أثر الذنوب على اختيار الزوج الصالح


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السؤال

 أعرف أن الله يكتب لكل منا زوجهº وأنا متأكدة من ذلكº ولكني سمعت أحد الدعاة يقول إن الإنسان إذا أخطأ سيغير الله له قدرهº وأن الفتاة إذا التزمت يزوجها الله من زوج صالحº وإن لم تفعل يحرمها منه. فهل هذا صحيح؟

 

الرد

يقول الأستاذ مسعود صبري الباحث الشرعي بكلية دار العلوم، وشبكة \"إسلام أون لاين\":

لابد أن نفهم معنى القدر أولا، قبل أن نعرف هل الخطأ يغير القدر أم لا؟

فالقدر هو ما قدره الله تعالى لعباده بعلمه، دون أن يجبرهم على فعل شيء أو إتيان فعل، أو ترك أمر، والقدر هو المكتوب عند الله، والقضاء ما نزل من القدر، ولهذا فإن الأقدار قد تتغير، شريطة أن نكون قد أتينا الأسباب، ثم حال الله تعالى بيننا وبين ما كنا نرجوه.

والقدر يأتي بمعنى القضاء والحكم، ومنه قدر الله، ويأتي القدر بمعنى التدبير، فيكون نصيب القدر من الإنسان التدبير والسعي، ويكون القدر من الله الحكم والقضاء، وعلى الإنسان أن يشغل نفسه بما عليه، لا بما له، لأن الله تعالى تكفل لما للإنسان عنده من رزق وأجل، ولهذا ، فإن فهم الحديث\" إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه\" قد لا يكون معناه الحرمان بالكلية ، بل نقول قياسا على أقوال الفقهاء : هناك حجب حرمان، وحجب نقصان، والنقصان أيضا قد لا يكون في الكم المرزوق به الإنسان، ولكنه قد يكون نزعا للبركة.

 

وهذا الفهم مستنده على أن الله تعالى جعل لكل إنسان رزقه، وهو جنين في بطنه أمه، وما أفهمه عن الله أن الله تعالى لا ينزع عن العبد شيئا كتبه له، ربما أخره وأجله، وربما نزع منه بركته بسبب الذنب، أما أن يحرم الله تعالى الإنسان من شيء مكتوب له، فلا وألف لا.

وليس العطاء مرتبطا بالدين والعقيدة، فإن الله تعالى يرزق العالمين ، مسلمهم وكافرهم، كما قال تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين}، كما أن العطاء والرزق ليس محصورا على المال، فهناك عشرات من المجالات الحياتية التي يرزق الله تعالى فيها الناس، من الوقت والصحة والولد والعلم ...إلخ

فتغير الإنسان ليس شرطا لتغيير القدر، فقد يبقى الإنسان عاصيا، ويعطيه الله تعالى ما كتب له، وربما نزع منه البركة، وربما أكثر له ليس حبا، ولكن ليزداد حسابه عنده.

 

أما عن الفتاة التي قد تكون غير ملتزمة، ثم تلتزم، فإن الله تعالى يغير لها القدر فيرزقها زوجا صالحا، وأن التي تبقى على معصيتها ترزق زوجا غير صالح، فقد يكون هذا، وقد يكون غيره، وقوله تعالى: {الخَبِيثَاتُ لِلخَبِيثِينَ وَالخَبِيثُونَ لِلخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ }( النور:26).

فهذا ما يحبه الله تعالى لعباده، وما يجب أن يكون في دنيا الناس، ولكن قد يتزوج الرجل الصالح المرأة الفاسدة، كما تزوج سيدنا نوح وسيدنا لوط امرأتين غير مؤمنتين، وقد تتزوج المرأة الصالحة رجلا غير صالح، كما تزوجت آسية فرعون، وهذا كثير مشهور في دنيا الناس.

ولكن الناس هم الذين يتخيرون لأنفسهم، فاختيار المرأة غير الصالحة رجلا صالحا، قد يكون جزءا من السعي للتوبة، وأنها حين تتزوج رجلا صالحا يعينها على طاعة الله تعالى، وكثير من الشباب الذي ينشئ علاقة غير شرعية مع فتيات، ويلهو ويعبث، لكن عند الزواج يفكر في غير التي كان له معها علاقة، لأنه يريد زوجة عفيفة غير التي كان يصاحبها.

والزواج – حسب فهمي والله أعلم – فيه شقان، شق من كسب الإنسان وسعيه واختياره، وشق من قدر الله تعالى، بمعنى أن الإنسان هو الذي يختار لنفسه، فالله تعالى لم يقل لإنسان اذهب إلى فلانة وتزوجها، فهذا اختيارنا، نسأل و نتمحص، ثم نسعى والناس هي التي تقبل وترفض، وقد يسعى الإنسان في شيء، ويصرفه الله تعالى عنه، لعلم الله أن فيه شرا له.

وبالجملة، فإن كل سعي فيه خير للإنسان، فإن الله تعالى ييسره للعبد، ويذلل له الطرق، وكل سعي للإنسان فيه شر له، فإن الله تعالى يصرفه عنه، رحمة به، وعلما من الله بضعف الإنسان ، إذ سطر ذلك في القرآن : { وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا }(النساء:28).

كما أننا يجب ألا ننسى أن الزواج هو شكل اجتماعي، له ارتباطاته الاجتماعية، وضوابطه الشرعية، فيكون من الأخذ بالأسباب النظر إلى الارتباطات الاجتماعية، من طبيعة الاختيار، والمواصفات التي يريدها الإنسان، ويرتاح لها، وهل هناك قبول وتفاهم أم لا؟، وغير ذلك مما فيه اختيار للإنسان، مع الالتزام باختيار ذات الدين والخلق، وغير ذلك من ضوابط الشرع.

 

فإذا فعل الإنسان كل ما عليه، ويسره الله تعالى له، فهذا فضل من الله ، وإن صرفه عنه، فليعلم أن الله صرف عنه شرا، فهو القائل سبحانه :( وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ) .

 

ويضيف الأستاذ رمضان بديني الباحث اللغوي بكلية دار العلوم :

أهلا بك أختي السائلة، ونشكر لك ثقتك فينا، ونسأل الله تعالى أن نكون أهلا لهذه الثقة. كما نشكر لك حرصك على الفوز بالزوج الصالح الذي يعينك على طاعة الله عز وجل، وتكونان معا أسرة صالحة طائعة لربها تأتمر بأوامره وتنتهي عن نواهيه، وهكذا يجب أن يكون حال المؤمن في كل حياته {قُل إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}.

من الثابت أختي السائلة أن كل شيء في هذا الكون إنما يجري بقدر الله عز وجل وعلمهº فقد قال عز من قائل: {إِنَّا كُلَّ شَيءٍ, خَلَقنَاهُ بِقَدَرٍ,}، وقال صلى الله عليه وسلم: \"إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة\" (رواه مسلم). والآيات القرآنية والأحاديث النبوية حول هذا المعنى كثيرة.

ولكن هناك أحاديث أخرى تدل على أن الحوادث معلقة بأسبابهاº مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: \"إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وإن البر يزيد العمر، ولا يرد القدر إلا الدعاء\".

أي أن هناك بعض الأسباب والأفعال التي يقوم بها العبدº فتكون نتيجتها تغيير بعض ما قُدر له، وهذا التغيير والتبديل لا يخرج عن علم الله سبحانه وتعالىº فبقديم علمه عز وجل علم أن هذا العبد سيفعل العمل الفلاني الذي يترتب عليه تغيير القدر الفلانيº مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: \"من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن يُنسأ (أي يمد) له في أجلهº فليصل رحمه\"º ففي هذا الحديث يقرر -صلى الله عليه وسلم- أن صلة الرحم سبب في بسط الرزق وإطالة الأجل بعد أن كان مقدرا أزلا.

وقياسا على ما سبق يمكن أن نقول: ربما تكون الذنوب والمعاصي سببا في حجب الخير عن مقترفها، كما ورد في الحديث السالف الذكر \"إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه\"، ومن هذا الرزق الذي يحرمه العبد بسبب الذنوب الزواج الصالح.

 

ولكن لي مع سؤالك وقفتان هامتان:

أولا- نريد أن نوسع من نظرتنا لأثر الذنوب والمعاصيº فبدلا من نظرتنا لأثرها على الحرمان من رزق دنيوي من مال أو زوج أو غير ذلكº ننظر لأثرها على كل حياتنا وعلى المجتمع الذي نعيش فيه، وعلى مصيرنا يوم القيامة وعلى أثرها في رضا الله تعالى عنا وغضبه علينا وهذا هو الأهم.

فأثر الذنوب على القلب كأثر السم على الجسد، وما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة، كما أن شؤم المعصية يتعدى صاحبها إلى ما حوله من مخلوقات، وكلنا يعاني الآن من أنواع البلاء والأمراض والفقر.. وعلاج هذه الأشياء هو التوبة والعودة لله عز وجل.

 

ثانيا- الأصل أن الإنسان قبل أن يأخذ قرارا في أي أمر عليه أن يأخذ بالأسباب المادية المعينة مع لجوئه لله ودعائه إياه أن يقدر له الخير حيث كان ثم يرضيه به، وهو ما سنه لنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في الاستخارةº إذن عليك أن تضعي أوصافا واضحة في الشخص الذي تريدين الارتباط به، ثم تكثرين من دعاء الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، فإذا تقدم لك من تتوافر فيه المواصفات التي تطلبينها فاستخيري الله تعالى في أمره، فإذا وجدت قبولا وراحة فتوكلي على الله ووافقي عليه.

وهكذا تسير عجلة الحياةº فبعض الناس يفهمون قدر الله عز وجل خطأº فمنهم من يقول: ما دام الأمر قد حسم في الأزل، وما دام الله تعالى قد قدر لي ما يريد فلا داعي إذن لأن أتعب نفسي وأعمل وأنتظر قدري حتى يأتي. هذا انحراف وخطأ فادحº فالأصل أن الإسلام يدفع أهله للعمل والأخذ بالأسباب مع حسن الاستعانة والتوكل على الله تعالى.

وفي النهاية نسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك، ويعينك على طاعة الله عز وجل. وتابعينا بأخبارك..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply