بسم الله الرحمن الرحيم
أخي في الله..أعطني من وقتك دقائق فقط.. ضيعنا أوقاتنا بمواضيع الضحك واللعب والنكت.. والحوارات والنقاشات.. اقرأ معي هذي القصة لو سمحت..
كنت جالسا بيني وبين نفسي.. أسرح بفكري.. وأجول بخاطري.. وتتقافز أمامي بُنيّات من الشوارد..
أتي على بالي كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي، فجلست أستذكر بعض الأحاديث التي فيه، وقد كان أبي - حفظه الله - تعالى - يأمرنا بقراءته يوميا، وقد نُقشت بعض أبوابه وأحاديثه في ذاكرتي منذ الطفولة... وبينما أنا كذلك، تذكرت (باب فضل البكاء من خشية الله وشوقا إليه) آآآآه من هذا الباب الذي دائما كدر فرحي ومزق عروق قلبي.
انتظر أخي وأختي.. لا تغلق الموضوع.. أكمل قراءة قصتي..
لاحظ معي اسم الباب مرة ثانية واقرأه (باب فضل البكاء من خشية الله وشوقا إليه) كلنا سمعنا من ناس تبكي من خشية الله - تعالى -، لكن هل سمعت أحدا يبكي من الشوق!!!
ستقول لي: إي والله سمعت، هذا الحبيب يبكي شوقا لحبيبته، وهذه تبكي شوقا لحبيبها، وهذه الأم تبكي شوقا لابنها الأسير، وذاك المسافر يبكي شوقا لبلده، ومثل ما قيل: كل يغني على ليلاه!
لكن هل سمعت أحدا يبكي شوقا إلى الله - تعالى -!!؟
تأمل معي.. كيف أنك تبكي شوقا لربك! مشتاقا إلى رحمته! مشتاقا إلى كلامه! مشتاقا لعفوه وكرمه! مشتاقا لرؤيته تبارك وتعالى!!
وتذكرت حينها قصة وفاة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -، حيث ذكر هذه القصة الشيخ بدر المشاري - حفظه الله -، حيث أن الشيخ - رحمه الله - في مرضه الذي مات فيه، قال قبل وفاته: (اشتقت للقاء ربي).
أحبتي ألم تذرف الدمع من هذا الموقف؟!
فوالله عندما تذكرت الشوق إلى الله - تعالى -.. ذرفت دمعة على خدي ومزقته من حرارتها..
بعد ذلك... قمت أطيش بذاكرتي ببعض الأحاديث التي وردت في ذلك الباب، فسأذكرها لكم، وأعلق عليها تعليقا بسيطا إن شاء الله:
عن أنس، - رضي الله عنه -، قالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خُطبَةً مَا سَمِعتُ مِثلَهَا قَطٌّ، فقالَ: « لَو تعلمُونَ ما أَعلَمُ لَضَحِكتُم قَلِيلاً وَلَبَكَيتُم كثيراً» قال: فَغَطَّى أَصحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. وُجُوهَهُم. ولهم خَنِينٌ. متفقٌ عليه.
نعم أخي في الله، لو علمنا ما أخفاه الله - تعالى -علينا ولكن أخبر لنبيه، لما ضحكنا وأكثرنا من البكاء، ولكن احمد الله - تعالى -على هذه النعمة التي من بها عليك وأنت لا تدري عنها، فهذه من رحمته بك، وشفقته عليك، لأنه أعلم بنا منا، فهو خالقنا (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)؟! فنحن خلق ضعيف هزيل لا نتحمل معرفة هذه الأمور بل ظهورها أمامنا فقد قال تعال: (وخلق الإنسان ضعيفا).
قد يتساءل أحدنا: ما الذي أخفاه علينا ربنا ولا نتحمله نحن؟!! ألهذه الدرجة لا نستطيع التحمل؟!! أقول لك: نعم، من الأشياء المخفية علينا: القدر وماذا سيحدث لنا من شر وخير وأيضا موعد موتنا!! قال - تعالى -: (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت) ولكن لو علمنا؟! لتخبطنا كثيرا!!
وكذلك أخفي علينا عذاب القبر، فلا نستطيع أن نراه أو نسمعه، من ذلك الحديث الصحيح عندما يسأل الكافر عن ربه ونبيه ودينه، فيقول: هاه هاه لا أدري، فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين أي الأنس والجن ولو سمعوها لصعقوا!!!
لو سمعنا هذه الصيحة لصعقنا من شدتها وهلعها!!!
رباه رحمتك يا أرحم الراحمين..
عن أبي هريرة، - رضي الله عنه -، قال: قالَ رسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « لاَيَلِجُ النَّارَ رَجلٌ بَكَى مِن خَشيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرع وَلا يَجتَمعُ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللَّه ودُخانُ جَهَنَّمَ » رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
الذي يبكي من خشية الله - تعالى -، لن يدخل النار، مقصودها ألا يخلد في النار، فإن كان له معاصٍ, يعذب بقدر معاصيه، ثم يدخل الجنة إن كان من أهل التوحيد، حيث أن الذي يبكي من خشية الله- تبارك وتعالى -فهذا دليل على صدق إيمانه وخوفه وخشيته من عذاب ربه - تعالى -.
(حتى يعود اللبن في الضرع) من باب تشبيه الشيء بشيء مستحيل حدوثه، وهو لتقريب المعنى وتوضيحه حتى يمكن تصوره أكثر، وهو يشبه قول الله - تعالى -في الكافرين: (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سَمّ الخياط) الجمل: هو الحبل الكبير المتين الغليظ، سم الخياط: هو ثقب الإبرة، فهل بإمكان هذا الحبل أن يدخل في ثقب الأبرة!؟ لا طبعا! فهذا من الأمر المستحيل، كذلك قوله - عليه الصلاة والسلام -: (حتى يعود اللبن في الضرع) أي لن يعود اللبن أبدا في الضرع أي الثدي -.
أما الجزء الثاني من الحديث (وَلا يَجتَمعُ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللَّه ودُخانُ جَهَنَّمَ) فيه بيان فضل المجاهد في سبيل الله - تعالى -وأنه بعيد عن دخول النار، حيث أن الجهاد فتنة عظيمة للمسلم في اختبار إيمانه، فقد قال رسول الله تعليقا على أن المجاهد لا يفتتن في قبره: (كفى ببارقة السيوف فتنة) أي كفى بالسيوف والقتال والدماء فتنة واختبار لإيمانه.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: « سَبعَةٌ يُظِلٌّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلٌّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابُّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّه - تعالى -. وَرَجُلٌ قَلبُهُ مُعَلَّق بالمَسَاجِدِ. وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه. اجتَمَعا عَلَيهِ. وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجَلٌ دَعَتهُ امرَأَةٌ ذَاتُ مَنصِبٍ, وَجَمالٍ,. فَقَالَ: إِنّي أَخافُ اللَّه. ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةَ فأَخفاها حتَّى لاَ تَعلَمَ شِمالهُ ما تُنفِقُ يَمِينهُ. ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَت عَينَاهُ» متفقٌ عليه.
رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه.. الله يا إخوة.. تخيلوا معي هذا الموقف الرائع العظيم، في غرفة لوحدك ساجد لربك في ظلمة الليل، لا تسمع إلا صوت حركاتك وسكناتك، فتذرف عينيك من خشية الله أو شوقا لله - تعالى -.
ولكن ما السر في قوله - عليه الصلاة والسلام -: (ذكر الله خاليا)؟ لماذا في الخلوة؟ لماذا لم يقل أثناء الصلاة؟ أثناء سماع موعظة؟ أثناء رؤية حادثة أو موقف؟
السر في الخلوة، أن هذا أبعد للرياء والسمعة، وأدعى وأقرب للإخلاص في بكاءك. فهذا هو السر العظيم من ذكر الخلوة.
بهذا العمل، يظلك الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وعَن عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير. - رضي الله عنه -. قال: أَتَيتُ رسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَهُو يُصلِّي ولجوفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرجَلِ مِنَ البُكَاءِ. حديث صحيح رواه أبو داود. والتِّرمذيٌّ في الشَّمائِل بإِسنادٍ, صحيحٍ,.
أواه يا رسول الله: ’) أيكون فيك كل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر!!!
حقيقة لا تعليق على هذا الحديث، ولكن فقط أشرح لكم ماهو (أزير كأزير المرجل) وسأترك لك التصور والتفكر لوحدك اخي في الله.
يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -في شرحه لرياض الصالحين: (المرجل: القدر يغلي على النار ولو صوت معروف، وأزير صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - كان من خشية الله بلا شك، فهذا بكاء من خشية الله. ) اهـ.
أختم أحبتي بهذا الحديث:
عن أَنسٍ, - رضي الله عنه -. قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، لأَبِيِّ بنِ كَعبٍ,. - رضي الله عنه -: « إِنَّ اللَّه، - عز وجل -، أَمرَني أَن أَقرَأَ علَيكَ: لَم يَكُن الَّذِينَ كَفَرُوا » قَالَ: وَسَمَّاني؟ قال: « نَعَم » فَبَكى أُبَيُّ. متفقٌ عليه. وفي رواية: فَجَعَلَ أُبَيُّ يَبكي.
أتعلم لماذا بكى أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه -؟!
لأن الله - تعالى -ذكر اسمه!!!!!
سبحان الله - تعالى -!! يا اخوة لعلنا لم نعش هذه اللذة التي عاشها أُبيّ - رضي الله عنه -!! لأننا لا نعرف قيمة أن يذكر الله - تعالى -اسمنا!!
نعم هذا الموقف أبكى أُبيّا - رضي الله عنه - يا أحبة!
لكن لا نعلم نحن الآن هل يذكر الله اسمنا عنده وبين ملائكته؟! وإذا ذكر اسمنا هل يذكر لأجل حب من الله - تعالى -؟ أم لأجل غضب وسخط من الله - تعالى - عياذا بالله -؟!
أيذكر لأجل طاعاتنا؟ أم لأجل معاصينا؟
فلنتفكر.. في ذلك أحبتي..
هنا انتهت بي رحلة السرحان مع عقلي وفكري.. وخواطري..
وقد كانت هناك خواطر كثيرة والله- حول الأحاديث، وبعض التعليقات التي شردت بي ولكني لم أذكرها للاختصار وعدم الاطالة عليكم، حيث أن أغلبنا يكره المواضيع الطويلة.
أسأل الله - تعالى -أن تكون خواطرنا.. خواطر خير وصلاح.. وطاعة لله - تعالى -..
وأسأله كذلك أن نكون استفدنا منها..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد