بسم الله الرحمن الرحيم
قالت لي:
توفى عمي الحبيب - رحمه الله - فمكثتُ قرابة الشهر لا أتزين ولا أهتم بمظهري المتألق أمام أولادي وزوجي، ثم تذكرتُ قصة شخصية فريدة وموقفاً غريباً يدهش المتأمل ويثير الحيرة.
هذه المرأة التي مات ولدها الصغير، ونحن نعلم أن موت الصغير يؤثر في النفس أكثر من موت الكبير، ولما عاد زوجها من سفره لم تلقه بالصراخ والحزن والكآبة، ولكنها صبرت وقدّمت رضا زوجها وراحته، وتزينت له وقدّمت له العشاء، بل والأعجب من هذا أنه كان منه ما يكون من الرجل إلى أهله، ثم أخبرته بعد ذلك بطريقة عقلية حكيمة عن وفاة ابنه المُسجى في جانب من البيت.
من هنا عزيزتي القارئة نبدأ وننطلق ونتساءل هذه الأسئلة؟
-أي امرأة هذه التي تتزين لزوجها وهو عائد من سفره فيواقعها وابنها المتوفى مسجى في جانب من البيت؟
-كيف تستقبل المرأة المصيبة؟
هل تنسى الأنثى أنها أنثى حتى في أحلك الظروف؟
-هل تراعي الأنثى ترتيب الأوليات في حياتها؟
-هل ما فعلته هذه المرأة صبر أم إيمان أم توافق وصحة نفسية، أم قوة وجلد شديدين تنسى معها رقة قلب الأم على صغيرها؟
-هل عرفتِ عزيزتي القارئة المرأة التي نتحدث عنها في هذا المقال؟
إنها أم سليم بنت ملحان، وهي أيضاً الرميصاء المبشرة بالجنة.
وهي أم أنس بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت هي وأختها أم حرام خالتين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جهة الرضاعة أو من جهة النسب.
هيا معي عزيزتي القارئة لنتعرف على قصة أم سليم \" الأنثى الثكلى \" ونتلمس الإجابة على الأسئلة السابقة من تحليل هذه القصة.
قصة مدهشة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مات ابن لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه.
فجاء أبو طلحة من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كيف ابني؟ فقالت: - يا أبا طلحة ما كان منذ اشتكى اسكن منه الساعة وأرجو أن يكون قد استراح، فأتته بعشائه فقربته إليهم وكان معه ناس من أصحابه فتعشوا وخرج القوم، قال: فقام إلى فراشه فوضع رأسه، ثم قامت فتطيبت وتصنّعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك، ثم جاءت حتى دخلت معه الفراش، فما هو إلا أن وجد ريح الطيب، فكان منه ما يكون الرجل من أهله.
فلما كان آخر الليل قالت: - يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا قوماً عارية لهم فسألوهم إياها أكان لهم أن يمنعوهم؟ فقال: لا، قالت: فإن الله - عز وجل - كان أعارك ابنك عارية ثم قبضه إليه فاحتسب واصبر، فغضب ثم قال: تركتني حتّى إذا تلطختُ ثم أخبرتني بابني، فاسترجع وحمد الله.
فلما أصبح اغتسل ثم انطلق حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما كان.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" بارك الله في ليلتكما\"، قال: فحملت، وولدت غلاماً حنكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتمرات ممزوجة بريقه الشريف وسماه عبد الله.
وفي رواية البخاري: قال رجل من الأنصار: فرأيتُ تسعة أولاد كلهم قد قرأوا القرآن، يعني من أولاد عبد الله المولود.
كيف استقبلت المصيبة؟
لقد بلغت أم سليم قمة الصبر والإيمان بقضاء الله عند وفاة ابنها، أم سليم التي تربت في مدرسة النبوة تعلّمت كيف تستقبل المصيبة وتحتسبها عند الله، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \" ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها \".
قال علي بن أبي طالب: ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قُطع الرأس بار الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له.
أم سليم فجُعت بوفاة صغيرها فصبرت واحتسبت واستقبلت زوجها العائد من السفر واتبعت نظام الأوليات، أتدرين ما هو نظام الأولويات؟
إن المرأة وخاصة المتزوجة تراعي الأولويات، وفي هذا النظام تحتل العلاقة بين الزوجين -العاطفية والجسدية- المقام الأول.
تهتم المرأة أولاً بزوجها ثم أولادها وليس كما تفعل بعض النساء وتعكس ترتيب الأولويات
يقول أحد كبار علماء النفس: -
\" إن المؤسسات الزوجية الناجحة هي التي تقوم على \" نظام الأولويات \" المدروس دراسة وافية \"
وهذا يعني أنه لا ينبغي للمرأة أن تترك حبها لأولادها واهتمامها بهم يطغى على حبها واهتمامها بزوجها.
ولا شك أن أم سليم كانت بين صراعينº حزنها على ولدها، وزوجها العائد من السفر يريد أن يأكل ويستريح وينعم بأهل بيته بعد غياب، ولكنها تجلدت - رضي الله عنها - وقدّمت حق زوجها ورضاه وراحته -وفقاً لنظام الأولويات- فاستقبلته وأطعمته وطمأنته على ولده وتطيبت له وهدّأت من نفسه بعد غيابه عن البيت حتى كان منها ما يكون بين الرجل وأهله، ثم أبلغتة بالخبر بحكمة وبلاغة تفوق التصور.
لم تنس أنها أنثى
كلمة امرأة عند الرجل تعني \" الأنوثة \" والأنوثة تعني بدورها الرقة والجاذبية والدلال، إن كل امرأة تعُني بمظهرها الخارجي وتسلك سلوك الأنثى فتحرص على إبراز رقتها وإظهار جاذبيتها وتتحلى بدلالها، مثل هذه المرأة تعطي الدليل على تقديرها لأنوثتها وتبرهن على رغبتها المشروعة في أن تجذب وترضي زوجها.
إن قصة أم سليم تكشف لنا جانب نفسي عجيب، إنها فعلت ما لم تفعله ويصعب على أي امرأة أن تفعله، ألا وهو تزينها لزوجها وتعرضها له للجماع، وكان استعدادها لزوجها أكبر عندها من أن تشغله ابتداءً بوفاة ابنها، مع أنه مرخص لها أن تحزن على ولدها دون نياحة أو ندب.
قال - صلى الله عليه وسلم - عند فقد ابنه إبراهيم: \" وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون \"
إن الزوجة التي تجدد في مظهرها ليراها زوجها متعطرة متزينة من أجله بما يجذب إليها الزوج ويغض به بصره عن التطلع إلى الحرام، أقدر على إيجاد جو المحبة والسعادة في بيتها، ولأن سرور الرجل راجع إلى مظهر الزوجة واعتنائها بنفسها.
فإذا دخل الرجل البيت تلقته بابتسامتها المشرقة وثغرها المفتر وتحيتها الطيبة، وأقبلت عليه إقبال الربيع، تنضر حياته بالكلمة الطيبة، والعبارة المؤنسة، واللفتة البارعة، والدعابة الحلوة والزينة المبهجة والهيئة الأنيقة المعجبة، والبيت النظيف المرتب، والمائدة الحافلة الشهية، وكانت في جُل أحوالها فيما يرضيه، ويدخل البهجة والسرور إلى نفسه، فتكون بذلك خير متاع كما قال رسولنا الحبيب.
ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر: \" ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء: المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته \" رواة أبو داود والحاكم.
وماذا لو حدث عارض كحدوث مصيبة أو وفاة قريب؟ أنها تحزن عليه كما أمرنا الشرع وتحد عليه ثلاثة أيام، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - \" لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا \" متفق عليه.
هذا وللحديث بقية فتابعي معي حفظك الله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد