القرآن سبيل العزة والسعادة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:

فإن العزة خلق عظيم، وخلَّة كريمة، تهفو إليها القلوب الحية، وتسعى لنيلها النفوس الأبيّة، وإن السعادة لمطلب مُلح، وهدف منشود، وغاية مبتغاة، وكل الناس يبحث عن هذه المعاني ويسعون لها سعيها، فيسلكون إليها كل سبيل، ويركبون لها كل صعب وذلول، ولكن قلَّ من يهتدي إليها، ويوفّق لها.

 

 كلٌّ مَن في الوجود يطلب صيدًا غير أن الـشباكَ مختلفـاتُ

 

وإن من فضائل القرآن ـ وهي لا تحصى كثيرة ـ حصولَ السعادةِ العظمى، والعزة القعساء لمن يقبل عليه، ويتلوه حق تلاوته.

وهذه السعادة، وتلك العزة تحصل للفرد وللأمة، قال - تعالى - : (طه (1) مَا أَنزَلنَا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقَى)[طه:،1 2]، وقال:(وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ) [المنافقون: 8]، وقال:(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ, أُولَئِكَ لَهُم الأَمنُ وَهُم مُهتَدُونَ) [الأنعام: 82].

فالقرآن الكريم حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، سمّاه الله نورًا، وتبياناً، وموعظة، ورحمة، وشفاءً لما في الصدور، لا تنقضي عجائبه، ولا يَخلَقُ عن كثرة الردّ، لا يَعـوَجٌّ فيُقَوَّم، ولا يزيغ فيستعتب، فيه القصصُ العجيبةُ، ودلائلُ التوحيدِ والنبوة، فيه المواعظ الحسنة النافعة، وفيه البراهينُ الجليّةُ القاطعة، التي تسبق إلى الأفهام ببادئ الرأي، وأول النظر، ويشترك كافةُ الخلق في إدراكهاº فهو مثلُ الغذاءِ ينتفع به كلٌّ إنسانٍ,، بل كالماء الذي ينتفع به الصبي، والرضيع، والرجلُ القويٌّ والضعيف.

فيه الحثٌّ على كل خلق جميل، وفيه التنفير من كل خلق ساقط رذيل (خُذ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَن الجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199].

هذا القرآن هو الذي أحرزت به الأمة سعادة الدارين، وهو الذي اجتَثَّ منها عروق الذلة والاستكانةº فهو الذي رباها وأدبها، فزكَّى منها النفوس، وصفَّى القرائح، وأذكى الفِطن، وجلا المواهب، وأعلى الهمم، وأرهف العزائم، واستثار القوى، وغرس الإيمان في الأفئدة، وملأة القلوب بالرحمة، وحفَزَ الأيديَ للعمل النافع، والأرجلَ للسعي المثمر، ثم ساق هذه القوى على ما في الأرض من شر وباطل وفساد،فطهرها منه تطهيرًا، وعمَّرها بالحق والخير والإصلاح تعميراً.

هذا القرآن نور الصدور، وجلاء الهمِّ والغمّ، وفرح الفؤاد، وقرة العين.

 

وكتاب ربِّك إن في نفحاته *** من كل خير فوق ما يُتََوقَّعُ

 نورُ الوجودِ وأُنسُ كلِّ مروِّعٍ, *** بكر وبه ضاق الفضاءُ الأوسعُ

 والعاكفون عليه هم جلساء *** من لجلاله كلٌّ العوالم تخشع

 فادفن همومَك في ظلال بينه *** تَحلُ الحياة وتطمئن الأضلع

 فبكلِّ حرفٍ, من عجائب وحيه *** نبأٌ يبشر أو نذيرٌ يقرع

 

هذا القرآن هو الذي أنار العقول على النور الإلهي فأصبحت كشَّافةً عن الحقائق العليا، وطهَّر النفوس من أدران السقوط والإسفاف فأصبحت نزَّاعة إلى المعالي، مُقدِمةً على العظائم.

وبهذه الروح القرآنية اندفعت تلك النفوسُ بأصحابها تفتح الآذانَ قبل البلدان، وتمتلك بالعدل والإحسانِ الأرواح قبل الأشباح.

هذا القرآن هو الذي أخرج الله به من رعاة النَّعم رعاةَ الأمم، ومن خمول الجهل أعلام الحكمة، والعدل والعلم.

 

الله أكبر إن دين محمـــــــــــد           وكتابه أقوى وأقوم قيلا

طلعت به شمس الهداية للورى       وأبى لها وصف الكمال أفولا

والحق أبلج في شريعته التي          جمعت فروعها للهدى وأصولا

لا تتذكر الكتب السوالف عنده          طلع الصباح فأطفئوا القنديلا

 

ولكنَّ السرَّ كلَّ السرِّ ليس في تلاوته فحسب، وإنما هو في تدبره، وعقله، والتخلق بأخلاقه، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، (كِتَابٌ أَنزَلنَاهُ إِلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلبَابِ)[ص: 29].

ورحم الله الإمام الشاطبي إذ يقول:

 

وإن كتابَ الله أوثقُ شافعٍ, وأغنى غناء واهباً متفضِّلا

وخيرُ جليسٍ, لا يُمَلٌ حديثُه وتردَادهٌ يزداد فيه تجمَّلا

فيا أيها القارى به متمسكاً مُجِلاً له في كل حال مُبَجِّلا

هنيئاً مريئاً والداك عليهما ملابسُ أنوارٍ, من التاج والحُلى

 

ورحم الله السبكي إذ يقول:

لأسرار آيات الكتاب مَعان تَدُِقُ فلا تبدو لكل مُعان

إذا بارقٌ قد لاح منها لخاطري هممت قرير العين بالطيران

 

هذا وإن من علامات التوفيق، وأمارات الفلاح أن يوفق الإنسان لحب القرآن، والإقبال عليه تعلمًا، وتعليمًا، وتلاوةً، وبذلاً وعملاًº لأجل نشره والدعوة إليهº فيالسعادة ذلك ويالعزته في الدنيا والآخرة، ويا لحرمان من حُرم ذلك الخير، وصُدَّ عن ذلك النور.

جعلنا الله من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، مباركين أينما كنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد...

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply