علامات حسن الخاتمة وسوءها


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الأولى: نطقه بالشهادة عند الموت وفيه أحاديث مذكورة في الأصل منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة».

 

الثانية: الموت برشح الجبين، لحديث بريدة بن الخصيب - رضي الله عنه -: \"أنه كانَ بخراسان، فعاد أخاً له وهو مريض، فوجده بالموت، وإذا هو بعرق جبينه، فقال الله أكبر، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «موت المؤمن بعرق الجبين».

 

الثالثة: الموت ليلة الجمعة، أو نهارها، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مسلم يموت الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر».

 

الرابعة: الاستشهاد في ساحة القتال، قال الله - تعالى -: {ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون. يستبشرون بنعمةٍ, من الله وفضل وأنّ الله لا يضيع أجر المؤمنين} [آل عمران: 169- 171].

 

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «للشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دُفعة من دمه، ويَرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن الفَزع الأكبر، ويُحلَّى حلية الإيمان، ويُزوج من الحور العين، ويُشفّع في سبعين إنساناً من أقاربه».

 

الخامسة: الموت غازياً في سبيل الله، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله من قُتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: إن شهداء أمتي إذاً لقيل. قالوا: فمن هم يا رسول الله قال: من قُتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد».

 

السادسة: الموت بالطاعون، وفيه أحاديث منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الطاعون شهادة لكل مسلم».

 

السابعة: الموت بداء البطن، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم: «... ومن مات في البطن فهو شهيد ».

 

الثامنة والتاسعة: الموت بالغرق والهدم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغَرِق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله».

 

العاشرة: موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها، لحديث عبادة بن الصامت: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد عبد الله بن رواحة، قال: فما تَّحؤز له عن فراشه، فقال: أتدري من شهداء أمتي؟ قالوا: قتل المسلم شهادة، قال: إن شهداء أمتي إذاً لقليل! قتل المسلم شهادة، والطاعون شهادة، والمرأة بقتلها ولدها جمعاء شهادة، يجرها ولدها بِسَرِرِهِ إلى الجنة».

 

الحادية عشرة، والثانية عشرة: الموت بالحرق، وذات الجَنب وفيه أحاديث أشهر، عن جابر بن عتيك مرفوعاً: «الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجُمع شهيدة».

 

الثالثة عشرة: الموت بداء السِّل، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «القتل في سبيل الله شهادة، والنفساء شهادة، والحَرق شهادة، والغَرَق شهادة، والسل شهادة، والبطن شهادة».

 

الرابعة عشرة: الموت في سبيل الدفاع عن المال المراد غصبه، وفيه أحاديث منها: «من قتل دون ماله، (وفي رواية: من أريد ماله بغير حق فقاتل، فقتل) فهو شهيد».

 

الخامسة عشرة والسادسة عسرة: الموت في سبيل الدفاع عن الدّين والنفس، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد».

 

السابعة عشرة: الموت مرابطاً في سبيل الله، وفيه حديثان أحدهما: «رباط يوم وليلة خبرٌ من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه وأَمِن الفَتَّان».

 

الثامنة عشرة: الموت على عمل صالح لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال: لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله خُتم له بها، دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله خُتم له بها، دخل الجنة ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها، دخل الجنة».

 

التاسعة عشرة: من قتله الإمام الجائر لأنه قام إليه فنصحه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «سيِّدُ الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله».

 

وأيضاً ثناء الناس بالخير على الميت من جمع من المسلمين الصادقين أقلهم اثنان، من جيرانه العارفين به من ذوي الصلاح والعلم موجب له الجنة، وعلامة من علامات حُسن الخاتمة، وفي ذلك أحاديث: فعن أنس- رضي الله عنه- قال: \"مُرَّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - بجنازة، فأُثني عليها خيراً، [وتتابعت الألسن بالخير]، [فقالوا: كان- ما علمنا- يحب الله ورسوله]، فقال: نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: « وجبت وجبت وجبت ».

 

ومُرَّ بجنازة فأثني عليها شراً، [وتتابعت الألسن لها بالشر]، [فقالوا بئس المرء كان في دين الله]، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: « وجبت وجبت وجبت ». فقال عمر: فِدىَّ لك أبي وأمي، مُر بجنازة فأُثني عليها خيراً، فقلت: وجبت وجبت وجبت، ومر بجنازة فأُثني عليها شراً، فقلت: وجبت وجبت وجبت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيت عليه شراً وجبت له النار، [الملائكة شهداء الله في السماء] وأنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، (وفي رواية: والمؤمنون شهداء الله في الأرض)، [إن لله ملائكةً تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر] ».

 

عن أبي الأسود الدَّيلي قال: \"أتيت المدينة، وقد وقع بها مرض وهم يموتون موتاً ذريعاً، فجلست إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فمرت جنازة، فأُثني خيراً، فقال عمر: وجبت، فقلت: ما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة ». قلنا: وثلاثة. قال: « وثلاثة ». قلنا: واثنان؟ قال: « واثنان ». ثم لم نسأله في الواحد\".

 

والمقصود: إن من كان مشغولاً بالله، وبذكره، ومحبته في حال حياته، وجد ذلك أحوج ما هو إليه عند خروج روحه إلى الله- تبارك وتعالى - ومن كان مشغولاً بغيره في حال حياته وصحته، فيعسر عليه اشتغاله بالله وحضوره معه عند الموت ما لم تدركه عناية من ربه. ولأجل هذا، كان جديراً بالعاقل أن يلزم قلبه ولسانه ذكر الله وطاعته حيثما كان لأجل تلك اللحظة التي إن فاتت شقي شقاوة الأبد. اللهم أصلح نفوسنا بذكرك، ومحبتك، ومعرفتك، وزكها فأنت خير من زكاها.

 

علامات سوء الخاتمة:

وسوء الخاتمة لها أسباب يجب على المؤمن أن يحترز منها، أعظمها الإقبال على الدنيا، ومنها العدول عن الاستقامة، أو ضعف الإيمان، أو فساد الاعتقاد، أو الإصرار على المعاصي، فإن من أصر على المعاصي وطال عمره في الجاهلية، حصل في قلبه إلفها، وجميع ما ألف الإنسان وأحبه في مدة عمره يعود ذكره عند موته، فإن كان حبه وميله إلى الطاعات أكثر، يكون ما يحضره عن الموت ذكر الطاعات، وإن كان حبه وميله إلى المعاصي أكثر ويكون أكثر ما يحضره عند الموت ذكر المعاصي.

 

فالقلب يشتد خوفه من فوات ما أحبه واعتاد عليه، وخاصة عند الشدائد والمصائب، فإذا تيقن القلب فوات ذلك المحبوب، ذكر ذلك المحبوب الذي يفوت بوفاة حياته، قال ابن القيم: \"ولهذا- والله أعلم- كثيراً ما يعرض للعبد عند موته لهجة بما يحبه وكثرة ذكره له، وربما خرجت روحه وهو يلهج به. وكثير ما سُمع من بعض المحتضرين عند الموت إذا كان مشغولاً بلعب الشطرنج \"شاه مات\" \"وسمع من آخر بيت شعر لم يزل يغني به حتى مات، وكان مغنياً\".

 

وأخبرني رجل عن قرابة له أنه حضره عند الموت- وكان تاجر يبيع القماش- قال: \"فجعل يقول، هذه قطعة جيدة، هذه على قدرك، هذه مشتراها رخيص يساوي كذا وكذا حتى مات\" قال مجاهد: \"ما من ميت إلا تعرض عليه أهل مجالسته الذين كان يجالس، إذا كان أهل لهو فأهل لهو، وإن كانوا أهل ذكر فأهل ذكر\" واحتضر رجل ممن كان يلعب بالشطرنج، فقيل له: \"قل لا إله إلا الله، فقال: شاهك، ثم مات\". فغفل على لسانه ما كان يعتاده حال حياته في اللعب، فقال عوض لكلمة التوحيد: \"شاهك\". وهذا كما جاء في إنسان آخر ممن كان يجالس شراب الخمر، إنه حين حضره الموت، فجاءه إنسان يلقنه الشهادة، فقال له: \"اشرب واسقني، ثم مات\". فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهكذا من كبر سنه، وعظم معه شره، وصار في كبره شراً منه في صغره، عادةً، تتعذر توبته، ولا يوفق لعمل صالح يمحو به ما قد سلف، ويُخشى عليه من سوء الخاتمة، كما قد وقع ذلك لخلق كثير ماتوا بأدرانهم وأوساخهم، لم يتطهروا منها قبل الخروج من الدنيا. وهذا من خذلان الشيطان للإنسان عند الموت، فإنها معركته الأخيرة.

 

عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أمية بن المغيرة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا عم قل لا إله إلا الله. كلمة أشهد لك بها عند الله». فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه، ويعيدان له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم به: هو على ملة عبد المطلب. وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، وقد ورد أن الشيطان يحضر ابن آدم عند احتضاره وخروج روحه، ويعرض عليه كل ملة غير الإسلام، ويتمثل له بصورة الناصح الأمبن كالأب، والأم، والأخ، والصديق الحميم فيقولون له: مت يهودياً فهو الدين المقبول عند الله - تعالى -. أو يقولون له: مت نصرانياً فإنه دين المسيح المقبول عند الله - تعالى -. ويذكرون له عقائد كل ملة حتى يموت على غير ملة الإسلام. وهذا غرضه لعنه الله.

 

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: \"حضرت وفاة أبي أحمد، وبيدي الخرقة لأشد لحييه، فكان يغرق ثم يفيق ويقول: بيده، لا بعد، لا بعد، فعل هذا مراراً، فقلت له: يا أبت أي شيء ما يبدو منك؟ فقال: عن الشيطان قائم بحذائي عاض على أنامله يقول: يا أحمد فُتنى، وأنا أقول لا بعد حتى أموت.

 

قال القرطبي: وقد سمعت شيخنا الإمام أبا العباس أحمد بن عمر القرطبي يقول: \"حضرت أخا شيخنا أبي جعفر أحمد بن محمّد القرطبي بقرطبة، وقد احتضر، فقيل له لا إله إلا الله، فكان يقول: لا، لا. فلما أفاق ذكرنا له ذلك، فقال: أتاني شيطانان عن يميني وعن شمالي يقول أحدهما: مت يهودياً فإنه خير الأديان. والآخر يقول: مت نصرانياً فإنه خير الأديان. فكنت أقول لهما لا. لا. إلي تقولان هذا؟ \".

 

وقال ابن الجوزي: ورأيت بعض من تعبد مدة ثم فتر، فبلغني أنه قال: \"قد عبدته عبادة ما عبده بها أحداً. قال ابن الجوزي: ما أخوفني أن تكون كلمته هذه سبباً لرد الكل\".

 

قال ابن كثير: والمقصود.. أن الذنوب والمعاصي والشهوات، تخذل صاحبها عند الموت مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة، قال الله - تعالى -: {وكان الشيطان للإنسان خذولاً} وسوء الخاتمة أعاذنا الله منها لا يقع فيها من صلح ظاهره وباطنه مع الله، وصدق في أقواله وأعماله، فإن هذا لم يسمع به، وإنما يقع سوء الخاتمة لمن فسد باطنه عقداً، وظاهره عملاً، ولمن له جرأة على الكبائر، وإقدام على الجرائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply