لا تغرنكم الحياة الدنيا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، وجعل أمتنا ولله الحمد خير أمة، وبعث فينا رسولا منا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة، أحمده على نعمه الجمة، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله للعالمين رحمة، وفرض عليه بيان ما أنزل إلينا فأوضح لنا كل الأمور المهمة، وخصه بجوامع الكلم فربما جمع أشتات الحكم والعلوم في كلمة أو شطر كلمة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه صلاة تكون لنا نورا من كل ظلمة..أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، وخشيته فهو معكم يسمع ويرى، وهو مستو على عرشه، يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون \"، \" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا لله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً \".

 

أيها المسلمون: يقول الله - تعالى -: \" يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم وَاخشَوا يَومًا لَا يَجزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَولُودٌ هُوَ جَازٍ, عَن وَالِدِهِ شَيئًا إِنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقُّ فَلَا تَغُرَّنَّكُم الحَيَاةُ الدٌّنيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الغَرُورُ \" [لقمان 33]، لقد تزينت الدنيا، واتخذت أبهى حللها، وأجمل ملابسها، حتى خطب ودها، ورام بهجتها كثير من الناس، فتسابقوا في ميدانها الفسيح، وتنافسوا لأجلها، فكم غرتهم زهرة الحياة الدنيا وزينتها وبهجتها، فنسوا حياة القبور، ويوم البعث والنشور، انساق كثير من الناس وراء مغريات الحياة الفانية، وربما غفلوا تماماً عن الآخرة، عَن أَبِي سَعِيدٍ, - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: \" إِنَّ الدٌّنيَا خَضِرَةٌ حُلوَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُستَخلِفُكُم فِيهَا، فَنَاظِرٌ كَيفَ تَعمَلُونَ، أَلَا فَاتَّقُوا الدٌّنيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ \" [أخرجه ابن ماجة]، فاحذروا الدنيا فإن متاعها زائل، وزينتها إلى خراب، وعمارها إلى دمار، ومن ركن إليها ورضيها وطناً دون الآخرة فقد خسر خسراناً مبيناً، وزاد همه وغمه، قال - تعالى -: \" إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالحَيَاةِ الدٌّنيَا وَاطمَأَنٌّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُم عَن آيَاتِنَا غَافِلُونَ \" [يونس 7]، وقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: \" مَن كَانَتِ الدٌّنيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيهِ أَمرَهُ، وَجَعَلَ فَقرَهُ بَينَ عَينَيهِ، وَلَم يَأتِهِ مِنَ الدٌّنيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَن كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلبِهِ، وَأَتَتهُ الدٌّنيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ \" [أخرجه ابن ماجة]، فالدنيا غدارة ماكرة، حقيرة فانية، زهرة بالية، خيرها إلى زوال، ومالها إلى ميراث، وتعبها إلى عناء، أما الآخرة، فخيرها دائم، ونعيمها لا ينقطع، ولذتها مستمرة، لا تزول ولا تحول، فشمورا سواعدكم إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة، فتنافسوا في ميدان الجنان، فهي محفوفة بالمكاره، لا يصلها إلا ذو همة عالية، وإياكم أن تغتروا بالدنيا، وتركنوا إليها، قال - تعالى -: \" اعلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدٌّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ فِي الأَموَالِ وَالأَولَادِ كَمَثَلِ غَيثٍ, أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغفِرَةٌ مِن اللَّهِ وَرِضوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدٌّنيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ \" [الحديد20]، وعَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: \" مَن أَحَبَّ دُنيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وَمَن أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنيَاهُ، فَآثِرُوا مَا يَبقَى عَلَى مَا يَفنَى \" [أخرجه أحمد]، قال أَبَو هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -: قُلنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: حَدِّثنَا عَنِ الجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ: \" لَبِنَةُ ذَهَبٍ, وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ,، وَمِلَاطُهَا المِسكُ الأَذفَرُ، وَحَصبَاؤُهَا اللٌّؤلُؤُ وَاليَاقُوتُ، وَتُرَابُهَا الزَّعفَرَانُ، مَن يَدخُلُهَا يَنعَمُ وَلَا يَبأَسُ، وَيَخلُدُ وَلَا يَمُوتُ، لَا تَبلَى ثِيَابُهُ، وَلَا يَفنَى شَبَابُهُ \" [أخرجه أحمد]، وقَالَ عَمرَو بنَ العَاصِ - رضي الله عنه - عندما خَطَبَ النَّاسَ بِمِصرَ: \" مَا أَبعَدَ هَديَكُم مِن هَديِ نَبِيِّكُم - صلى الله عليه وسلم -، أَمَّا هُوَ فَكَانَ أَزهَدَ النَّاسِ فِي الدٌّنيَا، وَأَمَّا أَنتُم فَأَرغَبُ النَّاسِ فِيهَا \" [أخرجه أحمد]، وقَالَ عُمَرُ بن الخطاب - رضي الله عنه -: \" لَقَد رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَظَلٌّ اليَومَ يَلتَوِي مَا يَجِدُ دَقَلًا يَملَأُ بِهِ بَطنَهُ \" [أخرجه مسلم]، أتعلمون أيها الناس ما الدقل؟ إنه الرديء من التمر، يبحث عنه قائد الأمة الإسلامية، ومنقذها من الوثنية، وهاديها إلى رب البرية، فلا يجده، واليوم مرض وربما مات بعضهم جراء التخمة وكثرة المأكولات، وتنوع المشروبات، نسوا الآخرة، فلم يعودوا يتذكروا الموت وشدته، والقبر ووحشته، والصراط وزلته، ويوم القيامة وحسرته، بل تنعموا في النعم، وتقلبوا في الخيرات، وكأنهم في حياة ولا ممات، والله - تعالى -يقول: \" إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ القِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُم تَختَصِمُونَ (31) \" [الزمر]، لما نزلت تلك الآيات، قال الزبير - رضي الله عنه -: أي رسول الله! أيكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: \" نعم ليكررن عليكم، حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه \"، قال الزبير - رضي الله عنه -: والله إن الأمر لشديد \" [أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح]، نعم يا عباد الله، كل منا سيحاسب يوم القيامة على أعماله وأقواله، وعلى النعيم الذي بين يديه، مصداقاً لقول الله - تعالى -: \" ثُمَّ لَتُسأَلُنَّ يَومَئِذٍ, عَن النَّعِيمِ \" [التكاثر 8]، ولا يغتر عامل بعمله، فلولا رحمة الله بالناس لأذاقهم العذاب من حيث لا يشعرون، جزاءً وفاقاً، عَن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \" قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، وَاعلَمُوا أَنَّهُ لَن يَنجُوَ أَحَدٌ مِنكُم بِعَمَلِهِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَلَا أَنتَ؟، قَالَ: \" وَلَا أَنَا، إِلَّا أَن يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحمَةٍ, مِنهُ وَفَضلٍ, \" [متفق عليه واللفظ لمسلم]، فاتقوا الله أيها الناس، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، فثمرتها إلى ذبول، ونورها إلى أفول.

 

أمة الإسلام: ستختصمون يوم القيامة عند ربكم عن أعمالكم في دنياكم، عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \"أول الخصمين يوم القيامة جاران \"، وفي المسند عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه قال رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاتين ينتطحان فقال \"أتدري فيم ينتطحان يا أبا ذر؟، قلت: لا، قال - صلى الله عليه وسلم -: \" لكن الله يدري، وسيحكم بينهما \"، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \"يجاء بالإمام الجائر الخائن يوم القيامة فتخاصمه الرعية فيفلحون عليه فيقال له، سد ركناً من أركان جهنم \" [أخرجه البزار]، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: \" يخاصم الصادق الكاذب، والمظلوم الظالم، والمهتدي الضال، والضعيف المستكبر \"، فاتقوا الله أيها الناس، وأدوا الحقوق إلى أهلها في دار الدنيا، فالدنيا دار عمل لا حساب فيها، والآخرة دار حساب لا عمل فيها، أخرج البخاري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \" من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه \".

 

أيها المسلمون: كم من الناس من ينام ويصحو والدنيا همه، وربما لا ينام من الليل إلا قليلاً، تفكيراً بأمر الدنيا وتحليلاً، أصبحت الدنيا شغله الشاغل، وفكره الدائم، وكأنه سيخلد فيها، والله - تعالى -يقول: \" كل من عليها فان \"، ويقول - سبحانه -: \" كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون \"، وعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \" مَن كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَملَهُ، وَأَتَتهُ الدٌّنيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَن كَانَتِ الدٌّنيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللَّهُ فَقرَهُ بَينَ عَينَيهِ، وَفَرَّقَ عَلَيهِ شَملَهُ، وَلَم يَأتِهِ مِنَ الدٌّنيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ \" [أخرجه الترمذي]، فاتقوا الله أيها الناس، وتفكروا في سرعة مرور الأيام والليالي، وتذكروا من مات من حولكم، فكفى بذلك عبرة للمعتبرين، وذكرى للذاكرين، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث الحارث بن رِبعِيٍّ, الأَنصَارِيِّ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُرَّ عَلَيهِ بِجِنَازَةٍ, فَقَالَ: \" مُستَرِيحٌ وَمُستَرَاحٌ مِنهُ \"، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا المُستَرِيحُ وَالمُستَرَاحُ مِنهُ؟ قَالَ: \" العَبدُ المُؤمِنُ يَستَرِيحُ مِن نَصَبِ الدٌّنيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحمَةِ اللَّهِ، وَالعَبدُ الفَاجِرُ يَستَرِيحُ مِنهُ العِبَادُ وَالبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابٌّ \"، وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \" الدٌّنيَا سِجنُ المُؤمِنِ، وَجَنَّةُ الكَافِرِ \"، ولقد أوصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصية خاصة لعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، ولأمته عامة فَقَالَ: \" كُن فِي الدٌّنيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَو عَابِرُ سَبِيلٍ, \"، وَكَانَ ابنُ عُمَرَ يَقُولُ: \" إِذَا أَمسَيتَ فَلَا تَنتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصبَحتَ فَلَا تَنتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِن حَيَاتِكَ لِمَوتِكَ \" [أخرجه البخاري]، وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: \" غَدوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَو رَوحَةٌ، خَيرٌ مِنَ الدٌّنيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوسِ أَحَدِكُم، أَو مَوضِعُ قَدَمٍ, مِنَ الجَنَّةِ، خَيرٌ مِنَ الدٌّنيَا وَمَا فِيهَا، وَلَو أَنَّ امرَأَةً مِن نِسَاءِ أَهلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَت إِلَى الأَرضِ، لَأَضَاءَت مَا بَينَهُمَا، وَلَمَلَأَت مَا بَينَهُمَا رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا ـ يَعنِي الخِمَارَ ـ خَيرٌ مِنَ الدٌّنيَا وَمَا فِيهَا \" [أخرجه البخاري]، فأصيكم أيها الناس ونفسي بطاعة الله - تعالى -، وتقواه وخشيته في الغيب والشهادة، فهو معكم أينما كنتم، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وحاسبوا أنفسكم في هذه الدنيا قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا.

 

معاشر المسلمين: الدنيا هينة على الله، حقير شأنها، سحيقة مكانتها، مرفوضة مبغوضة، عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بِالسٌّوقِ دَاخِلًا مِن بَعضِ العَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ ـ على جنبيه ـ فَمَرَّ بِجَديٍ, أَسَكَّ مَيِّتٍ,، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: \" أَيٌّكُم يُحِبٌّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرهَمٍ,؟ \" فَقَالُوا: مَا نُحِبٌّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيءٍ,، وَمَا نَصنَعُ بِهِ؟، قَالَ: \" أَتُحِبٌّونَ أَنَّهُ لَكُم \"، قَالُوا: وَاللَّهِ لَو كَانَ حَيًّا كَانَ عَيبًا فِيهِ لِأَنَّهُ أَسَكٌّ، فَكَيفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟، فَقَالَ: \" فَوَاللَّهِ لَلدٌّنيَا أَهوَنُ عَلَى اللَّهِ مِن هَذَا عَلَيكُم \" [أخرجه مسلم]، وعَن سَهلِ بنِ سَعدٍ, - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \" لَو كَانَتِ الدٌّنيَا تَعدِلُ عِندَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ,، مَا سَقَى كَافِرًا مِنهَا شَربَةَ مَاءٍ, \" [أخرجه الترمذي وابن ماجة]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: \" مَا مَثَلُ الدٌّنيَا فِي الآخِرَةِ، إِلَّا مَثَلُ مَا يَجعَلُ أَحَدُكُم إِصبَعَهُ فِي اليَمِّ فَليَنظُر بِمَ يَرجِعُ \" [أخرجه ابن ماجة وغيره].

 

أمة الإسلام: حب الدنيا سبب لخراب الآخرة، وسبب لقطع الصلات، وارتكاب الحرمات، قال رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: \" إِذَا فُتِحَت عَلَيكُم فَارِسُ وَالرٌّومُ، أَيٌّ قَومٍ, أَنتُم؟ \" قَالَ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ, نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَو غَيرَ ذَلِكَ، تَتَنَافَسُونَ ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ \" [أخرجه مسلم]، وأخرج مسلم من حديث عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \" تَقِيءُ الأَرضُ أَفلَاذَ كَبِدِهَا أَمثَالَ الأُسطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، فَيَجِيءُ القَاتِلُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَتَلتُ، وَيَجِيءُ القَاطِعُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَطَعتُ رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قُطِعَت يَدِي، ثُمَّ يَدَعُونَهُ ـ يتركونها ـ فَلَا يَأخُذُونَ مِنهُ شَيئًا \" [أخرجه مسلم]، وصدق - عليه الصلاة والسلام -، فكم من الأواصر قطعت، وكم من الصلات مزقت، وكم هو التناحر والتدابر، وكم هي الخصومات والتعديات، ثم حصل الكبر والغطرسة بسبب الجاه وكثرة المال، وكل من أولئك غفل عن الحساب والعقاب، قال - صلى الله عليه وسلم -: \" لَا يَزَالُ قَلبُ الكَبِيرِ شَابًّا فِي اثنَتَينِ: فِي حُبِّ الدٌّنيَا، وَطُولِ الأَمَلِ \" [متفق عليه]، قال - صلى الله عليه وسلم -: \" أَبشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرٌّكُم، فَوَاللَّهِ لَا الفَقرَ أَخشَى عَلَيكُم، وَلَكِن أَخَشَى عَلَيكُم أَن تُبسَطَ عَلَيكُمُ الدٌّنيَا كَمَا بُسِطَت عَلَى مَن كَانَ قَبلَكُم، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهلِكَكُم كَمَا أَهلَكَتهُم \" [متفق عليه]، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل الذنوب والخطيئات، فاستغفروا الرحيم الرحمن، وتوبوا إليه إنه كان للأوابين غفوراً.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلوات الله وسلامه عليه وعلى الأنبياء إخوانه.. أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون فالتقوى هي المنجية من نار تلظى، والطريق إلى جنة المأوى.

 

أمة الإسلام: يقول الله - جل وعلا -: \" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون \"، هذا تصريح بأن العباد خلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له، والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة، فالدنيا دار نفادٍ, لا محل إخلادٍ,، ومركب عبور لا منزل حبور، ومشروع انفصام لا موطن دوام، فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد، وأعقل الناس فيها هم الزهاد، قال الله - تعالى -: \" إنما مثل الحياة الدنيا كماءٍ, أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون \"، ولقد أحسن القائل حينما قال :

إن لله عبادًا فُطـــنا ** طلقوا الدنيا وخافوا الفتنـا

نظروا فيها فلما علموا ** أنها ليست لحي وطنـــا

جعلوها لُجة واتخـذوا ** صالح الأعمال فيها سفنـا

عن أنس - رضي الله عنه -، عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: \" يَتبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ: أَهلُهُ وَمالُهُ وَعَمَلُهُ: فَيَرجِعُ اثنَانِ. وَيَبقَى وَاحدٌ: يَرجِعُ أَهلُهُ وَمَالُهُ وَيَبقَى عَمَلُهُ \" [متفقٌ عليه]، واعلموا أيها الناس أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خرج من الدنيا ولم يشبع مِن خُبزِ الشَّعِيرِ [أخرجه البخاري]، وتُوُفِّيَ رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ودِرعُهُ مرهُونَةٌ عِند يهودِيٍّ, في ثَلاثِينَ صاعاً من شَعِيرٍ, \" [متفقٌ عليه]، فازهدوا في الدنيا، واعملوا لدار الآخرة، فهناك القرار، ودار الأبرار، فطوبى ثم طوبى لمن كان من أهلها، وويل ثم ويل لمن كانت جهنم قراره، وسكنه واستقراره، ثم صلوا وسلموا على نبي الرحمة والهدى، فقد قال ربكم- تبارك وتعالى -: \" إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً \"، اللهم

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply