ساعة تفكر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال - تعالى-: (( إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ, لِأُولِي الأَلبَابِ * الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ))، وقال - جل جلاله -: ((اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوتِهَا وَالَّتِي لَم تَمُت فِي مَنَامِهَا فَيُمسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيهَا المَوتَ وَيُرسِلُ الأُخرَى إِلَى أَجَلٍ, مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ, لِقَومٍ, يَتَفَكَّرُونَ )) أثنى الله - عز وجل - في هذه الآيات على عباده أصحاب العقول النيّرة، والضمائر الحيّة الذين يرون الأحداث والمتغيرات بقلوبهم، صفت أذهانهم، وارتقت أحاسيسهم، فلهم مع آيات الله الكونية والشرعية شأنٌ وأي شأن (( وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِم لَم يَخِرٌّوا عَلَيهَا صُمّاً وَعُميَاناً )).

ســـــــل الواحة الخضراء والماء جارياً              وهذه الصحاري والجبـــــال الرواسيَ

سل الروض مزداناً سل الزهر والندى  سل الليل والإصبــــــاح والطير شادياً

وسل هذه الأنسام والأرض والسمــا              وسل كل شيءٍ, تسمع الحمد سارياً

فلو جم هذا الليــــــــل وامتد سرمداً              فمن غيــــــــر ربي يرجع الصبح ثانياً

قال أبو سليمان الداراني: \"إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله عليّ فيه نعمة، ولي فيه عبرة\". إذا المرء كانت له فكرة                        ففي كل شيء له عبرة

أما أولئك الذين في غيّهم عازمون، وبالمعاصي مجاهرونº فتمرّ عليهم الآيات والنّذر وهم عنها غافلون (( لَهُم قُلُوبٌ لَا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُنٌ لَا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم آذَانٌ لَا يَسمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلٌّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ )) فالتفكر في آلاء الله نعمة وفضل من الله يؤتيه من يشاء، ويصرفه عن من يشاء (( سَأَصرِفُ عَن آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ )).

إن التفكر عبادة عظيمة قد غفل عنها الكثير، وربما استهانوا بها، فالبعض يظن أن العبادة محصورة في أعمال الجوارح، وجهِل أو تجاهل أنّ للقلب كذلك أعمال يُتعبّد بها، وقد يكون عمل قلبيّ أفضل من بعض أعمال الجوارحº قال أبو الدرداء - رضى الله عنه -: \"تفكر ساعة خير من قيام ليلة\"، وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: \"ركعتان مقتصدتان في تفكير خير من قيام ليلة والقلب ساه\"، وقال عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله تعالى -: \"الكلام بذكر الله - عز وجل - حسن، والفكرة في نعم الله أفضل العبادة\"، وقال لقمان الحكيم: \"إنّ طول الوحدة ألهم للفكرة، وطول الفكرة دليل على طرق باب الجنة\"، وقال وهب بن المنبه: \"ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم، ولا فهم امرؤ قط إلا علم، ولا علم امرؤ قط إلا عمل\"، فهلا أعملنا هذا الفكر أيها الأحبة وأطلقنا له العنان يهيم في ملكوت اللهº لعلّه يرجع بثمار المعرفة فيتجدد بها الإيمان، ويُنال رضا الديّان.

تأمل في الوجــــود بعين فكر                        ترى الدنيـا الدنيئة كالخيال

ومن فيها جميعاً سوف يفنى                       ويبقى وجه ربك ذو الجلال

قال مغيث الأسود: \"زوروا القبور كل يوم تفكركم، وشاهدوا الموقف بقلوبكم، وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنة أو النار، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النار ومقامها وأطباقها\"، وكان ابن عمر - رضي الله عنه - إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها، فينادي بصوت حزين فيقول: أين أهلك؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول: (( كُلٌّ شَيءٍ, هَالِكٌ إِلَّا وَجهَهُ ))، وكان هشام الدستوائي لا يطفئ السراج إلى الصبح، وقال: \"إذا رأيت الظلمة ذكرت ظلمة القبر\"، وكان بعض السلف إذا شرب الماء البارد في الصيف بكى، وتذكر أمنية أهل النار حينما يشتهون الماء فيحال بينهم وبينه، ويقولون لأهل الجنة: ((أَفِيضُوا عَلَينَا مِنَ المَاءِ أَو مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ))، وصُبَّ على رأس بعض الصالحين ماءٌ فوجده شديد الحر ثم بكى وقال: ذكرت قوله - تعالى-: (( يُصَبٌّ مِن فَوقِ رُؤُوسِهِمُ الحَمِيمُ ))، وبينما كان أحد الصالحين يمشي ذات يوم من الأيام وجد رجلاً يشوي لحماً فبكى، فقال له الشّواء: ما يبكيك؟ هل أنت محتاج إلى اللحم؟! قال: لا!! فقال له الشّواء: فما يبكيك؟ فقال الرجل الصالح: \"إنما أبكي على ابن آدم يدخل الحيوان النار ميتاً، وابن آدم يدخلها حياً\"، وهذا طفل في عهد السلف رأى أهله يوقدون ناراً للطعام فلما نظر إليها جعل يبكي، فقالوا له: لم تبكي؟ قال: \"وجدتكم تبدؤون بصغار الحطب قبل كباره\" ( يخشى يوم القيامة أن يبدأ الله به وأقرانه الصغار في نار جهنم ) فهذا مستوى تفكير طفل في ذلك العصر فما عساه أن يكون تفكير أطفالناº فضلاً عن تفكير شبابنا وشيبنا.

تفكر في مشيبك والمــــــــــآب                    ودفنك بعد عزك في التــراب

إذا وافيــــــــــــــت قبراً أنت فيه                      تقيم به إلى يوم الحســــاب

وفي أوصال جسمك حين تبقى                   مقطعةً ممزقة الإهــــــــــاب

فلولا القبر صـــــــار عليك ستراً                     لأنتنتِ الأبـــــــــاطح والرَّواب

خُلقت مـــــن التراب فصرت حياً                    وعلمت الفصيح من الخطاب

فطلّق هذه الدنيــــــــــــــا ثلاثاً                     وبادر قبل موتك بالمتــــــاب

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply