الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأصلي على نبيه محمد و آله وصحبه أجمعين، وبعد،،،
إخوتاه .. أجيالنا بين الواقع والأمل المنشود، قضية تثير الأسى، والكلام عنها ذو شجون، فإنَّ الصحوة الإسلامية منذ بدأت وهي تهفو لإيجاد جيل \' التمكين \' الذي:
◄ وعد الله:} وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدُونَنِي لَا يُشرِكُونَ بِي شَيئًا...[55] {[سورة النور].
◄ الجيل الذي وعدنا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بِقَولِهِ: [بَشِّر هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفعَةِ وَالدِّينِ وَالنَّصرِ وَالتَّمكِينِ فِي الأَرضِ...] رواه أحمد وصححه الألباني.
وكلما أتى جيل ترقب أن تكون النصرة فيمن يليه، فإذا الجيل الناشيء أسوأ ممن كان قبله، قالوا: لعل الأبناء الذين سينشئون في بيت الملتزمين تأتي النصرة على أيديهم، فإذا الأولاد أسوأ من الآباءº ذلك لأنَّ الآباء لم يربوا تربية إسلامية صحيحة، ولأنَّ الالتزام الأجوف صار ظاهرة مريرة، وصارت كل معاني الالتزام مبتسرة في المظهرº فضاع الجوهر، وحقيقة الأمر على أنَّ الدين كلٌ واحدٌ:} يَاأَيٌّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادخُلُوا فِي السِّلمِ كَافَّةً...[208] {[سورة البقرة] . أي: الإسلام، فالاهتمام بالجانبين حتم لازم: فمظهر يدل على جوهر، وجوهر يدلل عليه حسن المظهر، عقيدة راسخة وإيمان قوي يصدقه عمل وطاعة لله، يقين بالله وحسن توكل عليه يفرز عبادة وقربات إلى الله، توحيد بالله وإخلاص يشده إتباع للنبي - صلى الله عليه وسلم-، وتمسك بسنته، تزكية للنفوس وتربية للقلوب تنتج برًا وحسن خلق.
كذا كان الأمل المنشود أن يستوعب أهل الصحوة حقيقة تلك الأمور في حياتهم، وعند تربيتهم لأولادهم، ولكن يبدو أنَّ المفاهيم اختلطت، ومع كثرة الجدل ونفث الأعداء للشبهاتº ضاعت الحقيقة، وتعددت المناهج، وكان يقال بالأمس: إنَّ الأهداف مشتركة والوسائل مختلفة، وإنَّي لأجزم الآن بأنَّ الأهداف بين أهل الصحوة قد اختلفت، ساعد على ذلك اختلاف المنابع والمشارب، لذلك دعونا الآن نطرح هذه القضية من جديد، بداية من تحديد الأهداف وجلائها ووضوحها عند الجميع، مرورًا بتفسير الواقع ودراسة الظواهر السلبية، واقتراحات العلاج سائلين الله تعالى الهداية والتوفيق والرشاد !
إنما الحياة طعام وشراب ومنام فإن فاتك هذه فعلى الدنيا السلام
فالمسلم صاحب رسالة، صاحب هدف، يجعل حياته وقفاً على هدفه، ولسان حاله:
يهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر
◄ ما هدفنا إذن؟ القرآن يهدِّف حياتك، ويدلك على الوسائل لتحقيق هذا الهدف في عبارات جامعة كافية: يقول تعالى:} يَاأَيٌّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ[77]وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجتَبَاكُم وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ, مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسلِمِينَ مِن قَبلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيكُم وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَاعتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَولَاكُم فَنِعمَ المَولَى وَنِعمَ النَّصِيرُ[78] {[سورة الحج].
هذا هو هدفك نص عليه القرآن:}وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ...[78] {[سورة الحج].
◄ إن أخطر ما في قضية اليوم أن المسلمين صار في قلوبهم شعور أن في هذه الدنيا من هو أفضل منهم، وهو أخطر ما يحطم القلب، كثيراً ما أحرص وأقول لكم:أفضل من على ظهر الأرض أنتم ومن مثلكم، ينبغي أن تعتقدوا هذا، ورضي الله عن عمر حين قال:\' كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله \' . } الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ أَيَبتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا[139] {[سورة النساء] . إننا ينبغي أن نوقن بذلك، أن نعيش لذلك، أننا شهداء على الناس .
◄ هل عرفتم هدفكم؟ هدفك: دينك لحمك دمك وإن قتلت أو حرقت، فإننا لا نعيش لأنفسنا بل نعيش لديننا، هذا هدفي .
◄ أما الغاية: فهي رضا الله والجنة .
ماذا تريد الآن، سل نفسك هذا السؤال، ما الذي يدور بخلدك؟ ما هي أحلامك وطموحاتك؟ ماذا تنشد؟ إنك ـ وللأسف ـ تريد أن تملك شقة واسعة، وزوجة جميلة، ومرتباً عالياً، وسيارة فارهة، تريد ملابس جميلة، تريد أن يكون لك احترام وتوقير عند الناس، أليست هذه وغيرها من الفانيات هي آمال السواد الأعظم من المسلمين اليوم؟! فكيف بالله تتكلمون عن نصرة وتمكين، إنها مجرد خواطر عابرة، أو حماسات قلبية سرعان ما تفتر أمام مغريات الدنيا الزائلة. نعم، صارت هذه همومنا، آمالنا، أحلامنا.
◄ أمَّا النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان هدفه نشر الدين، وكان يربط قلوب صحابته - رضوان الله عليهم - بهذا الهدف بحيث لا يفارقهم:
قلبه - صلى الله عليه وسلم - متعلق بالهدف، يحفر الخندق وهم محاصرون خائفون قد أضرَّ بهم زمهرير البرد، وهو ينظر إلى قصور الشام والمدائن واليمن، أعرفت كيف ربى النبي أصحابه وفي أشد الصعاب جعل مفتاح النصر هو تعلق القلب بالهدف، واليقين بأنَّ الله ما كان مخلف وعده رسله، والثبات والصبر الذي هو ثمرة الاعتقاد الجازم .
فإذا عشت الإسلام، فكل ما يعارضه فتحت النعل، لابد أن يكون الأمر هكذا، فلا تنشغل بالترهات والشبهات التي ينفث بها أعداء الإسلام من حين لآخر، ولا تستوقفك الدنايا، ولا تُعر اهتمامًا بأصحاب الدنيا وخلانها، ولا تقع في وحل شهوة دنية، وخذ الأمر بعزة وكبرياء المؤمن، فمستقبلك معرض للخطر مع كثرة الالتفات، تجاوز تلك العقبات، فأعلى الناس منزلة عند الله أكثرهم استقامة على أهدافهم، الذين لا يلتفتون بوجوههم لأي عارض، وعلى هذا فكن فإنَّ هذا سيقطع علينا من البداية الخوض في مشاكل كثيرة، فبهذه العزيمة، والهمة العالية، والاعتزاز بالانتماء لهذا الدينº ستتخلص من عقبات كثيرة، كل منها قد يودي بك ويقطع عنك السبيل إلى ربك لو تمهلت ونظرت فالتفتت فحذار حذار .
إن الحياة الطيبة هي أن تحيا لهدفك، أن تعيش لله رب العالمين:} قُل إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ[162]لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ[163]{ [سورة الأنعام] . نريدك أن تعيش لله، نريدك رجلاً بحق، وليكن شعارك: [مَا لِي وَمَا لِلدٌّنيَا مَا أَنَا فِي الدٌّنيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ, استَظَلَّ تَحتَ شَجَرَةٍ, ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا] رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد .
إخوتاه .. ليست الضجة الشكلية للعمل هي المطلوبة، قال تعالى:} لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقوَى مِنكُم...[37] {[سورة الحج] . ينبغي أثناء العمل أن تتحرك مشاعرنا بقدر ما تعتلج هذه الأعمال في مكنونات نفوسنا، الغذاء الحسي الذي تناله قلوبنا وأرواحنا هو هدفنا الأساسي، حين ينبض الهدف بالحياةº يصبح العمل حياً، وحين يموت الهدف يصبح العمل لا روح فيه .
إخوتاه .. إن مجرد فهم الإنسان للهدف واطمئنانه بصحته عقلاً إنما هو خطوة البداية بسلوك هذا الطريق، وهي وحدها لا تسمن ولا تغني من جوع، إلا أن يكون في قلبك نارٌ متقدة لنصرة الدين، تكون على الأقل في ضرامها مثل تلك النار التي توجد في قلب أحدكم حين يجد ابناً له مريضاً، فلا يدعه حتى يسرع به إلى الطبيب، الأمة مريضة، إنني أريد أن توقد في قلوبكم نار، نار الإسلام، الغيرة على الإسلام وللإسلام، هذه النار تأكل مشاغلكم عن الإسلام، وكما قالوا:\' حب الله: نارٌ في القلب تأكل كل ما سوى المحبوب\' نعم نارٌ تأكل كل ما سوى الهدف
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد