بسم الله الرحمن الرحيم
قالها الرجل وهو يتجرع ألم فاجعته، وقد ثار كالبركان تكاد الأرض تتزلزل من تحت قدميه، إن كل لغات الدنيا لا تستطيع أن تصف مصيبته.
قد تعجز الكلمات عن مدلولها…….وتموت في بحر الحروف معاني
قالها بصوت يسمعه الجميع:
ليس للمرأة إلا بيتها.
وأخذ يكررها ولكن حين لات مندم وبعد فوات الأوان.
رمى بعمامته، ورجم بعقاله، وأخذ يركض ويقف، هل تعلم أخي ما القصة؟
وما مصيبة الرجل؟
إذا اسمع حين ينتحر العفاف.
أعطني لحظة من وقتك أخي، لقد دقت الساعة السادسة صباحا في ذلك المنزل المكون من أم وأب وأولاد وبنات في عمر الزهور وفي مراحل دراسية مختلفة.
وقام الجميع واستعدوا للذهاب إلى المدارس عبر الروتين اليومي.
وأنطلق الرجل بسيارته، لم ينطلق من المسجد إلى البيت وإنما قام من الفراش إلى السيارة دون أن يمر على المسجد فهو ليس من أهل صلاة الفجر، ولم تنطلق الفتاة إلا من جوار قنوات الفضاء.
أنطلق الرجل بسيارته مسرعا في شوارع المدينة المكتظة، في مثل هذه اللحظات ساعة ذروة الحركة المرورية.
الوظيفة، المدرسة، الجامعة الدنيا يتسارع إليها الناس وضجيج وانتظار عند إشارات المرور، سبحان الله!!!
قبل ساعة ونصف من هذا الوقت منادي الله ينادي حي على الصلاة فلا يجيب أحد.
ويرتفع المؤذن من على المئاذن الله أكبر فلا يستيقظ أحد.
وحينما تدق ساعة الوظيفة والدراسة يستيقظ الناس ويتزاحم الناس.
(بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى).
صراع وكبد من أجل ماذا؟
أخذ هذا الرجل أبناءه، وهو ينظر إلى أكبر بناته طالبة في الجامعة على وشك التخرج.
وأخذ ينسج في نفسه قصصا من الخيال، يتصور هذه البنت وهي تتخرج من الجامعة، ويتصورها وهي موظفة تدر عليه لمال.
وهذا حال كثير من الآباء الذين جعلوا من بناتهم بقرة حلوبا تدر عليهم الأموال.
ثم تصورها وهي زوجة مع زوجها وأبنائها.
إنها الأحلام والمنى التي يحلم بها كل رب أسرة.
أنزل ابنته البالغة من العمر عشرين عاما، أنزلها بجوار بوابة الجامعة، وودعها ولم يدري أنه الوداع الأخير، ونزلت الفتاة وهي تحمل على عاتقها حقيبتها الجامعية.
أما ما تحمله في قلبها فهو الضياع والفضيحة والخيانة والفاحشة.
نزلت على موعد مع حبيبها، أي جامعة هذه التي تذهب إليها؟
وأي علم هذا الذي تريد تحصيله؟
إن أيام الشباب محدودة وعما قريب تنقضي، ولذا بادرت هذه الجاهلة وهذه الحمقى لاستثمارها ولكن في الفضيحة والعار، ووقعة في أوحال الرذيلة والانحطاط.
لماذا كل هذه القيود؟
ولماذا لا نعيش في سعادة؟
كلمات ترددت في صدر هذه المخدوعة ومن على شاكلتها من الفتيات.
وما إن تأكدت من ذهاب والدها ومغادرته للمكان، وما إن غابت سيارته عن عينها حتى عادت أدراجها وأسرعت إلى حيث الذئب البشري هناك في انتظارها، وقد عطر سيارته بالعطور الزاكية وشغل الموسيقى الصاخبة وركب معها، بل بعد أن فتح الباب لها.
وقالت له صباح الخير، فقال لها صباح الورد والفل والياسمين.
وسارت السيارة وهي تلقي على جامعتها نظرة الوداع، والوداع الأخير.
والذئب البشري يمطرها، ويرشها بألفاظ الإعجاب والهوى والحب والغرام، وكأنها زخات مطر تنزل على قلبها الميت والخالي من ذكر الله، والخالي من الإيمان بالله.
تنزل على قلبها فتجد هذه الكلمات أرضا سبخة تثمر المشاكل والمآسي، تثمر طلعا كأنه رؤوس الشياطين.
وذهب الذئب بفريسته وضمن أنها بين يديه، فهل تراه يطلقها أو يسبها أو يشتمها؟
وفي أثناء الحديث طرح عليها فكرة وقال لها:
ما رأيك لو ذهبنا إلى مدينة أخرى من أجل أن نتفسح طويلا؟
فقالت لا بأس، وافقت على الفكرة.
وطار الذئب، أو كاد يطير من الفرحة، وأدار مقود السيارة ليسلك الطريق المؤدي إلى تلك المدينة، ويرن جرس الإنذار محذرا من السرعة.
ولكن السيارة الشبابية تتجاوز السرعة، والشاب الهائج لا يستمع إلى مؤشرها، وفي الطريق تلقي نظرة على من نحر عفتها وشرفها وسؤدد قبيلتها بعد أن عادت من قضاء غرضها وغرضه.
عاد بسرعة حتى يدرك الجامعة قبل أن يأتي والدها، وانفجر إطار السيارة وانقلبت عدت قلبات، صرخت بعدها ولكن بعد فوات الأوان، فقد انتهى كل شيء.
فات الأوان على الإيمان يا امرأة…. لو تاب قلبك بالإيمان واعترفا
وإذا بذلك الشعر الطويل كأنه سنابل تُركت بلا حصاد يغطي وجهها، ولسان حالها يقول للذئب الذي شرب بنفس الكأس.
تقول له قتلك الله كما قتلتني.
سارع رجال الأمن إلى موقع الحادث واتضح كل شيء، هذه المرأة من هي؟
وكيف توصلوا إلى أهلها؟
فتحوا الحقيبة ووجدوا أسمها وعنوانها وأنها طالبة في الجامعة.
فورا أدير قرص الهاتف على عميدة الكلية وأخبرت الخبر، ونزلت العميدة بنفسها إلى البواب، وقالت له:
إذا حضر فلان بعد صلاة الظهر (موعد حضوره طبعا) فأخبرني.
ووقفت مديرة الجامعة عند البوابة وهي تكفكف دمعها فقد بلغها الخبر، وتكتم غيظها.
وجاء الأب وحضر ليأخذ ابنته كالمعتاد.
ونادى المنادي فلان ابن فلان لو تكرمت.
وجاء وعميدة الكلية تنتظره عند البوابة، وهناك تحدثت إليه والنسيج يعلو صوتها.
وقالت يا أبو فلان راجع قسم الحوادث.
قال لماذا؟ أجيبي.
قالت لا أعلم، عندنا بلاغ نخبرك أن تراجع قسم الحوادث.
قال لها، وابنتي؟
قالت أبنتك ليست في الكلية، هي أمامك.
انطلق الرجل مسرعا والألم يعصف قلبه والأسى يقطع ضميره ويذهب به كل مذهب.
ماذا حدث؟ من الذي أخرج ابنتي من الجامعة؟ كيف وصلت إلى ذلك المكان في المدينة الأخرى؟
أسئلة تترد ولا يعرف لها جوابا.
وصل الرجل إلى القسم وتلقى الخبر من الضابط.
عظم الله أجرك وأحسن عزائك.
خار الرجل، سقط على الأرض، لم تنقله قدماه، رمى غترته، شق ثوبه.
لكن ما الفائدة.
أخذ يردد بصوت يسمعه الجميع:
(ليس للمرأة إلا بيتها).
يا ليت الآباء المفرطين يسمعون صرخته.
ويا ليت الفتيات العابثات والشباب العابث يسمعون هذه القصة بعد ما صموا آذانهم عن قول الله - عز وجل - الأعلم بحال عبادة:
(وقرن في بيوتكن).
أخي الشاب، أختي الشابة
لو كشف ستار الغيب للضحيتين، هذا الشاب وتلك البنت وعلما أنها ستكون نهايتهما تلك النهاية المأساوية.
هل يقدمان على هذه الجريمة؟
الإجابة معروفة……لا.
طيب هل تستطيع أيها الشاب أن تضمن نفسك؟
أليس من الواجب على الفتاة وعلى الفتى الذين أسكرتهم الشهوات أن يحذروا هذا المصير؟
إن المريض إذا أغمي عليه يصعق بماس كهربائي ليعود له وعيه، كذلك أيها الأخوة إن هذه الأحداث تمثل صعقات كهربائية إيمانية تحي القلوب الغافلة.
(لقد كان في قصصهم عبرة).
إن هذا الأب صاحب القلب الحنون، هل كان يخطر في باله وهو يوصل بنته إلى الجامعة في كل يوم أنه إنما يوصلها إلى عشيقها وحبيبها؟
هل كان يفكر؟ …..لا.
لكن ما لذي جعله؟
الثقة المفرطة، الغفلة، عدم التربية الإيمانية أوصلت إلى ما أوصلت.
أجل لماذا أيها الأخوة؟ لماذا الثقة المفرطة؟
هل هن ملائكة؟
نحن لا نقول ننزع الثقة من البنات ولكن ندعو إلى التنبه والمراقبة والمتابعة والتربية الإيمانية وأعطيتها جزء من الثقة وتابعتها طيب.
إنما تتربى على البعد عن الله، تسهر طول الليل على الدش وتعطيها ثقة.
تضعها بجوار النار وتقول لا تشتعلي.
من المستحيل أيها الأخوة.
تذكروا أيها الآباء عظم المسؤولية أمام الله - سبحانه و تعالى -.
الله - تعالى - يقول: (وقفوهم إنهم مسؤولون).
والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع).
يا ترى من جلب لأبنائه الدش هل ضيع أم حفظ رعيته؟
هل ضيع الأمانة التي استودعه الله - عز وجل - إياها؟ نعم والله.
من ترك أبناءه وبناته في تربية هذه الأفلام والمسلسلات، لقد ضيعها والله.
يقول - عليه الصلاة والسلام - في صحيح مسلم: (ما من مسلم يموت وقد استرعاه الله رعية، يموت حين يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه رائحة الجنة).
ويزيد الأمر خطورة حين تعلم أخي أن عالما من علماء المسلمين وصرحا من صروحهم وهو سماحة الوالد الشيخ محمد ابن عثيمين - رحمه الله - يقرر:
أن من يجلب الدش لإبناءه فقد غش رعيته وأنه يخشى أن يشمله الوعيد في هذا الحديث والعياذ بالله.
فكيف تفرط بالجنة وتعرض عنها بعرض زائل من الدنيا؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد