بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العالم بما تخفي الضمائر. وما تحمله السرائر. والصلاة والسلام على النبي قدوة المؤمنين. وعلى الآل والأصحاب سادة المتقين.
أخي المسلم: وهذه وقفة أخرى من وقفات المحاسبةº نُقلب فيها صفحات القلوب.. وننفض ترائبها!
لتكون واحدة من عُرى هذه السلسلة: (سلسلة المحاسبة! ) وواحدة من أسئلة كثيرة!
فيا راغباً في ثواب الله الجزيل.. ويا محبّاً أن تكون من أهل جناته.. هل سألت نفسك يوماً: هل أنت من المتصدقين؟!
الصدقة؟ ذلك العمل الجليل.. وذلك الذخر الغالي!
فهل فكرت أخي أن تكون من أهلها؟!
وهل تفكرت يوماً في ثوابها وأثرها العجيب؟!
قال أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه -: (الصلاة عماد الإسلام، والجهاد سنام العمل، والصدقة شيء عجيب! والصدقة شيء عجيب! والصدقة شيء عجيب! ).
الصدقة! كنزٌ لا تصل إليه الأيدي.. وذُخرٌ لا تخاف عليه حوادث الأيام!
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (إن استطعت أن تجعل كنزك حيث لا يأكله السوس، ولا تناله اللصوصº فافعل بالصدقة! ).
أخي المسلم: فضل الصدقة عظيم.. وخيرها واصل لأصحابها في الدنيا والآخرة..
ولا تنسى أن ما يصلك من خير الصدقةº أكثر مما يصل من تصدقت عليه!
فلا تظنن أن المسكين هو المنتفع بالصدقة وحده، فإنّ من ظنّ ذلك فهو جاهل بثواب الصدقة العظيم..
قال الشعبي: (من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير إلى صدقتهº فقد أبطل صدقتهº وضرب بها وجهه! ).
وكان سفيان الثوري ينشرح إذا رأى سائلاً على بابه، ويقول: (مرحباً بمن جاء يغسل ذنوبي! ).
وكان الفضيل بن عيّاض يقول: (نعم السائلونº يحملون أزوادنا إلى الآخرة بغير أجرة! حتى يضعوها في الميزان بين يدي الله - تعالى -! ).
هكذا كان فهم العلماء الربانيين للصدقةº فإياك أن يغيب عنك هذا المعنى!
واسأل نفسك: هل دار في فكرك هذا المعنى في يوم من الأيام؟!
فإن الكثيرين يتصدقون، ولا يتذكرون مثل هذه المعاني.. وكان من الأحسن أن يعيشوا لحظات هذا العمل الجليل بقلوبهمº حتى يجدوا حلاوة العمل الصالح..
فإنّ الصدقةº بركة.. وتوفيق.. وخير.. وذخر.. وأصحابها هم أهل المعروفº وأسعدهم بهاº أصدقهم نية.. وأعرفهم بشرفها..
فحاسب نفسك أخي: ما هو نصيبك من هذا الفضل؟! وكم فاتك منه؟!
ولا يفوتنّك أن تتأمل فيما جاء في فضلها من الآيات والأحاديث النبويةº ليكون ذلك حافزاً لك أن تكون من أهل الصدقة.. ومن المسارعين إليها..
قال الله - تعالى -: \" الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ وَيَأمُرُكُم بِالفَحشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغفِرَةً مِّنهُ وَفَضلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ \" [البقرة: 268].
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: (اثنان من الشيطان، واثنان من الله - تعالى -، ثم قرأ هذه الآية: الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ وَيَأمُرُكُم بِالفَحشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغفِرَةً مِّنهُ وَفَضلاً يعني: يأمركم بالطاعة والصدقةº لتنالوا مغفرته وفضله وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ يعني: واسع الفضل، عليم بثواب من يتصدق).
قال النبي: {الساعي على الأرملة والمسكينº كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار! } [رواه البخاري ومسلم].
وقال رسول الله: {أفضل الأعمال أن تُدخل على أخيك المؤمن سروراً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطعمه خبزاً} [رواه البيهقي في الشعب وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج/ صحيح الجامع: 1096].
أخي المسلم: إن الصدقة إذا كانت لله - تعالى -º فلا تستحقرنّ شيئاً منها.. فإن الله كريم.. يضاعف الحسنات.. فلا تنسى وأنت تتصدق أنك تتعامل مع الله - تعالى -.. المتفرّد بالأمر!
قال رسول الله: {ما تصدق أحد بصدقة من طيّب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربُو في كف الرحمن، حتى تكون أعظم من الجبل! كما يُربِّي أحدكم فَلُوّه أو فصيله} [رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم].
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (إن رجلاً عَبَدَ الله سبعين سنة، ثم أصاب فاحشة، فأحبط عمله، ثم مر بمسكين فتصدق عليه برغيف، فغفر الله له ذنبه، ورد عليه عمل السبعين سنة! ).
ويقال: إن الحسن مرّ به نخاس ومعه جارية، فقال للنخاس: (أترضى في ثمنها الدرهم والدرهمين؟! ) قال: لا! قال: (فاذهب فإن الله - عز وجل - رضى في الحور العين بالفلس واللقمة! ).
فتصدّق أخي المسلم.. وثق بموعود الله - تعالى -.. فإنه لا يخلف الميعاد..
واعلم أنك ما من شيء تُخرجه لله - تعالى -º إلا وجدته أمامك مدّخراً..
فتصدق.. وأنفق،، وتذكر قول النبي: {اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة} [رواه البخاري ومسلم].
قال يحيى بن معاذ: (ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا من الصدقة! ).
فأيقظ همتك أخي.. واطرد الشحّ والحرص من قلبك وابذل المعروف للمحتاجº فإنك لا تدري متى ترحل من الدنيا؟! فهل يسرّك أن ترحل بغير زاد؟!!
فإنّ قليلاً تقدّمه اليومº خير لك من كثير تخلفه!
فقدّم لنفسك في كأس قبل الممات.. وكثرة الحسرات!
\" وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقنَاكُم مِّن قَبلِ أَن يَأتِيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولَا أَخَّرتَنِي إِلَى أَجَلٍ, قَرِيبٍ, فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ \"[المنافقون: 11، 10].
فكم من أناس رحلوا من الدنيا بغير زاد! بعد أن تركوا الأموال.. وودّعوا النعيم! رحلوا بالحسرات.. ولزمتهم التبعات! فلا المال ليوم معادهم قدّموه.. ولا رحلوا بهº بل لأهل الميراث تركوه!!
فكأنك غداً خبرٌ من الأخبار.. وسَمَرٌ من الأسمار!
أَيا مَن عاش في الدنيا طويلاً *** وأفنَى العُمرَ في قيلٍ, وقالِ
وأتعب نفسَهُ فيما سيفنَى *** وجمَّع من حرامٍ, أو حلالِ
هَبِ الدُنيا تُقادُ إليك عفواً *** أليس مصيرُ ذلك للزوالِ
أخي المسلم: ولا تقولن: إني إذا أنفقت افتقرت! فإن ذلك من وسواس الشيطان، كما مر معك ذلك..
فإن الصدقةº خير وبركةº فإنك كلما أخرجت شيئاً لله - تعالى -، عوّضك الله خيراً منه، مع ما ادّخره لك من الحسنات والثواب العظيم..
واستمع إلى وصية النبي لبلال - رضي الله عنه -.. فقد وصّاه بقوله: {أنفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً} [رواه البزار والطبراني/ صحيح الجامع: 1512].
وقال النبي: {ما من يوم يُصبح العباد فيهº إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً} [رواه البخاري ومسلم].
وقال رسول الله: {ما نقصت صدقة من مال.. } [رواه مسلم].
ولتعلم أخيº أنك لكي تكون من المتصدقينº لا يشترط أن تكون كثير المالº بل إن كل ما جادت به يداك فهو صدقة، وإن لقمة واحدة تطعمها لجائع.. بل إن النبي أخبر أن خير الصدقة صدقة رجل قليل المال!
عن أبي هريرة أنه قال: (يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ ) قال: {جُهدُ المُقلّ، وابدأ بمن تَعُول} [رواه أبو داود/ صحيح أبو داود للألباني: 1677].
وقال رسول الله: {سبق درهم مائة ألف! } قالوا: يا رسول الله وكيف؟! قال: {رجل له درهمانº فأخذ أحدهما فتصدّق به، ورجلٌ له مالٌ كثير، فأخذ من عُرض ماله مائة ألف، فتصدق بها} [رواه النسائي وغيره/ صحيح النسائي للألباني: 2527].
عن أبي مسعود قال: (كان رسول الله يأمرنا بالصدقة، فما يجد أحدنا شيئاً يتصدق بهº حتى ينطلق إلى السوق، فيحمل على ظهره، فيجيء بالمدّ، فيعطيه رسول الله، إني لأعرف اليوم رجلاً له مائة ألف، ما كان له يومئذ درهم! ) [رواه النسائي/ صحيح النسائي: 2528].
وعن أم بُجيد - رضي الله عنها - أنها قالت: يا رسول الله إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد شيئاً أُعطيه إياه. فقال لها رسول الله: {إن لم تجدي إلا ظِلفاً محرّفاً، فادفعيه إليه في يده} [رواه الترمذي وابن خزيمة/ صحيح الترغيب للألباني: 884].
فتصدّق أخي المسلم ولو بأقل القليل.. وارج ثواب الله - تعالى -.. فإن القليل إذا أخرجته بنية صادقةº فهو خير من كثير يخرجه صاحبه بنية ضعيفة..
فكم من جائع اللقمة عنده أفضل مما حوته الدنيا!
وكم من عار الثوب عنده أفضل من كل غال!
فتصدّق اليوم وأنت صحيحº قبل أن يُحال بينك وبين ذلك!
فإن الصدقة في حال الصحةº أفضل من الصدقة في حال المرض!
قال رجل للنبي: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: {أن تصدّق وأنت صحيح حريص، تأمُلُ الغِنَى، وتخشى الفقر، ولا تُمهِل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان! } [رواه البخاري ومسلم].
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (درهم ينفقه أحدكم في صحته وشحه، أفضل من مائة يوصى بها عند الموت).
أخي المسلم: وإن من أبواب الخير العظيمةº أن يكون لك دين على أخيكº فتمهله حتى يتيسر له قضاؤه، أو تضع عنه بعضه، أو تتصدق عليه بجميعه..
فإن الكثيرين ينسون هذا الباب من الخيرº فيفرّطوا في ثواب كثير!
قال الله - تعالى -: \" وَإِن كَانَ ذُو عُسرَةٍ, فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيسَرَةٍ, وَأَن تَصَدَّقُوا خَيرٌ لَّكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ \" [البقرة: 280].
وقال رسول الله: {من سرّه أن يُظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلهº فليُيسر عن مُعسر، أو ليضع عنه} [رواه الطبراني/ صحيح الترغيب: 912].
فإن ذلك من أسباب دخول الجنة.. فلا يفوتنّك هذا الخير العظيم!
قال رسول الله: {كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسراً، فتجاوز عنه، لعل الله يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه} [رواه البخاري ومسلم]. وفي رواية للبخاري: {فأدخله الله الجنة! }.
أخي المسلم: ذلك خير عظيم تناله إذا يسّرت على أخيك المسلم في الدَّين، وهو عمل قليل تدرك من خلفه ذلك الثواب كله! فلا تكوننّ في ذلك من المغبونين!
فحاسب نفسك أيها العاقل: أين أنت من ثواب الصدقة! ذلك الذُخر العظيم.. والثواب الكبير!
ثم أخي المسلم لا بد أن تعلم أن فضائل الصدقة كثيرة وعظيمة.. وهي ثمار يجنيها المتصدقون!
فإليك فضائل الصدقةº حتى تقف على شرفها..
الصدقة تطفئ الخطيئة:
ففي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنهº قال رسول الله: {.. والصدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار!.. } [رواه الترمذي وغيره/ صحيح الترمذي للألباني: 2616].
الصدقة تدفع المكروه:
قال رسول الله: {صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السِّر تُطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر} [رواه الطبراني/ صحيح الجامع: 3797].
قال ابن أبي الجعد: (إن الصدقة لتدفع سبعين باباً من السوء! ).
الصدقة سبب في نماء المال وبركته:
قال الله - تعالى -: \" يَمحَقُ اللّهُ الرِّبَا وَيُربِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبٌّ كُلَّ كَفَّارٍ, أَثِيمٍ, \" [البقرة: 276].
وقال رسول الله: {ما نقصت صدقة من مال.. } [رواه مسلم].
الصدقة تقرِّبك من الله - تعالى -:
قال عبد العزيز بن عمير: (الصلاة تبلغك نصف الطريق، والصوم يبلغك باب الملك، والصدقة تدخلك عليه! ).
الصدقة تظلل صاحبها يوم القيامة:
قال رسول الله: {كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضي بين الناس! } [رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم/ صحيح الترغيب: 872].
المتصدق في ظل العرش يوم القيامة:
ففي حديث السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: {ورجلٌ تصدّق بصدقة فأخفاهاº حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه! } [رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري].
وقال رسول الله: {من نفّس عن غريمه، أو محا عنه، كان في ظل العرش يوم القيامة} [رواه البغوي في شرح السنة صحيح الترغيب: 911].
الصدقة وقاية من النار:
عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال النبي: {اتقوا النار! } ثم أعرض وأشاح، ثم قال: {اتقوا النار! } ثم أعرض وأشاح ثلاثاً، حتى ظننا أنه ينظر إليها، ثم قال: {اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة} [رواه البخاري ومسلم].
الصدقة سبب في تيسير موقف الحساب يوم القيامة:
قال عبيد بن عمير: (يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا قَط، وأعطش ما كانوا قَط، وأعرى ما كانوا قَط، فمن أطعم لله - عز وجل -، أشبعه اللهº ومن سقى لله - عز وجل -، سقاه اللهº ومن كسا لله - عز وجل -، كساه الله).
الصدقة تُطفئ حر القبور:
قال رسول الله: {إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حرّ القبورّ! وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظلّ صدقته} [رواه الطبراني والبيهقي/ صحيح الترغيب].
أخي المسلم: تلك هي الصدقة.. وذلك هو شرفها وفضلها.. فحاسب النفس: أين هي من ذلك كله؟!
واغتنم العمر في فعل الصالحات.. فإن قليلاً تُقدمه بين يديك اليومº خيرٌ لك من كنز الأموال، والبخل بإنفاقها..
فإنك إذا أتيت غداًº وجدت ثواب صدقتكº فتسر بذلك وتحمد الله - تعالى -.. فأنفق قبل أن لا تنفق.. وتصدّق قبل حلول هادم اللذات.. ومفرّق الجماعات!
وجعلني الله وإياك من أهل الصدق..وأعانني وإياك على الطاعات..
والحمد لله - تعالى -..وصلى الله وسلم على النبي محمد وآله والأصحاب..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد