الماكثُ على حالٍ, في تربية نفسه, و تهذيبها ليس آتياً بمعنى الهمة، و لا جائياً بحقيقتها.

و الطموح ذا نظرٍ, بعيد، و أُفُقٍ, واسع يَرمُقُ المجد غايته، و يُبصرُ الكمالَ نهايته، و الباقي على وتيرةٍ, واحدة على النقيضِ من هذا المعنى.

هذا فيما هو من خصائص النفس و رغائبها، كيف إذا كان من المقررات في الشريعة تحريضُ الشارع عبادَهº لتحقيق الترقية التربوية، يقول الله - تعالى -: { و في ذلك فليتنافس المتنافسون }، بل مايزَ الله بين عباده فجعلهم على مراتبº المقربين، ثم أصحاب اليمين، ثم أصحاب الشمال، و لم يكن هذا التمايزُ بينهم, و التقسيم لهم إلا لبيان أن ذلك بسبب السعي منهم في الترقية التربوية.

و يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" مَن بطأ به عملُه لم يسرع به نسبُه \"، و المراد واضحٌ بيِّنٌ ظاهر.

و كان من كلام العلماء التربويين في سَوقِ الحديثِ عن الليل, و أُنسِ الصالحين به و فيه أن جعلوه محلَّ السباق، و ساحة التنافس، و مقام التمايزِ بين العباد في الأسبقِ إلى الله - تعالى -، و لقد كان أبو بكرٍ, - رضي الله عنه - سباقاً إلى الخيرات، راقياً بنفسه في الفضائل لذا عجزَ عمر - رضي الله عنه - عن دَركِ أبي بكر، أو مضارعته، و من أجل ذا - أيضاً - استحق أبواب الجنة الثمانية، و في الأمة كثيرون نالوا مقامات الرقي التزكوي، و لا يزال فيها بقية باقية، فمن ذا و ذاك نعرف مدى قيمة الترقية التربوية، و منتهى نفاستها للراغب في الكمال.

الترقية في مجال التربية لها أنواع و أحوال، منها:

أولاً: الترقي في الوسائل العلمية النظرية، فليس من التربية في شيءٍ, أن يبقى المُربِّي على وسيلةٍ, واحدة يُصبحُ عليها و يُمسي، و يشِبٌّ و يشيب، فإن الركود على الشيء - مع وجود أفضل منه - دنو في الهمة، و ضعفٌ في العزيمة.

التقنية الحديثة أتت بوسائل تعليمية, و تربوية كثيرةٌ جداً، فالتنويع بينها مطلبٌ مهم جداً، و الأخذ بها من عيون الحكمة التزكوية، و من سوابل الترقية التربوية.

و يأخذُ المرءُ المُربَّى على أي وسيلةٍ, تتناسبُ مع همته, و هدفه, و قدراته، و لكن بشرطين:

الأول: أن تكون وسيلةً مباحةً، فلا يجوز الاعتماد على الحرام للوصول إلى الحلال، فإن الغايات لا تبرر الوسائل، و في الوسائل المباحة ما يُغني عن الحرام, أو المُشتَبَه فيه.

و الوسائل المُحرَّمة متنوعة منها:

* إلزام المرءِ المُربَّى وسيلةً فيها مضرةً عليه، كالتجويع المضر، و كالإسهار المهلك، و كالوقوف المرهق، فإن مثل هذه إذا كانت تؤخذ للتربية, و يلحقُ صاحبَها ضررٌ فلا يجوز، و أما إذا فيها دُربَةٌ على الصبر، و تعويدٌ على الجلَد - مع عدم المضرَّة - فلا بأس، على أن الإعراضَ عنها خيرٌ.

الثاني: أن تكون نافعةً مفيدةً، فليست كلٌّ وسيلةٍ, مفيدة و نافعة، فمن الوسائل ما هو مباحٌ لكن لا فائدة منها, و لا منفعة فيها فتكون الترقية قاصرةٌ ناقصة، و منفعةُ الوسيلة تؤخذ من طريقين:

أولهما: النصٌّ الشرعي، فإنه قد جاء في النصوص بيانٌ للطرق النافعة في الترقية بالنفس، و أنها ذات نفع و ثمرة، كـ: الترغيب و الترهيب، و الأخذ بالمُربَّى في الشدة أحياناً للتأدب، و الهجرِ الجميل، و غير ذلك، و كلها نافعةٌ بنصِّ الشارع.

ثانيهما: التجرُبة، فمن الوسائل ما جُرِّبَ فظهرَ أثرُ نفعه فيكون مفيداً لذلك الأثر، استناداً على الأصل العام أن الأشياء الأصل فيها الإباحة، و أن ما نفع منها و أفاد فيؤخذ به.

و عليه أن يكون في أخذه بتلك الوسائل مراعياً الأولويةَ فيها، فلا يجنح لقليلِ منفعةٍ,,و أثرٍ,, مع وجود ما هو أكبرُ نفعاً منه.

ثانياً: الترقي في العمل التطبيقي التربوي، فإنه متنوِّعٌ منه العلمي، و منه العملي، و الأخذُ بالمُربَّى في هذا الجانب رُقياً و صعوداً ضروري، و الاقتصارُ على الدون، و الركود على الحال من أضداد الكمال.

أولَ بَدءِ المرءِ بتربية نفسه يكون آخذاً بالهيِّن السهل على نفسه، سالِكاً معها مسلك الترغيبِ تاراتٍ,، و الترهيب تارة، مجارياً لها، عاذراً خطأها، و كلٌّ ذلك للتعَوَّدَ على أن تتجلَّدَ على الأخذ بالشدائد و الصعبِ من الأعمال, و العبادات.

و الأعمالُ العبادية متنوِّعةٌ كثيرة، منها ما يندرجُ تحت جنس الصلاة، و منها المُضمَّن لعمل الذكر، و ما إلى ذلك.

إن السلوك بالمُرَبَّى على سابلة الترقي, و الصعود في الجانب العملي و العلمي من أهم ملامح هذه القاعدة التربوية النفيسة، كما أن إغفالها و إهمالَها و تركها، و عدم رعايتها ترقِّياً شرخُ خطرٍ, في التربية.

ففي الصلاة يكون بَدؤه - بعد إتيانه بما يكون من لوازم المسلم في يومه و ليلته [ الرواتب، الوتر، القيام ] - بصلاة الضحى، و النفل المطلق، و سائر الصلوات النوافل المُستحب الإتيان بها.

فنتلخَّصُ إلى أن يكون شأنه في السير في الترقي في صلاته على النحو التالي:

1. النوافل المؤكدة على المرء إتيانه بها، كـ: السنن الراتبة، و الوتر، و قيام الليل.

2. النوافل المستحبة المقيَّدة، كـ: صلاة الضحى.

و يُلاحظُ في الأمرين التدرٌّج و الحكمة في الأخذ بالمُربَّى في الترقية التربية، فإن بعضاً منها لا يتناسب مع المُربَّى، و بعضها أقلَّ منه، فمراعاة الحكمة, و التدرٌّج مهم جداً.

3. النفل المُطلَق العام في جميع العبادات.

من أفضلِ ما يُرَقِّي المرء في العملية التربوية، و المنهجية التزكوية جعلُ مراحلَ للعملية التربوية، و وجعلُ مدىً زمنياً للمراحل، و الأخذ بالمُربَّى في تلك الأحوال على أحسن حال، فإن هذا لو أخذ به المرءُ لكان مُحصِّلاً لمنافع كثيرات جداً في سبيله التربوي.

و بعدَ هذا لابد من أخذ الأمور التربوية بحزمٍ, و جد، و الإعراضِ عن الهزل, و اللين في غير محله، فقد مللنا وجودَ جيلٍ, مُربَّى على غير جادة من التزكية النافعة، و مللنا من تواجد عينات من الصالحين اتخذوا رسماً صورياً للاستقامة, و خلوا من حقائق تلك الأحوال و الأخلاق.

و ما ألذَّ أن يشتغلَ المُتَزَكِّي بكتب الأئمة الأعلام: ابنُ قيم الجوزية ( مدارج السالكين ) و ( طريق الهجرتين )، أبو حامدٍ, الغزَّالي ( منهاج العابدين ) و ( مكاشفة القلوب )، ابنُ رجبٍ, ( الدٌّلجة ) و ( لطائف المعارف ) و غير ذلك كثير.

و الاعتكاف على قراءة تراجم الصالحين و العُباد ففيها النفع الكبير


مقالات ذات صلة


أضف تعليق