تعالوا نتعرف إلى الله


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الحمد لله علي الشأن عظيم السلطان تفرد بالبقاء وحده وكل من عليها فان أحمده - سبحانه - وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن وأشهد أن محمد عبده ورسوله المبعوث بشيراً و نذيراً للثقلين الإنس والجان صلى الله عليه وعلى صحبه الجامعين بين شرف الزمان وشرف والمكان وسلم تسليماً كثيراً.

 

وقد عاد الحجيج إلى ديارهم سالمين غانمين مغفورة ذنوبهم محطوطة آثامهم كما نرجو لهم فان من أعظم ما حققوه في حجهم بعد ما قضوا تفثهم ووفوا نذورهم واطوفوا بالبيت العتيق، إن أعظم ما حققوه في ذلك توحيد الله وذكره ولهذا شرعت شرائع الدين وأرسل الرسل وسلت سيوف الحق للجهاد كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله فمن قال لا اله إلا الله عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله) أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة وفي كتاب الله - عز وجل - آيات وآيات تفيد هذا المعنى وتنص عليه من أبرزها وأشهرها قوله - جل وعلا -: (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) فيا عباد الله تعالوا بنا نؤمن ساعة ونتعرف على مولانا وخالقنا ورازقنا لنحبه ولنعظمه فنعبده حق عبادته ونشكره حق شكره.

 

واعلموا رعاكم الله، أن العبادة لله حقا تقوم على ساقين (المحبة والتعظيم) ومن عرف نعم الله عليه ورآها أمام عينيه تترى لا يحصيها العدد ولا يقطعها الأبد أحبه ثم أحبه ثم أحبه حتى يكون الله أحب إليه مما سواه ومحبة الله متضمنة لمحبة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إذ هو الدليل إليه ومعرفنا عليه وشفيعنا لديه فلا خير نفعله إلا عن طريقه ولا شر نجتنبه إلا عن طريقه جزاه الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته وأما تعظيم الرب فبمعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله والنظر في ملكوت السماوات والأرض الدال على عظمة الخالق - سبحانه - والمتضمن عجز المخلوق التام وحاجته الدائمة في كل وقت وحين بل في كل طرفة عين إلى مولاه وخالقه فحياة الإنسان ليست إلا من الله بدايتها واستمرارها أو انقطاعها (هو الذي يحي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون) (قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله) (وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم) (وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير).

 

أيها المسلمون: إن أعظم كلمة تشير إلى المولى - جل وعلا - هي لفظ الجلالة (الله) هذه الكلمة التي خرت لها الجبابرة وصغرت أمامها قوة الأباطرة والقياصرة فاكتفي بها في حال المقابلة والمحاجة (آلله خير أما تشركون) والجواب مهمل لظهوره ولبيانه وكان مثله ذلك السؤال (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) فما أجملها وما أعظمها من كلمة حلوة في نطقها عذبة في سماعها تعشقها قلوب المحبين تسكن في وجدانهم وتنتقش في أفئدتهم فعليه يثنون وله يذكرون وعليه يتوكلون وبه يعتصمون واليه يحتكمون وله يدعون ويلجأون وإذا مسهم الضر فإليه يجأرون.

 

أيها الأحبة إن الحديث عن الله جل جلاله وتقدست أسمائه حديث لا أخشع منه ولا أهيب ولا أعظم منه ولا انفع حديث يقوي الإيمان ويعلي قيمة الإنسان قال الله - تعالى - في الحديث القدسي (أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم) ولا عجب أن يذكر المخلوق خالقه ورازقه ومحييه ومميته ولكن العجب أن يذكر الخالق مخلوقه الضعيف وهو نكرة لا يعرفه من الخلق إلا قليل فيا لفضل الله ما أعظمه. إن الله - تعالى - عظيم في ذاته عظيم في أسمائه وصفاته عظيم في أفعاله وأحكامه ولن نثني عليه أو نمجده أو نسبح له إلا بمنه وكرمه وتوفيقه فذكرنا له نعمة من نعمه علينا وعبادتنا له من فضله علينا فكل نعمة منه و كل فضل منه (وما بكم من نعمة فمن الله) لا اله إلا هو ذو الفضل العظيم. ذاته - سبحانه - أكمل ذات كمل في جماله فهو الجميل الجمال الذي لا حد له ولا نقص فيه أو عيب وما في الجنة نعيم أفضل من النظر إلى وجهه الكريم لا حرمني الله وإياكم تلك النظرة ولا تلك النظرة حياته - سبحانه - أكمل حياة لم يسبقها عدم ولا يعقبها موت فهو الأول ليس قبله شيء والآخر ليس بعده شيء ولا يعتري حياته نقص من أي جهة فهو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم قائم بنفسه مقيم لغيره لا بد لكل شيء منه ولا غنى لأي شيء عنه، رزق كل حي عليه ومصير كل شيء إليه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه لا غالب لأمره ولا راد لفضله لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، قدرته لا تقهر وقوته لا تدفع وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال، قهر الجبابرة والمتكبرين وأعز عباده المتقين وهو - سبحانه - إذا عذب فلا يعذب عذابه أحد وإذا أثاب أفاض من خزائن جوده عطاء غير مجذوذ: (وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير).

أيها المؤمنون إن ربنا الله نور السماوات والأرض فالق الحب والنوى لا اله إلا هو الرحمن فاسأل به خبيرا أحق من ذكر وأحق من عبد لا مفر منه إلا إليه.

 

قابض باسط معز مذل *** لم يزل مرغما أنوف الطغاة

 

شافع واسع عليم حكيم***بالنوايا والغيب والخاطرات

 

خافض رافع بصير سميع*** بدبيب النمل فوق الحصاة

 

ظاهر باطن حسيب رقيب *** ليس يخفى عليه مثل القذاة

 

أول آخر علي غني *** كيف نحصي آلائه الوافرات

 

باعث وارث كثير وكيل*** وأمان للأنفس الخائفات

 

كامل حامد حميد مجيد*** فارج الهم كاشف المعضلات

 

أنه الواحد الذي لا يضاهى *** في معاني أسماءه والصفات

 

قاهر غالب قوي عزيز *** ونصير للمهتدين الهداة

 

غافر راحم حليم تجلى *** بره في عطاءه للجناة

 

عباد الله انه الله الذي لا اله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم أرحم بك من والدتك فتزود من رحمته واعمل لها فمن ما اتفق عليه الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (إن لله مائة رحمة انزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وادخر تسع وتسعين رحمة يرحم بها عبادة يوم القيامة) كتب على نفسه الرحمة فيا لسعة رحمة الله وسعت كل شيء (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سيلك وقهم عذاب الجحيم) (إن ربكم الله الذي لا اله إلا هو وسع كل شيء علما) (لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا اصغر من ذلك ولا أكبر) (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار) (إنها إن تكن مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله) - فأين تذهبون؟ (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) – (ذلكم الله ربكم له الملك لا اله إلا هو إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير) – (يعلم ما تحمل كل أنثى و ما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال) (خلق الأرض والسماوات العلا الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما و ما تحت الثرى وان تجهر بالقول فانه يعلم السر وأخفى الله لا اله إلا هو له الأسماء الحسنى) (هو الله الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون).

 

إن ربكم حكم عدل حَرم الظلم على نفسه وجعله بينكم محرما فلا يظلم مثقال ذره وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما فالمؤمن عنده لا يخاف ظلما ولا هضما والكافر لا يضل ربي ولا ينسى ولا يضيع ربي عمل عامل من ذكر أو أنثى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها و من جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) ولا يظلم ربك أحدا وما ربك بظلام للعبيد فأوجب العدل وقضى به (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) (وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشيائهم) (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى) (وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) وربكم غني حميد يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء فوالله ما أنفق - سبحانه - منذ خلق السماوات والأرض لم ينقص من خزائنه شيء وهو القائل لنا في حديثه القدسي (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسيته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا اغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلكم من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا ادخل البحر) يا أيها الناس انتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز).

 

أيها الناس إن ربكم عظيم لا تدرك عظمته وسع كرسيه السماوات والأرض وما السماوات السبع والأرضين السبع في الكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة وما الكرسي في العرش إلا كتلك الحلقة في الفلاة وان احد حملة عرشه ما بين ترقوته إلى شحمة أذنه مسيرة سبعمائة عام (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه - سبحانه وتعالى - عما يشركون) يطوي - سبحانه - السماوات بيده ثم يهزهن ويقول أنا الملك أين ملوك الأرض أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرض بيده الأخرى ثم يهزها ويقول أنا الملك أين ملوك الأرض أين الجبارون أين المتكبرون - سبحانه وتعالى - عما يشركون أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون إلهكم اله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون\" الله كل يوم هو في شأن يرفع أقواما ويضع آخرين يرزق ويحي ويميت يجيب داعيا ويشفي سقيما يعز من يشاء ويذل من يشاء يجبر كسيرا ويغني فقيرا يعلم جاهلا ويهدي ضالا ويرشد حيرانا ويغيث لهفانا ويكسو عريانا ويطعم جائعا ويبتلي بالخير والشر ويستر عورة ويؤمن روعة قدر فهدى وأخرج المرعى رفع السماء بغير عمد وبناها والجبال أرساها والأرض بعد ذلك دحاها أعطى كل شيء خلقه ثم هدى رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم واليه ترجعون هو الملك لا شريك له والفرد لا ند له لا صاحبة له ولا ولد ولم يكن له كفوا أحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير أرئف من ملك وأجود من ٌسئل وأوسع من أعطى يغفر عن عزة ويمنع عن حكمة لن يطاع إلا بإذنه ولن يعصى إلا بعلمه أقرب شهيد وأدنى حفيظ كل نقمة منه عدل وكل نعمة منه فضل أرحم الراحمين وأسرع الحاسبين وأحكم الحاكمين ولي المهتدين ومولى المتقين يجيب المضطر إذا دعاة ويغيث الملهوف إذا ناداه يكشف السوء ويفرج الكربات ويقيل العثرة ويغفر الزلات بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا عنت الوجوه لعظمته أحاط بما لدى خلقه جميعا وأحصى كل شيء عددا (إن كل من في السماوات والأرض إلا آت الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) (بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم) (ذلكم الله ربكم لا اله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير).

 

أيها المسلمون: هذه أطراف من بعض صفات ربنا إذا تأملناها قادنا هذا التأمل إلى عبادته وحده لا شريك له فلا أحد غيره يستحق أن يعبد أو أن يدعى أو يستغاث به أو يستعان به أو يذبح له أو ينذر بل هو الله العزيز الحكيم جعلني الله وإياكم من أهل توحيده وعبادته ومن علينا جميعا بالتزاور في دار كرامته أخوانا على سرر متقابلين.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply