إيمانك زادك الحقيقي .. كيف تحافظ عليه وتستزيد منه ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أرأيتم طائرة تطير في السماء، وتحلّق في الأجواء من غير وقود يدفعها ويطلق محركاتها، بل أرأيتم إنساناً يغدو ويروح ويجيء ويذهب من غير أن يكون له ما يقيم أوده ويشد صلبه من طعام وشراب.. هذا في عالم الماديات والمحسوسات، وكذلك في عالم الأرواح والمعنويات لابد للمرء من زاد ينقي قلبه ويسمو بروحه إلى الملأ الأعلى، وهذا الزاد هو الزاد الحقيقي للمرء في هذه الدنيا الفانية الذي لابد أن يحرص عليه حرصه كله، فيبكي عليه لو فاته، ويغتم ويهتم لو نقص عنده، ويتألم قلبه لو فترت همته عن التزود به، تألماً أكثر من ذاك التألم الذي يصيب أحدنا لو نقص ماله، أو ذهبت وظيفته، أو قلّ الطعام والشراب عنده...

 

فقوت القلوب أرواح المعاني *** وليس بأن طعمتا وأن شربتا

 

نعم.. لابد للروح من إيمان يرقيها ويسمو بها، ولابد للقلب من تقوى تنوره وتنقيه، ولابد للجوارح من طاعات تطهرها وتزكيها، والدعاة إلى الله - عز وجل - هم أكثر من يحتاج إلى هذا الزاد الإيماني والتنوير القلبي، لأن مهمتهم عظيمة وغايتهم جليلة، فهم يريدون أن ينقوا قلوب البشرية مما علق بها من أوضار وماديات ليصلوا بها إلى رب الأرض والسموات، وكيف يريد أن يحلق بأرواح الناس من لم تحلق به روحه؟! وكيف يريد أن يفك قيود الناس من لم يفك قيد نفسه؟!

 

إن الدعاة إلى الله - عز وجل - هم أحوج إلى أن يكونوا مثل ما قال القائل:

 

إذا سكن الغدير على صفاء *** وجُنِّب أن يحركه النسيم

 

بدت فيه السماء بلا امتراء *** كذاك الشمس تبدو والنجوم

 

كذاك وجوه أرباب التجلي *** يُرى في صفوها الله العظيم

 

النظر إليهم يقطع غفلة الغافلين، ويذكر برب العالمين، لما يُرى عليهم من النور والإشراق والأنس والطمأنينة، والمحبة والسكينة في سمتهم وهيئتهم وخشوعهم، وفي نطقهم وصمتهم وإطراقهم، وحركتهم وسكونهم وكل شؤونهم، قد ملأ الإيمان واليقين قلوبهم فانعكس ذلك على جوارحهم وأبدانهم.

 

أيها الأحبة..

كيف نصل إلى مثل هذا الإيمان؟ وكيف نجدده في قلوبنا، ونملأ به أفئدتنا وأرواحنا؟ وكيف نحرك به جوارحنا وأركاننا؟ بل كيف نحافظ على شجرة الإيمان في قلوبنا دون أن تذبل وتتساقط أوراقها؟

 

إن الطريق إلى هذا المقام ليس باليسير، بل هو يحتاج إلى مجاهدة للنفس شاقة {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}، وأمامي هنا سبع طرق أحسب أنها من آكد الطرق في المحافظة على شجرة الإيمان راسخة قوية في القلوب مثمرة الأغصان، مخضرة الأوراق... أسأل الله - عز وجل - لي ولكم هذا الإيمان والمحافظة عليه حتى نلقاه ونحن على العهد والميثاق.

 

1- اليقظة الدائمة والتوبة المستمرة:

أوجب الله - تعالى -واجبات وحرَّم محرمات، والواجب على المؤمن حيال هذه الواجبات والمحرمات أن يجاهد نفسه في الإتيان بالواجبات، واجتناب المحرمات والطرق الموصلة إليها على أكمل وجه، وهنا يحتاج المؤمن إلى يقظة دائمة تجعله يتنبه لنفسه فيسارع بالتوبة والاستغفار إن قصر في أداء واجب، أو زلت به قدمه فارتكب محرم.

 

وإن من أعظم الواجبات التي تحتاج منا أن ننظر في حالنا معها: الصلاة.. هل نصليها في وقتها؟ وفي المسجد مع الجماعة؟ وهل نحرص على الصف الأول؟ أم أننا مع طول الزمن قد أصبحنا من أهل الصفوف المتأخرة، بل أصبحنا ممن ينام عن الصلاة ويصليها في بيته متأخراً بها عن وقتها؟ وواجب آخر نحتاج إلى مراجعة أنفسنا فيه وهو بر الوالدين، والقيام بحقوقهما وشؤونهما، وواجب ثالث ورابع وخامس، في سلسلة من الواجبات التي تحتاج منا إلى يقظة تجاه قيامنا بها وأدائنا لها.

 

أما الجانب الآخر.. وهو جانب توقي الوقوع في الحرام، فقد استسهل بعض الصالحين في هذا الزمان الوقوع في بعض المحرمات كالنظر إلى الصور التي لا تحل له مثلاً، فتجده ينظر إلى الصورة في الجريدة أو المجلة أو في الانترنت أو في الدش في تبلد للمشاعر والأحاسيس وكأنه لم يعِ قوله - تعالى -: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون}، وأمر آخر قد رقَّ فيه شأن بعض الناس وهو أكل المال الحرام فهو يجمع ويجمع في المال دون النظر أمن حلال جمعه أم من حرام؟ وأمر ثالث استسهله بل نسي حرمته كثير من الصالحين وهو أمر الوقوع في الأعراض والحديث في الناس.

 

ما أحوجنا - وهذا حال كثير منا- إلى نظرات في أنفسنا وذواتنا ومراجعات صادقة لها ملؤها الرجاء والخوف... رجاء الثواب من الله - عز وجل - على واجبات التزمنا القيام بها، والخوف من العقاب على ذنوب ومحرمات ارتكبناها، ونحن في غفلة عن إلهنا العظيم - عز وجل -.

 

إن من أخطر ما يواجه الدعاة والعاملين للإسلام أن يقعوا في الذنوب والمعاصي دون وعي لها، أو في استصغار لها ينسيهم إياها، ثم ينطلقوا في ميادين الدعوة يريدون خدمة هذا الدين والعمل في سبيله، فلا يجدون توفيقاً في جهودهم وأعمالهم لأنهم قد استصغروا الذنب في جنب الرب العظيم - عز وجل - فما شعروا به، وما قدروا الله حق قدره، فمحق الله البركة من أعمالهم، وما أخطر ذاك الحديث الذي رواه ابن ماجة - رحمه الله تعالى -بسند جيد من حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله - عز وجل - هباء منثوراً)، قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: (أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل ما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها).

 

إذاً.. الحاجة ماسة إلى توبة صادقة واستغفار متكرر كل يوم وكل حين من ذنوب وخطايا نسيناها وأحصاها الله - عز وجل -.. الحاجة ماسة إلى افتقار إلى الله - عز وجل - دائم يجعل المرء لا ينطلق في أي ميدان من الميادين إلا بعد استلهام البركة والتوفيق من الله - عز وجل -، ومد يد طلب العون منه، فلا توفيق إلا توفيقه ولا إعانة إلا إعانته.

 

2- الإكثار من القرب والنوافل والبعد عن المكروهات:

 

يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -: \" الدنيا مضمار سباق، وقد انعقد الغبار وخفي السابق، والناس في المضمار بين فارس وراجل وأصحاب حمر معقرة.

 

سوف ترى إذا انجلى الغبار *** أفرس تحتك أو حمار \"

 

نعم.. إن الدعاة إلى الله - عز وجل - هم من أشد الناس حاجة في أن يركبوا الجياد المضمرة في انطلاقتهم إلى الله - عز وجل -، رافعين شعار {وعجلت إليك ربي لترضى}، لا يرضون الدون من أحوال الناس، همهم إرضاء الله - عز وجل - وبلوغ جناته.

 

وإن من أعظم النوافل التي على الداعية أن لا يغفل عنها هي تلك النوافل التي ينساها كثير من الناس من قيام لليل، أو رباط بين صلاتين، أو جلسة إلى إشراق، تشف بها الأرواح وتصفو النفوس، أو تلك النوافل ذات النفع المتعدي من كفالة ليتيم، أو مساعدة لأرملة، أو عطاء لمسكين أو فقير، أو إعانة لعاجز أو كبير، أو...، أو...، ولا أريد أن أحجر واسعاً فميدان القُرَب والنوافل ميدان عظيم مفتوح المصراعين، ولكن أين من يسابق، ويسارع ويتقن فن الاحتساب.. ذاكم الفن الذي يحول العاديات إلى قرب ونوافل وطاعات؟!

 

ثم إن علينا ألا نغفل جانباً آخر مهماً في تحقيق التقوى وزيادة الإيمان في القلب، وهو البعد عن المكروهات امتثالاً، فمن أراد أن يرقيَ نفسه ويصفيَ روحه حقاً فإن عليه أن تكون عنده حساسية من المكروهات والوقوع فيها فهي بداية طريق الحرام، وفي الإتيان بها استسهال لا يرتضيه الدعاة الصادقون في سيرهم إلى الله - عز وجل -.

 

3- الإكثار من ذكر الله - عز وجل -، وتلاوة كتابه، والتضرع إليه ومناجاته:

وهذا وإن كان داخلاً في السابق إلا أنني أفردته بالذكر لأهميته، فالسائر إلى الله - عز وجل - لابد له من أوقات يذكر فيها ربه - عز وجل - تكون بمثابة الورد اليومي له، حتى يكرمه الله - عز وجل - بوارد من عنده يملأ قلبه بالفيوضات والأنوار، وكما يقول الإمام ابن عطاء الله السكندري - رحمه الله تعالى -: \" لا يحتقر الورد إلا جهول.. الوارد يوجد في الدار الآخرة، والورد ينطوي بانطواء هذه الدار، وأولى ما يُعتنى به ما لا يخلف وجوده.. الورد هو طالبه منك، والوارد أنت تطلبه منه، وأين ما هو طالبه منك مما هو مطلبك منه؟ ورود الإمداد بحسب الاستعداد، وشروق الأنوار على حسب صفاء الأسرار \".

 

ومن أعظم الذكر لله - عز وجل -: تلاوة كتابه الكريم.. هذا الكتاب الذي نسيناه كثيراً، هذا الكتاب الذي حرص على تلاوته السلف الصالح عليهم رحمة الله فأحيوا ليلهم وأظمأوا نهارهم وهم يتلونه ويتأملون في آياته، فها هو ذا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يقول: (لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم)، وهذا عارف منهم يقول لمريد عنده: أتحفظ القرآن؟ قال: لا، فقال: واغوثاه بالله!! مريد لا يحفظ القرآن.. فبِمَ يتنعم؟! فبِمَ يترنم؟! فبِمَ يناجي ربه - عز وجل -؟! وثالث منهم كان يكثر تلاوة القرآن، ثم اشتغل عنه بغيره، فرأى في المنام قائلاً يقول له:

إن كنت تزعم حبي *** فلِمَ جفـوت كتابي؟

 

أما تأملت ما فيـ *** ـه من لطيف عتابي؟

 

ومن ذكر الله - عز وجل - الذي على الإنسان ألا يغفل عنه.. مناجاة الله - عز وجل -، والتضرع بين يديه خاصة في أوقات السحر، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله- تبارك وتعالى -إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فيُعطى؟ هل من داع فيُستجاب له؟ هل من مستغفر فيُغفر له؟ حتى ينفجر الفجر) رواه مسلم...

 

  فقد روى الثقات عن خير الملا *** بأنه - عز وجل - وعلا

 

  في ثلث الليل الأخير ينزلُ *** يقول: هل من تائب فيُقبِـلُ؟

 

  هل من مسيءٍ, طالبٍ, للمغفرة *** يجد كريماً قابلاً للمعذرة

 

يمن بالخيرات والفضائل *** ويستر العيب ويعطي السائل

 

عندنا حوائج كثيرة، ولنا مطالب جمة، فبمن نستعين في بلوغ آمالنا؟ ومن نطلب لقضاء حاجاتنا؟ أنستعين بالبشر الضعاف أم ننزل هذه الحاجات برب الأرض والسموات، الذي لا يخيب من أمله ورجاه؟

 

أيها الأحبة.. إنها ساعات تذلل وتضرع وانكسار، ومناجاة وصدق بين يدي المولى العظيم والرب الكريم - عز وجل - يُظهر فيها المرء فقره وعبوديته أمام سيده الكريم الغني، فيخرج منها بتوفيق وبركة وسداد تنير له طريق دعوته، وتفتح له آفاق المستقبل، ودروب الخير والبركة.

 

4- حب الصالحين، وعدم التفريط في مجالسهم:

قال الله - عز وجل -: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا}، إخوانك الدعاة.. لا تتركهم، وشدَّ يديك بهم، واصبر نفسك معهم، ولا تفرط في مجالسهم الخَيِّرَة من أجل دنيا رخيصة، أو متاع زائل.

 

ما أسوأ تلك اللحظات التي يتنكر فيها الداعية لإخوانه الدعاة من أجل دنيا أو شهوة أو غضب فيتركهم وينصرف عنهم ناسياً أياديهم البيضاء عليه، فقد انتشلوه من طرق الغواية ودلوه على طريق الهداية وزيادة الإيمان بالله - عز وجل -، وقد كانوا إذا فتر عن طريق الإيمان ذكروه، وإذا تعثر في طريق الدعوة شدوا من عزمه وثبتوه، وإذا احتاج إلى المال ساعدوه، وإذا كان عنده أمر يهمه ويقلقه خففوا عنه.. والآن بعد أن ترك طريقهم.. من له؟ بل بعد أن ترك طريق الدعوة فأي طريق قد اختار وسلك؟ إنه إن لم تدركه رحمة الله - عز وجل -.. فسبيل الغواية سلك، وطريق الهلاك اختار.

 

ولكن من هم هؤلاء الصالحون والعبَّاد الصادقون الذين أمر الله - تعالى -بعدم التفريط فيهم وفي مجالسهم: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}؟! إنهم أولئك الأقوام الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، حين سئل: أي جلسائنا خير؟ فقال: \" من ذكركم بالله رؤيته، وزاد في علمكم منطقه، وذكركم بالآخرة عمله \"، ولا أظنٌّ إلا أن هؤلاء هم الدعاة الصادقون الذين يدلون على الله - عز وجل - بأعمالهم قبل أقوالهم، فهؤلاء هم الذين يحرص المرء على مجالستهم، كما قال الإمام ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -: \" قد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته وهديه، لا لاقتباس علمه، وذلك أن ثمرة علمه هديه وسمته \"، وكما قال بعض العارفين: \" قد صلينا كثيراً، وصمنا كثيراً، واعتزلنا كثيراً، وذكرنا الله كثيراً، وقرأنا القرآن كثيراً.. والله ما عرفنا قلوبنا، ولا ذقنا حلاوة المعاني، حتى صحبنا الرجال من أهل المعاني، فأخرَجَنا الله من التعب إلى الراحة، ومن التخليط إلى الصفا، ومن الإنكار إلى المعرفة \".

 

 

6- ممارسة الدعوة إلى الله - عز وجل -:

ميدان الدعوة إلى الله - عز وجل - ميدان رحب لزيادة الإيمان وبلوغ المراتب عند الله - عز وجل -، بل إنه من أعظم ما يدعو الإنسان إلى الثبات على هذا الدين وعدم التفريط فيه، فمَن أكثر من تحديث الناس عن عظمة هذا الدين، وعن محاسنه، ودَلَّهم على سبل الإيمان والتوجه إلى الله - عز وجل -، فمن أين سيتطرق إليه الشك أو الضعف؟! خاصة إن كان متمثلاً لما يقول ملتزماً به، وهذا الظن في الدعاة الصادقين، ومَن أكثر من العمل لهذا الدين والفناء في خدمته وخدمة قضاياه، من أين سيتطرق إليه الوهن والسقوط؟!

 

وميدان الدعوة هذا الذي أتحدث عنه ميدان واسع فسيح الجنبات لمن أراد سلوكه وبلوغ المراتب فيه، وهو باختصار أن تنظر في أي عمل أو تخصص صَغُر أم كَبُر تحسنه وتتقنه، فتبذله بصدق وتوظفه في سبيل خدمة هذا الدين وخدمة قضاياه وتدوم على ذلك، فتجد له أثراً وحلاوة في قلبك، وإن من أسوأ أحوال الدعاة أن يقف أحدهم متفرجاً مكتوف اليدين ينتظر من إخوانه من يقول له: اعمل كذا أو افعل كذا، ونسي مثل هذا أن التكليف رباني وليس إنساني، ولو بحث هذا الداعية في نفسه عما يحسن ويتقن فخدم به هذا الدين وخدم قضاياه لكان بذلك قد سدَّ للإسلام بعضاً من الثغور وكسب بذلك من الأجور حسب صدقه وإخلاصه ما الله به عليم، بدل أن يقف متفرجاً.

 

7- التفكر في الآخرة، وكثرة ذكر الموت والبلى:

إن من أعظم الأمور التي تزيد في إيمان الإنسان: تذكره لتلك اللحظات الأخيرة من حياته حين يفارق الأهل والأحباب، ولا يبقى معه إلا عمله الذي سيراه بأحسن صورة أو بأقبحها حسب ما قدم لنفسه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - حاثاً على تذكر مثل هذا الأمر: (زر القبور تذكر بها الآخرة، واغسل الموتى فإن معالجة جسدٍ, خاوٍ, موعظة بليغة، وصلي على الجنائز لعل ذلك يحزنك، فإن الحزين في ظل الله يوم القيامة) رواه الحاكم في المستدرك، وقال هذا حديث صحيح الإسناد.

 

قال التابعي الجليل محمد بن كعب - رحمه الله تعالى -: \" لما استخلف عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى -بعث إلي وأنا بالمدينة، فقدمت عليه، فلما دخلت جعلت أنظر إليه نظراً لا أصرف بصري عنه متعجباً، فقال: يا ابن كعب، إنك لتنظر إلي نظراً ما كنتَ تنظره! قلت: متعجباً.. قال: ما أعجبك؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أعجبني ما حَالَ من لونك، ونَحَل من جسمك، ونَفَى من شعرك.. فقال: كيف لو رأيتنيَ بعد ثلاثة، وقد دليت في حفرتي، وسالت حدقتي على وجنتي، وسال منخري صديداً ودوداً \".

 

فهذا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى -تَذَكَّر الآخرة والقبر حتى أثَّر ذلك على جسده، ومعروف من هو عمر بن عبد العزيز في همته التواقة ونفسه المتوثبة للطاعات والقرب، وقيامه لليل وإحيائه له بالدعاء والتضرع، ثم قيامه في النهار بأعباء الخلافة ومهامها.

 

أما والله لو عرف الأنام *** لما خلقوا لما غفلوا وناموا

 

لقد خلقوا لما لو أبصرته *** عيون قلوبهم ساحوا وهاموا

 

مماتٌ ثم قبر ثم حشر *** وتوبيخ وأهوال عظام

 

ليوم الحشر قد خلقت رجال *** فصلوا من مخافته وصاموا

 

ونحن إذا أُمرنا أو نُهينا *** كأهل الكهف أيقاظٌ نيام

 

7- اتهام النفس وعدم الرضى عنها:

وأولاً وآخراً.. فإن من أراد الترقي حقاً في طريق العبودية إلى الله - عز وجل -، وترك الذنوب والمعاصي فإنه لابد وأن يتهم نفسه دائماً ولا يرضى عنها ففي الرضى عن النفس، وقوف عن السير بها.

 

وعين الرضى عن كل عيب كليلة *** وعين السخط تبدي المساويا

 

فالمؤمن دائم السؤال لنفسه، ماذا أردت بقولي هذا؟ ماذا أردت بفعلتي هذه؟ ماذا أردت بقومتي؟ ماذا أردت بأكلتي؟ والمنافق يمضي قدماً لا يلوي على شيء.

 

وهذا أصل محاسبة النفس ودوام التنبه لها من عدم السقوط، وكما يقول الإمام ابن عطاء السكندري - رحمه الله تعالى -: \" أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضى عن النفس، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضى منك عنها، ولأن تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه، خير لك من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه، فأيُ علم لعالم يرضى عن نفسه، وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه؟ \".

 

هذه سبعة طرق في المحافظة على الإيمان والدوام على التزود منه، وليست هي كل الطرق بل بعضها..أسأل الله - عز وجل - أن يرزقنا الثبات على الإيمان والتزود منه حتى نلقاه على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply