بسم الله الرحمن الرحيم
ذهبت إلى المسجد لأؤدي صلاة الجمعة، وبعد الصلاة رجعت إلى منزلي، وحدثت المفاجأة التي كانت بانتظاري، حيث فتشت عن مفتاح البيت دون جدوى، بحثت عنه مراراً وتكراراً فلم أجده وكأن يداً خفية اختلسته، أو أن الأرض انشقت وابتلعته!
وهنا وجدت نفسي في الشارع، وشعرت بالحيرة، هل أمكث عند الجيران، أم أظل مكاني أمام البيت، أم أعود لتوّي من حيث أتيت بحثاً عن المفتاح وقد سدت الأبواب في وجهي؟ أحسست حينها بالنعمة التي غالباً لا نشعر بها إلا إذا فقدناها، وتساءلت في نفسي:أيمكن أن تكون هذه القطعة المعدنية التي تشكلت على هيئة مفتاح سبباً في فتح الأبواب المغلقة، وهل هي من الأهمية ببال حيث يتسبب فقدها في كسر تلك الأبواب أو طول انتظار حتى يأتي فرج الله ويمنّ باسترداد الضالة والحصول عليها بعد ضياع؟ وهنا كان لا بد من وقفة. فإذا غاب عني ذلك المفتاح وعجزت عن إدراك مكانه أو تحديده دون بحث وتنقيب، فكيف بمن يدّعي معرفة علم الغيب ويتألّه بذلك على الناس ويخرج على البسطاء والجهال منهم بأقوال كاذبة وخزعبلات شركية مضلة!
مفاتيح الغيب:
قال - تعالى -: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} [الأنعام: 59]. وفي هذا يقول لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} [لقمان: 34].
تذكر ذلك وإذا ما أمسكت يدك بمفتاح البيت فحافظ عليه، واعلم أن ثمة مفاتيح أخرى كثيرة في متناول أيدينا أنعم الله بها علينا احرص على أن تملكها، وتمسك بها، وعلى رأسها ذلك المفتاح العظيم \"لا إله إلا الله محمد رسول الله\"، إنه مفتاح الجنة الحقيقي الذي من فقده ضل وتاه في صحراء الحياة وكان في الآخرة من الخاسرين، وأغلق دونه باب الجنة.
مفتاح الفضائل: الحياء
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الحياء لا يأتي إلا بخير) [البخاري]، وقال: (استحيوا من الله حق الحياء). قالوا: إنا نستحيي يا رسول الله والحمد لله، قال: (ليس ذلكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء). [الترمذي].
مفتاح الخير: الدعاء
إذا ما أوصدت دونك الأبواب، فافتحها بمفتاح الدعاء واللجوء إلى الفتاح - سبحانه وتعالى - الذي لا يخيب من رجاه أو طرق بابه، واحرص على تخير الأوقات التي يسهل فيها فتح تلك الأبواب.
مفتاح القلوب: طيب الكلام
أما إذا استغلقت عليك قلوب العباد فافتحها بطيب الكلام \"الكلمة الطيبة صدقة\"، وببسمة حانية (وتبسمك في وجه أخيك صدقة)، وبإفشاء السلام: (أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) [مسلم]، وبالهدية (تهادوا تحابوا). [مالك]، (تهادوا فإن الهدية تذهب َوحرَ الصدر) [الترمذي وأحمد].
مفتاح الرضا: بر الوالدين
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقد أسخط الله) [البخاري].
مفتاح الغنى: القناعة
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ليس الغنى عن كثرة العرض..إنما الغنى غنى النفس) رواه البخاري ومسلم، ويقول: (عليك باليأس مما في أيدي الناس فإنه الغنى، وإياك والطمع فإنه الفقر الحاضر) [الحاكم].
مفتاح الزيادة: الشكر
قال - تعالى -: {لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 7]، وجاء في الأثر: يقول الله - عز وجل -: (أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي... )، والشكر كما بينه ابن القيم - رحمه الله - هو ظهور نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافاً، وعلى قلبه شهودا ومحبة، وعلى جوارحه انقياداً وطاعة.
هذه بعض المفاتيح التي يذكرنا بها مفتاح البيت، وما زال في سلسلة المفاتيح الكثير، ومن مفاتيح الخير اكتنز واجمع، ومن الأشياء يعرف ضدها فاحذر مفاتيح الشر واكسرها وكن لهجرها من الداعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد