بسم الله الرحمن الرحيم
لي أصحاب مسافرين معي قد تجهزوا وما تجهزت معهم، لقد حملوا طيبات كثيرة وما حملت.... لا، بل لي حمل أثقل كاهلي... حمل يضر ولا ينفع.. فليت شعري ما الذي جعلني أحمل ما يضر ولا ينفع؟
ثم ليت شعري إنَّ صحبي حولي أراهم قد حملوا الطيبات فسعدوا وارتاحوا... أما نفوسهم فراضية مطمئنة، وأما نفسي فحزينة متألمة..
كم مرة ٍ, راودتني نفسي أن أكون معهم؟
لكن خطواتي ثقيلة لا تتقدم نحوهم!!
فقلت لها يا نفسي إن لم تتحركي من أجل ما ينفعك فلا أقل من أن تتخلصي مما تحملين.
يا نفس لكم أثقلك ما تحملين... يا نفس لكم ضرك وما نفعك... فلماذا تواصلين الحمل؟
فلم تجبني..
فناديت: يا عيني فلتذرفي الدموع.
قرب وقت السفر واشتد الجمع له، فمن حولي أمثال دوي خلية النحل من العمل والسعي الدءوب من أجل السفر.
نعم لأنه ليس سفرا ً مهما ً وفقط، بل أهم سفر سنسافره جميعا ً... إنه السفر للآخرة، وهل هناك سفر أهم منه؟
لا وألف لا... إنه أهم سفر منذ ولدتنا أمهاتنا... سفر ٌ لا رجعة فيه.. فحق له أن يكون أهم سفر في حياتنا.
ومع هذا فلم يحركني كل هذا، فناديت يا عيني فلتذرفي الدموع.
تقاربت الأيام ولكن اليوم ليس ككل يوم..
أحس ذلك ولكن لا أدري لماذا؟
لكن هال عيني ما رأت من هذا؟ من هؤلاء؟
أحقا ً هي النهاية؟ هل بدأ السفر؟
ما بال أطرافي قد بردت؟
لقد أيقنت أنها النهاية... نعم بدأ السفر، ولكـن أين الزاد؟ أحقا ً سأرحل بلا زاد؟.... أحقا ً سأرحل بلا زاد؟
لكن أشغلني أمرٌ آخر.. لقد وجدتني أحمل حملاً سيئا... إنه فرصة للتخلص منه، ولكن مالي لا أستطيع؟
هل أنادي يا عيني فلتذرفي الدموع؟ لكن حتى هذه لا أستطيع.
اللسان لا يتحرك، والجسد كله هامد، فلا إله إلا الله.
{كلا إذا بلغت الترقي وقيل من راق وظن أنه الفراق} {فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ ٍ, تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون} أفي هذه اللحظة توبة؟ كلا وربي.
ما هذا؟ وإلى أين؟ إنه عالم جديد كل من يدخله يوزن بما معه من زاد.
لقد هالني ذلك عن النوم على التراب، ومفارقة الأحباب، لكن كل هذا يهون أمام الميزان...
أين الزاد أين؟ أين؟
ولكن يا ويحي مما أحمل.. أتراني سأضعه في الميزان أيضا ً؟
يا عيني فلتذرفي الدموع.
حتى إذا شاء الله أن تحق الحاقة وتقرع القارعة فإذ بالأرض قد زلزلت زلزالها، وأخرجت أثقالها، فقمت مع من قاموا حفاة عراة غرلا.
فيا لهول ما أرى... إن منهم من يغطي العرق نصفه ومنهم يلجمه العرق، ومنهم من يحمل أوزارا ً مثل الجبال ولكن أين؟؟
إنه يحملها على ظهره يسعى بها إلى الحشر.
ومنهم من يطوق أرضا ً... في رقبته ولكن أي أرض؟ إن شبرا ً من أرض الدنيا يطوق اليوم في الرقبة إلى سبع أراضين.
وها أنا كم أحمل... فيا عيني فلتذرفي الدموع.
حتى إذا شاء الله ـ بعد وقوف طويل ـ أن يفصل بين الخلائق فتطايرت الصحف فآخذ ٌ باليمين وآخذ بالشمال، فإلى أين هؤلاء؟ وإلى أين أولئك؟
أهل اليمين في نعيم مقيم... فأطلق لخيالك العنان ليسبح في هذا النعيم حتى يصل إلى غايته، فهناك تعرف أنه أعلى من ذلك كيف لا؟ وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
أما أهل الشمال فـ {في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم}... ينادى على أحدهم {خذوه فغلّوه ثم الجحيم صلّوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه}
فحدِّث ولا حرج... تقرح العيون، وتفطر القلوب، وتهتك الجلود، ولكن... {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب}
فعفوك يا رب الأرباب.
أخي وحبيبي..... أرجوك لا تنادي: يا عيني فلتذرفي الدموعº فأمامك الفرصة بعد أن عدت من رحلتك تلك ـ إن شاء الله ـ بالعِبرة.
وإلى لقاء مع أهل اليمين أسأل الله أن يجمعنا هناك.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد