عجوز على باب المقابر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أخبرني أحد أصدقائي المقربين بقصة طريفة حدثت معه، ولكنها أثّرت في نفسه تأثيرًا كبيرًا.

 

حكى يقول: \'كان يصلي معنا في المسجد القريب من المنزل رجل طاعن في السن، انحنى ظهره وضعف بصره وارتعشت يداه، ولكنه على الرغم من ذلك كان حريصًا على الصلاة في المسجد وفي جميع الصلوات.

 

تراه قبل الفجر بدقائق سائرًا في الطريق وحيدًا وسط الظلام، يجر قدميه المنهكتين بخطوات وئيدة نحو المسجد، وفي يوم من الأيام أخبرني أحد الأصدقاء أن هناك جنازة اليوم لرجل من أهل المسجد، فوقع في بالي أنه ذلك الرجل الطيب، فحزنت حزنًا شديدًا عليه، وأخذت أدعو له بظهر الغيب أن - يرحمه الله تعالى -، وعندما وصلت إلى الجنازة تأكدت من أنه هو الذي ماتº لأنني وجدت أبناءه في مقدمة الجنازة يبدو عليهم الحزن.

 

وبعد أن دفناه وعاد الجميع إلى أعمالهم وقفت على قبره فترة من الزمن أدعو له بالرحمة والمغفرة، ثم انصرفت إلى البيت، فإذا بذلك الرجل واقف على باب المقابر يتقبل العزاء في قريبه الذي دفناه منذ قليل ولم يكن هو الذي مات كما كنت أظن.

 

وعندها قلت لنفسي: لماذا كان هذا الشيخ المسن هو أول من خطر ببالي عند سماعي عن الجنازة؟! وكان الجواب: لأنه كبير السن، وهنا علمت الخدعة الكبرى التي اخترعناها ثم صدقناها، وهي أن الموت لا يأخذ إلا كبار السن\'.

 

نعم أخي الحبيب..هذه الخدعة مستقرة في نفوسنا بصورة واضحة جلية، ولا أعرف من أين لنا بها، وهي التي تجعلنا نغفل عن الموت ولا نتوقعه في مرحلة الشباب.

 

أيها الحبيب..

الموت لا يعرف صغيرًا ولا كبيرًا، وقصص الموتى من صغار السن تملأ الصحف والمجلات، وإن كنت لا تصدق فاقرأ بنفسك عن حالات الوفيات في مرحلة الشباب ولأسباب مختلفةº منها الحوادث ومنها الأمراض ومنها من ليس له سبب واضح غير إرادة الله - عز وجل -.

 

أعرف شابًا صغيرًا كان في الثانوية العامة، وكان رياضيًا ذا بنيان قوي، وفي يوم من الأيام كان يقف في شرفة بيته ويسحب حبلاً مربوطًا فيه إناء وزنه لا يتعدى الـ500 جرام، فتعلق الإناء بشجرة قريبة، فجذبه بشدة فسقط من الشرفة فمات.

 

إذن أيها الحبيب.. نحن معرضون للموت في أية لحظة، وليس الأمر مقتصرًا على كبار السن.

 

أخي الحبيب.. هل أنت ممن يحبون لقاء الله فيحب الله لقاءهم؟! أم أنت غير ذلك؟!!

 

في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \'من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه\'.

 

قالت عائشة: يا رسـول الله.. أكراهية الموت؟ كلنا يكره الموت.

 

قال: \'لا يا عائشة، ولكن المؤمن إذا بُشّر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بُشّر بسخط الله وعذابه كره لقاء الله وكره الله لقاءه\'[1].

 

جاء في التاريخ أن هارون الرشيد الخليفة العباسي المجاهد الذي تحدى الغمام والسحب أن تمطر خارج أرضه دخل عليه أبو العتاهية الزاهد فقال لهارون في قصيدة:

 

عش ما بدا لك سالمًا في *** ظل شاهقة القصور

 

فقال هارون وقد ارتاح وانبسط وهش وبش: هيه. يعني زد.

 

فقال أبو العتاهية:

 

يجري عليك بما أردت *** مع الغدوّ مع البكور

 

فقال:

 

فإذا النفوس تغرغرت *** بزفير حشرجة الصدور

 

فهـناك تعلم موقنًا *** ما كنت إلا في غرور

 

فهوى يبكي حتى أغمي عليه...

 

هكذا كان دأب الصالحين في كل زمان ومكان، على الرغم من أعمالهم الصالحة إلا أنهم كانوا يخافون الموت، وخاصة موت الفجأة الذي لا يسبقه إنذار ولا تحذير.

 

أخي الحبيب.. أنت معرض للموت في أية لحظة.

 

ربما في حادثة..

 

ربما بمرض..

 

وربما من غير سبب واضح..

 

ولكن المهم أنك ستموت..

 

فهل أنت مستعد؟!!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply