السؤال:
أنا سعيد لأنني تعرفت على فتاة عن طريق الإنترنت وبدأت أحبها ، توقفت بعد هذا لأنني أحب الله ، قلت لها بأنني آسف ولن أستطيع أن أحبك لأنني أحب الله . هل سيكتب هذا في ذنوبي يوم القيامة لأنني أحببت تلك الفتاة ثم عرفت بأنني على خطأ فتركتها وقلت لها بأنني أحب الله أكثر ولا أستطيع أن أعصي
أوامره ؟ وهل سيكتب في ميزان حسناتي ما فعلت ؟ وهل سيتم سؤالي عن ما فعلته قبل أن أترك تلك الفتاة ؟
شكراً وآسف لطرحي لهذا السؤال الغبي .
الجواب:
الحمد لله
نتعجب جدّاً من وصفك لسؤالك بأنه \" غبي \" ، بل هو غاية في الجودة والعقل والدِّين ، وإننا لنفتقد مثلك ممن يجاهد هواه ، ويقدِّم طاعة الله ورسوله على طاعة هواه ، ويخاف مقام ربِّه عز وجل .
ونبشرك بكل خير على ما فعلت من تركك لتلك الفتاة وتقديم محبة الله على المعصية ، ومن هذه المبشرات :
1. الثواب بجنتين .
قال الله تعالى : { ولمن خاف مقام ربِّه جنتان } الرحمن / 46 .
قال ابن كثير :
والصحيح أن هذه الآية عامة كما قاله ابن عباس وغيره ، يقول الله تعالى : { ولمن خاف مقام ربه } بين يدي الله عز وجل يوم القيامة ، ونهى النفس عن الهوى ، ولم يطع ولا آثر الحياة الدنيا ، وعلم أن الآخرة خير وأبقى فأدى فرائض الله ، واجتنب محارمه : فله يوم القيامة عند ربه جنتان ... \" تفسير ابن كثير \" ( 4 / 277 ) .
2. تبديل السيئات إلى حسنات .
قال الله تعالى – بعد أن ذكر عقوبة الشرك والقتل والزنى - : { إلا مَن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدِّل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً } الفرقان / 70 .
وهي على القولين في تفسيرها من المبشرات لتارك المعاصي ، فقد قيل فيها : إن معاصيهم تُبدَّل إلى طاعات ، وقيل : بل السيئات نفسها تُبدَّل إلى حسنات .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي :
{ إِلا مَن تَابَ } عن هذه المعاصي وغيرها , بأن أقلع عنها في الحال , وندم على ما مضى له من فعلها , وعزم عزماً صارماً أن لا يعود .
{ وَآمَنَ } بالله إيماناً صحيحاً , يقتضي ترك المعاصي , وفعل الطاعات .
{ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا } مما أمر به الشارع , إذا قصد به وجه الله .
{ فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِم حَسَنَاتٍ, } أي : تتبدل أفعالهم , التي كانت مستعدة لعمل السيئات , تتبدل حسنات ، فيتبدل شركهم إيماناً , ومعصيتهم طاعة , وتتبدل نفس السيئات التي عملوها , ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة , وإنابة , وطاعة , تبدل حسنات , كما هو ظاهر الآية ، وورد في ذلك حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه , فعددها عليه , ثم أبدل من كل سيئة حسنة فقال : \" يا رب إن لي سيئات لا أراها ههنا \" ، والله أعلم . \" تفسير السعدي \" .
3. الشعور بحلاوة الإيمان .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : \" ثلاث مَن كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما ، وأن يُحبَّ المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار \" . رواه البخاري ( 16 ) ومسلم ( 43 ) .
4. البشارة بالإخلاص .
ولا شك أن النفوس التي تجاهد هواها وتدفع العشق ، وتُحل محله حب الله تعالى : فإن هذا يدل على إخلاصٍ, عنده .
قال ابن القيم :
وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى المعرضة عنه المتعوضة بغير عنه ، فإذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه : دفع ذلك عنه مرض عشق الصور ، ولهذا قال تعالى في حق يوسف { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } فدل على أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته ، فَصَرفُ المُسبب صرف لسببه ، ولهذا قال بعض السلف : \" العشق حركة قلب فارغ \" يعني : فارغاً مما سوى معشوقه ، قال تعالى : { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به } أي : فارغاً من كل شيء إلا من موسى لفرط محبتها له وتعلق قلبها به ، والعشق مركب من أمرين : استحسان للمعشوق ، وطمع في الوصول إليه ، فمتى انتفى أحدهما انتفى العشق . \" زاد المعاد \" ( 4 / 268 ) .
فاحرص – بارك الله فيك – على تقوية إيمانك ، وداوم على طاعة الله تعالى ، إذ الطاعة هي أدل علامات المحبة ، واحرص على الاستمرار في قطع علاقتك بتلك الفتاة ، ولا يغرنك الشيطان بالرجوع إليها ، والحديث معها ، فأنت على خير إن شاء الله .
والله الموفق .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد