خطوة تحرر القلب ..


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 هي خطوة ابتداء الحرية الحقيقية، والسعي في سبيل العبودية الربانية الصادقة، الإخلاص لله - عز وجل - في كل أعمالك صغيرًا كان أو كبيرًا، ظاهرًا كان أو خفيًا، فما خاب من أخلص لله أبدًا، وإنما يتعثر دومًا من لم يخلص.

والإخلاص عزيز ولا يمكن أن تشوبه شائبة فيحملها، فالإخلاص لله لا يوجد إلا كاملاً نظيفًا طاهرًاº إذ إن الله - سبحانه - لا يقبل من إخلاص العمل ما شابه شائبة، إنما يقبل الله الإخلاص التام له وحده، كما جاء في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) (1).

 

ما هو الإخلاص؟

هو تجريد قصد التقرب لله - عز وجل - عن جميع الشوائب، وقيل: هو إفراد الله - عز وجل - بالقصد في الطاعات، وقيل: هو نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق(2).

* عـن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا شيء له)، فأعادها ثلاث مرات، ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا شيء له) ثم قال: (إن الله - عز وجل - لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتغى به وجهه) (3).

هي خطوة ابتداء الحرية الحقيقية، والسعي في سبيل العبودية الربانية الصادقة، الإخلاص لله - عز وجل - في كل أعمالك صغيرًا كان أو كبيرًا، ظاهرًا كان أو خفيًا، فما خاب من أخلص لله أبدًا

* وعن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما ابتغي به وجه الله)(4).

ولا يتخلص العبد من الشيطان إلا بالإخلاص لقول الله - عز وجل -: {إِلا عِبَادَكَ مِنهُمُ المُخلَصِينَ}، وروي أن أحد الصالحين كان يقول لنفسه: \"يا نفس أخلصي تتخلصي\".

 

كيف تربي نفسك على الإخلاص؟                               

أ - التفكر في عظمة الله ووقاره، فمن تفكر في عظمته - سبحانه - قاده تفكره الصائب إلى حقيقة الإخلاص له - سبحانه -، يقول ابن القيم \" فإذا صحت فكرته أوجبت له البصيرة فهي نور القلب يبصر به الوعد والوعيد والجنة والنار، وما أعد الله في هذه لأوليائه وفي هذه لأعدائه فأبصر الناس وقد خرجو من قبورهم مهطعين لدعوة الحق وقد نزلت ملائكة السموات فأحاطت بهم ووضع الكتاب وجىء بالنبيين والشهداء وقد نصب الميزان وتطايرت الصحف واجتمعت الخصوم وتعلق كل غريم بغريمه ولاح الحوض وأكوابه عن كثب وكثر العطاش وقل الوارد ونصب الجسر للعبور ولز الناس إليه وقسمت الأنوار دون ظلمته للعبور عليه والنار يحطم بعضها بعضا تحته والمتساقطون فيها أضعاف أضعاف الناجيين فينفتح في القلب في قلبه عين يرى بها ذلك فيقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخره يريه الآخره ودوامها والدنيا وسرعة انقضائها \" (مدارج السالكين)

ب - معرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلى، يقول ابن القيم \" فالبصيرة في الأسماء والصفات ألأ يتأثر إيمانك بشبهة تعارض ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله، بل يؤمن بأسمائه - سبحانه - وصفاته كما أخبر عن نفسه وأخبر عنه رسوله، وعقد هذا أن يشهد قلبك أن ربك - سبحانه - مستو على عرشه متكلما بأمره ونهيه بصيرا بحركات العالم علويه وسفليه وأشخاصه وذواته سميعا بأصواتهم، رقيبا على ضمائرهم وأسرارهم وأمر الممالك تحت تدبيره.. موصوفا بصفات الكمال منعوتا بنعوت الجلال منزها عن العيوب والنقائص والمثال فهو كما وصف نفسه في كتابه وفوق ما يصفه به خلقه، حي لا يموت، قيوم لا ينام، عليم لا يخفى عليه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض \" (مدارج السالكين)

جـ - إهمال رؤية الناس وعدم التأثر بمدحهم أو ذمهم أبدًا، فإن الاهتمام برؤية الناس في العبادة طريق سوء، كذلك كسر كل حظ للنفس في العمل فلا يعمل عملا إلا وهو لله - سبحانه - وحده لا لنفسه فيه مأرب، فهو يقطع الطمع عن الدنيا، و يجدد النية دائمًا.

إهمال رؤية الناس وعدم التأثر بمدحهم أو ذمهم أبدًا، فإن الاهتمام برؤية الناس في العبادة طريق سوء، كذلك كسر كل حظ للنفس في العمل فلا يعمل عملا إلا وهو لله - سبحانه - وحده لا لنفسه فيه مأرب

 

احذر الرياء:

أهم شروط العمل الصالح أن يكون خالصًا من الرياء متبعًا للسنة، و من خلا عمله من ذلك فسد عمله ولم يرفعه الله - سبحانه -، قال - سبحانه -: {إِلَيهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرفَعُهُ}[فاطر: 10].

والذي يقوم بعبادة ليراه الناس فهو مشرك شركًا أصغر، وعمله حابط، قال - سبحانه - في وصف المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلاً} [النساء: 142].

وكذلك إذا عمل الإنسان العمل ليشتهر به أو لينتقل خبره فيتسامع به الناس، وقد أوعد الله من فعل ذلك وعيدًا شديدًا، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من سَمَّع سمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به)(5).

ومن عمل عبادة قصد بها الله والناس فعمله كذلك حابط، كما سبق.

ومن ابتدأ العمل لله ثم طرأ عليه الرياء، فإن كرهه وجاهده ودافعه صح عمله، وإن استروح إليه وسكنت إليه نفسه فقد نص أكثر أهل العلم على بطلانه(6).

* عن أبي هند الداري أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من قام مقام رياء وسمعة راءى الله به يوم القيامة وسمَّع) (7).

* عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من سمَّع الناس بعمله سمَّع الله به مسامع خلقه، وصغره وحقره)(8).

ومعنى سمَّع - بتشديد الميم - يعني: أظهر عمله للناس رياءً، فمن فعل ذلك أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة، وفضحه على رءوس الأشهاد.

* وعن محمود بن لبيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر). قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: (الرياء، يقول الله - عز وجل - إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً)(9).

 

كيف نحذر الرياء؟

* عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: (يا أيها الناس، اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل) فقال له من شاء أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: (قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه)(10).

 

 

 

قمة الترهيب:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأُتي به، فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: فلان جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)(11).

وما من عبد له قلب حيّ يسمع بهذا الحديث إلا أورثه خوفًا ووجلا، وكان دافعًا له لترك الرياء بالكلية، وكان موجهًا له لتمام الإخلاص والصدق مع الله - سبحانه -، فصلى الله وسلم على محمد خير ناصح لأمته وخير معلم بخير علم.

 

----------

(1) رواه مسلم رقم 2985.

(2) تزكية النفوس، أحمد فريد، ص 13، التوعية الإسلامية.

(3) رواه النسائي وأبو داود وصححه الألباني (ترغيب، برقم 6).

(4) رواه الطبراني وصححه الألباني (ترغيب، برقم 7).

(5) رواه مسلم 4/2289.

(6) وانظر: محرمات استهان بها الناس، للمنجد، بتعليق الشيخ ابن باز - رحمه الله - ص18.

(7) رواه أحمد وصححه الألباني (ترغيب رقم 22).

(8) رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني (ترغيب 23).

(9) رواه أحمد وصححه الألباني (صحيح الترغيب رقم 29)، ومحمود بن لبيد - رضي الله عنه - قال البخاري: له صحبة.

(10) رواه أحد والطبراني وحسنه الألباني (صحيح الترغيب رقم 33).

(11) رواه مسلم برقم 1905، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار.  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply