الرجل النكر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

المنكر لغة: الدهاء والفطنة

ورجل نكر ومنكر: داهٍ, فطن.

والمنكر كل ما قبَّحه الشَّرع وحرمه ونهى عنه.

إنَّ الوقوع في المنكر لا يدل أبداً على الفطنة والذكاء خلافاً للقاعدة اللغوية!! إن الذكي الحصيف هو الذي يقدر للأمور مقاديرها ويزنها بميزان الشرع، ويعرضها على الكتاب والسنة فما وافق أقدم وما خالف امتنع وأحجم.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مقولة جميلة عن أهل الكلام بين فيها أن ذكاءهم أصبح وبالاً عليهم، قال-  رحمه الله - عنهم: (....أوتوا ذكاءً وما أوتوا زكاءً، وأعطوا فهوماً وما أعطوا علوماً، وأعطوا سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء... ).

نعم، قد تكون المنكرات ذات بريق لكنه خادع، وذات لألاء كاذب، فهي تخفي في طياتها الشقوة والحيرة والنكسة والإرتكاس.

والتاريخ يخبرنا بأن المؤمن إن لم ينهَ عن المنكر قد يهلكه ذلك المنكر الذي لم ينه عنه، ولذلك قوي الوازع الديني لدى العبد علم بأن هذا المنكر جداراً سرعان ما ينقض على صاحبه.

وسوف يأتي ذلك الزمان الذي يذوب فيه قلب المؤمن كما يذوب الملح في الماء، لعدم قدرته على تغيير المنكر. (1)

 

يقول إبراهيم النخعي - يرحمه الله -:

 يا سائلي: مهلاً ففي عصرنا * * *  صقر رمى الريش لمُستَنسِر

عالمُنا جمّد إحساسي  * * *  حب الرّبا والخمر والميسر

قد واجه الله بعصيانه * * *   وأغلق السمع عن المنذر

كان بالكوفة فتىً جميل الوجه شديد التعبد والاجتهاد.. فنزل في جوار قوم من النخع، فنظر إلى جارية منهم، جميلة فهويها وهام بها عقله، ونزل بالجارية ما نزل بالفتى.. فأرسل يخطبها من أبيها، فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها.. فلما اشتد عليهما ما يقاسيانه من ألم الهوى، أرسلت إليه الجارية: قد بلغني شدة محبتك لي، وقد اشتد بلائي بك، فإن شئت زرتك، وإن شئت سهلت لك أن تأتيني إلى بيتي.. قال للرسول ولا واحدة من هاتين الخلتين {إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم}، أخاف ناراً لا يخبو سعيرها.. ولا يخمد لهيبها.. فلما أبلغها الرسول قوله قالت: وأراه مع هذا يخاف الله؟! والله ما أحد أحق بهذا من أحد وإن العباد فيه لمشتركون.. ثم انخلعت من الدنيا وألقت علائقها خلف ظهرها وجعلت تتعبد.

وإن من أعظم الآفات أخي المبارك أن يأتي المنكر من يعظ الناس بالأمر بالمعروف، قال - تعالى -: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} وقال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح: يجاء بالرجل يوم فيلقى في النار، فتندلق أقتابه(1) فيدور بها كما يدور الحمار برحاه، فتتجمع أهل النار عليه، فيقولون: يا فلان! ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن الشر وآتيه. (2)

يقول صاحب كتاب أضواء البيان - رحمه الله -: ((اعلم أن كلاً من الآمر والمأمور يجب عليه اتباع الحق المأمور به، وقد دلت السنة الصحيحة على أن من يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله أنه حمار من حمر جهنم يجر أمعاءه فيها)).

قال الله - تعالى -:{إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}. العنكبوت: آية (45).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply