إلى شاب يطلب النصيحة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحمد لله وحده.. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، - صلى الله عليه وسلم -..

 

أخي الحبيب:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

 

فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.. وأسأله  - سبحانه - أن يشرح صدري وصدرك للإسلام، وأن يجعلنا هداة مهديين، وأن يوفقنا لطاعته ويلحقنا بالصالحين.

 

أخي الحبيب: أَرعِني سمعك، وأَقبِل علىَّ بقلبك، واشحَذ لما تسمع همتك، واجمع أحاسيسك ومشاعرك فإن الأمر عظيم، والخطب جسيم.

 

 نصيحة غالية..

فأول ما أرشدك إليه إجمالاً ـ وقبل الخوض في التفاصيل ـ أن تتعود كلما نزلت بك نازلة، أو اعتراك همُّ، أو اعترضتك مشكلة ـ أن تتعود إنزال حاجتك بالله، والاستعانة به، والتوكل عليه، فهو - سبحانه - على كل شيء قدير.. يكشف الضر، ويجيب دعوة المضطر، ومع التوكل والاستعانة احرص على الدعاء كذلك: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (البقرة: من الآية186) وقد علَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - علياً - رضي الله عنه - هذا الدعاء ـ وكان شاباً مثلك ـ فقال له: قل: [اللهم إني أسألك الهدى والسداد] فاحفظ هذا واستعمله في دعائك.. وقل أيضاً ما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته:

[اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري.. وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي.. وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر].

 

الإنسان روح وجسد..

ثم اعلم أن الإنسان: \"روح وجسد\".. ولكل منهما حق لا ينبغي التقصير في أدائه.. وإنما تكون السعادة في الدنيا والآخرة بالتوازن بين حاجات الجسد وحاجات الروح.. والإسلام دائماً يأمرنا بالتوازن في كل الأمور فهو دين الوسطية بين الإفراط والغلو، وبين التفريط والتقصير..

 

وكما أن الإنسان ليس له أن يهمل حاجات الجسد حتى لا يأخذه الضعف والخور، والسآمة والملل.. فليس له كذلك أن يهمل حاجات الروح حتى لا يصير كالبهيمة وبالتالي يفقد أسباب تكريمه وتفضيله كما قال - تعالى -: {وَلَقَد كَرَّمنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلنَاهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ, مِمَّن خَلَقنَا تَفضِيلاً} (الإسراء:70).

 

 إن لبدنك عليك حقاً..

نعم.. ليس للإنسان أن يهمل حاجات الجسد، ولو كان السبب المبالغة في التعبد استجابة لحاجات الروح.. وقد فعل ذلك أبو الدرداء الصحابي - رضي الله عنه- حتى أغفل القيام بحاجة أهله وأضر بنفسه، فشكته زوجته وكان توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - له: [إن لبدنك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً …] وفعل ذلك عبد الله بن عمرو بن العاص فكان يصوم دائماً ولا يفطر أبداً، وكان يختم القرآن كل يوم، فشكته امرأته، فنهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له: اختم القرآن كل شهر، وأمره أن يصوم الاثنين والخميس.. ولعلك تذكر حديث الثلاثة نفر الذين أرادوا أن يشددوا على أنفسهم في العبادة حتى أهملوا أجسامهم، فقال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثاني: أنا أقوم الليل ولا أنام، وقال الثالث: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، وفي رواية قال: وأنا لا آكل اللحم، فيوازن بين حاجة الجسم وحاجة الروح.. ثم قال منكراً عليهم في آخر الحديث: [فمن رغب عن سنتي فليس مني].

 

وإن لروحك عليك حقاً..

وكذلك ـ يرحمك الله ـ فإنه ليس للإنسان أن يهمل حاجات الروح بسبب انشغاله بحاجة الجسد، من مطاعم ومشارب وملاهٍ, وملاعب وغير ذلك من شهوات الجسم التي سرعان ما تنقضي.. وقد ذم الله - تعالى - ذلك وجعله من صفات الكافرين: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأكُلُونَ كَمَا تَأكُلُ الأَنعَامُ وَالنَّارُ مَثوىً لَهُم} (محمد: من الآية12) وقال - سبحانه - فيمن غلب حاجات الجسد: {أَم تَحسَبُ أَنَّ أَكثَرَهُم يَسمَعُونَ أَو يَعقِلُونَ إِن هُم إِلَّا كَالأَنعَامِ بَل هُم أَضَلٌّ سَبِيلاً} (الفرقان:44) فما أقبحه من تشبيه لو عقله المنهمكون في شهوات الدنيا! {أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ} (لأعراف: من الآية179).

 

حاجات الروح..

ولعلك الآن تسألني عن حاجات الروح والجسد حتى تنظر في أمرك.. فاسمع يسر الله أمرك وشرح للإسلام صدرك، فأما حاجة الروح فقد جمعها الله - عز وجل- في كلمة واحدة: {قَد أَفلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا} (الشمس: 9-10) وذلك حين أقسم بالروح وخالقها {وَنَفسٍ, وَمَا سَوَّاهَا}(الشمس:7) وبين أنه أرشدها إلى طريق الخير والشر {فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا} (الشمس:8) ثم ذكر حاجة النفس ـ أي الروح ـ: {قَد أَفلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا}.

 

أي قد أفلح من زكى روحه بطاعة الله، وذلك بالتحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، وإن لم يفعل خاب وخسر، وإنما تكون طهارة الروح بمجموع ثلاثة أشياء رئيسية:

أولها: العلم النافع.. لأنه أعظم أسباب الخشية: {إِنَّمَا يَخشَى الله َ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ}(فاطر: من الآية28).

 

وثانيهما: العمل الصالح.. لأنه سبيل سعادة الدنيا والآخرة، قال - تعالى -: {مَن عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ, أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [أي في الدنيا] وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ}(النحل:97) [أي في الآخرة].

 

ثالثهما: التفكر في خلق الله.. والتأمل في نعمه وآلائه التي أبدعها في النفس وفي الكون.. فهذا يثمر الإيمان واليقين كما في قوله - تعالى -: {إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ, لِأُولِي الأَلبَابِ * الَّذِينَ يَذكُرُونَ الله َ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ} (سورة آل عمران: 90-91).!

 

وحسبك هذه الآية الجامعة: {أَلا بِذِكرِ الله ِ تَطمَئِنٌّ القُلُوبُ} (الرعد: من الآية28).

 

حاجات الجسد..

وأما حاجة الجسد فيحتاج إلى إشباع الدوافع الغريزية التي خلقها الله - عز وجل - في كل إنسان كالحاجة إلى الهواء والطعام والشراب.. فإذا بلغ سن المراهقة زادت حاجات أخرى غريزية منها الشهوة للنكاح ولهذا يسمى الولد\"غلاماً\" لإحساسه بالغلمة وهي الشهوة.

 

موقف الإسلام من الشهوة..

ومن أجل ذلك كانت مرحلة المراهقة مرحلة المشاكل بالنسبة للشباب بسبب الميل الغريزي إلى الجنس الآخر، والحاجة إلى الارتباط العاطفي والرغبة في تصريف الشهوة.. وغير ذلك من الحاجات الغريزية الفطرية التي يحتاج الإنسان إلى إشباعها.. فكيف كان موقف الإسلام منها؟!.

 

إن الإسلام لم ينكر هذه الحاجات الفطرية، بل نظمها وجعل لها حدوداً وقيوداً، وحلالاً وحراماً، بحيث تحقق مصالح الشاب وتستجيب لدوافعه، ولا تضر ـ في نفس الوقت ـ بدينه وعفافه، وصحته وشبابه، حفاظاً على المجتمع من الانحراف وحماية له من الفساد.

 

الإسلام دين الوسطية..

فجاء تشريع الإسلام بين رهبانية النصارى ـ الذين حرفوا شرعهم ـ وإباحية الغربيين ـ الذين لا دين يحكمهم ولا شريعة تنظمهم ـ فلم يمنع تصريف الشهوة مطلقاً ويخالف الفطرة كرهبانية النصارى، بل أنكر ذلك عليهم بقوله - تعالى -: {وَرَهبَانِيَّةً ابتَدَعُوهَا مَا كَتَبنَاهَا عَلَيهِم} (الحديد: من الآية27) ولا فتح الباب على مصراعيه أمام الاختلاط الماجن والشهوات الأثيمة كما هو حال الإباحيين من الغربيين العلمانيين [ومن يقلدهم ممن ينتسبون إلى الإسلام في بلادنا!] الذين لا يمتنعون عن تصريف شهواتهم كيفما أرادوا على حسب أهوائهم وشياطينهم.

 

علاج المشكلة..

نعم كان الإسلام وسطاً بين الرهبانية والإباحية، لم يمنع الشهوة مطلقاً ولا أباحها مطلقاً.. وإنما نظمها بمشروعية الزواج. قال - تعالى - في معرض امتنانه على عباده بمشروعية الزواج وأنه الوسيلة الصحيحة للاستجابة للدوافع الغريزية وتحقيق السكن والمودة والرحمة: {وَمِن آيَاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزوَاجاً لِتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَوَدَّةً وَرَحمَةً} (الروم: من الآية21) في حين حرم الزنا بقوله: {وَلا تَقرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} (الإسراء:32) ولعلك تفهم من قوله - تعالى -: {لَا تَقرَبُوا} بدل أن يقول [لا تزنوا] أن كل دواعي الزنا محرمة: كالنظر إلى المرأة الأجنبية والخلوة بها، وخروج المرأة متعطرة أو متبرجة، وسفرها بغير محرم.. إلخ هذه التشريعات التي تضمن سلامة المجتمع، وتحفظ العرض والدين.

 

وإذن فالسبيل المشروع لتصريف الشهوة وتحصيل معاني السكن والمودة والرحمة يكمن في وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - للشباب من أمثالك بقوله: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج [الباءة: أسباب القدرة على الزواج] فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).

 

كل آت قريب..!

ولعلك تسأل مرة ثانية: وأين أنا من الزواج يا أستاذ؟! وما زلت طالباً في بيت أبي وأمي!!

فاعلم أن مرور الأيام والليالي أسرع شيء في الدنيا! أولا تذكر أنك كنت بالأمس في المرحلة الابتدائية؟! بل كنت طفلاً رضيعاً!! ثم صرت شاباً في المرحلة الإعدادية ثم الثانوية.

 

وها أنت في الجامعة.. وما هي إلا أيام قلائل ـ تقضيها في الطاعة إن شاء الله ـ ونراك تؤسس بيتاً على الإيمان والتقوى، وتسعد بالزوجة الصالحة التي تعينك على الطاعة ـ وتعينها ـ وتقطعان معاً طريق الدنيا الفانية القصيرة إلى جنة الخلود.. حيث تطيب اللذات ويدوم النعيم.

 

فإلى أن تتيسر لك أسباب الزواج، بعد أن تواصل دراستك بنجاح وتفوق، وتكبر وتنضج، وتصبح قادراً على كفاية نفسك، وتحمل التبعات والمسؤوليات، فإني أوصيك بجملة من الوصايا تعينك على قطع هذه المرحلة التي تعيشها والخروج منها بسلام:

 

الوصية الأولى: الصوم..

فإنه بديل عن الزواج كما أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - الشباب في الحديث السابق.. [.... ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء] أي قاطع للشهوة.. وذلك أن الصوم يضيق مجاري الشيطان، ويجلب عون الرحمن، ويعود المجاهدة.

 

الوصية الثانية: غض البصر..

فإن النظرة المحرمة سهم مسموم من سهام إبليس يفسد بها قلب المؤمن.. ولذا قال - تعالى -: {قُل لِلمُؤمِنِينَ يَغُضٌّوا مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم} (النور: من الآية30) ووصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَن نَظَرَ فجأة من غير قصد فقال: [اصرف بصرك] وذلك لأن النظرة المحرمة شعبة من شعب الزنا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [.... والعين تزني وزناها النظر..]

 

الوصية الثالثة: صحبة الصالحين..

فإن الطبع يسرق، والطيور على أشكالها تقع، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل] وقال أيضاً: [لا تصاحب إلا مؤمناً..] لأن المؤمنين كما وصفهم الله - تعالى -: {يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله َ وَرَسُولَهُ} (التوبة: من الآية71) وسبحان الله! إن الكلب لما صحب الفتية الصالحين ـ أصحاب الكهف ـ انتفع بصحبتهم، حيث خلد الله ذكره في القرآن وأضافه إليهم: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُم كَلبُهُم}(الكهف: من الآية22).

 

الوصية الرابعة: عمارة الأوقات بالطاعات..

فإن رأس مال المسلم وقته، فاحرص على أن تكون في طاعة الله دائماً، تتابع حفظ القرآن، وتجتهد في العمل به، وفي قيام الليل وصلاة الضحى، وتحرص على صلاة الجماعة في المسجد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتكثر من ذكر الله.. رجاء أن تكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم: [شاب نشأ في عبادة الله] كما جاء في حديث نبيك المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.

 

الوصية الخامسة: الرياضة النافعة..

فإنها من أنفع ما تتوجه إليه طاقة الشباب خاصة إذا نوى بها التقوِّى على الطاعة والعبادة، والاستعداد للجهاد وإعزاز الدين، واستعادة أمجاد المسلمين، فاحرص على تنمية لياقتك البدنية من خلال ممارسة الرياضات النافعة كألعاب القوى من جري ووثب ونحوهما، وتعلم السباحة والرماية...... الخ هذه الرياضات المفيدة.. وتذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: [المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف].

 

الوصية السادسة: كن متفائلاً..

فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب الفأل، كما كان ينهي عن التشاؤم.. وهكذا المؤمن يحسن الظن بالله، ويتوكل على الله، ويستعين على متاعب الحياة بالله، ويطلب تفريج الكرب من الله، وينتظر فرج الله القريب موقناً أنه آت لا محالة، لأن الله حكيم خبير، عزيز قدير، إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.

 

الوصية السابعة: اختر لنفسك قدوة..

فإن الإنسان مجبول على تقليد المثل الأعلى والتأسي به، ولذا جعل الله - تعالى - للمسلمين القدوة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ الله ِ أُسوَةٌ حَسَنَة} (الأحزاب:21) فتأسى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم- في علمهم وعملهم، في خشيتهم وورعهم، في جهادهم وبذلهم.. وليكن لك أسوة كذلك فيمن حولك من إخوانك وأصحابك الصالحين، أو أساتذتك المربين، أو العلماء العاملين، والمجاهدين الصادقين، فإنك لن تزال في زيادة في دينك، وعلو في همتك..

 

الوصية الثامنة: تذكر حقيقة الدنيا وسرعة زوالها..

فإن من تأمل حقيقة الدنيا، وأنها كما قال - تعالى -: {لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ فِي الأَموَالِ وَالأَولادِ} (الحديد: من الآية20) ثم قارنها بالآخرة واستحضر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: [ما الدنيا في الآخرة إلى كمثل ما يضع أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع!] فكيف إذا استحضر كذلك الموت وسكراته، والقبر وضمته وما فيه من عذاب أو نعيم، والبعث والحشر، والحساب والجزاء والعرض على الجبار، ثم الجنة والنار.. إنها أمور توجب اليقظة والحرص، والاجتهاد والتشمير..

 

الوصية التاسعة: دوام مراقبة الله..

فإن المؤمن دائماً يراجع نفسه لماذا فعلت كذا؟! وماذا قصدت بكذا؟ وهلا فعلت كذا، وهل هذا مما يرضى الله، ويجلب الحسنات فأفعله، أم يغضبه - سبحانه - ويجلب السيئات فأتركه.. فاحرص أن يراك الله حيث أمرك، وأن يفقدك حيث نهاك، وليكن واعظ الله في قلبك أقوى من داعي الهوى، ولمَّة المَلَكِ أقوى من لمة الشيطان، وهكذا المؤمن دائماً..

 

الوصية العاشرة: أكثر من ذكر الله - تعالى -

فإن القلوب تصدأ وتقسو، وتتملكها الغفلة في كثير من الأحيان، حتى يضيق صدر الإنسان ويحس بالشقاء، وقد جعل الله المخرج من كل هذا بذكر الله: {أَلا بِذِكرِ الله ِ تَطمَئِنٌّ القُلُوبُ} (الرعد: من الآية 28) وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعدون له في المجلس الواحد: [رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم] مائة مرة، فالذكر هو العبادة التي ليس لها حد ولا مقدار، ولهذا قال - تعالى -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللهَ ذِكراً كَثِيراً} (الأحزاب:41).

 

أيها الحبيب.. لعلك تعلم إشفاقي عليك، ومحبتي لك، ورغبتي أن أراك سعيداً في الدنيا والآخرة.. وهذا ما يدفعني أن أردف هذه الوصايا بمثلها من المحاذير، لعلي أكون قد أديت واجبي نحوك.. والله يعلم أنني كما قال شعيب - صلى الله عليه وسلم -: {إِن أُرِيدُ إِلَّا الأِصلاحَ مَا استَطَعتُ وَمَا تَوفِيقِي إِلَّا بِالله ِ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ} (هود: من الآية88). فاحذر رحمك الله:

 

1- احذر الفراغ..

فإنه بوابة الشر، ومدخل الوسوسة والأفكار الرديئة.. ولذا قال الشاعر:

 

إن الشباب والفراغ والجِدَه               مفسدة للمرء أيٌّ مفسده

 

فمهما وجدت فراغاً، فأشغله قبل أن يشغلك! أشغله بقراءة القرآن أو بمطالعة مفيدة، أو رياضة مثمرة أو صلة رحم أو سعي في حاجة والديك، المهم ألا تكون ممن قال الله فيهم ـ بسبب الفراغ ـ {استَحوَذَ عَلَيهِمُ الشَّيطَانُ فَأَنسَاهُم ذِكرَ الله ِ} (المجادلة: من الآية19).

 

2- احذر صديق السوء..

فقد شبهه النبي - صلى الله عليه وسلم - بنافخ الكير الذي يحرق ثيابك، ويؤذيك بخبث ريحه، ففر منه فرارك من الأسد أو أشد، وتذكر دائماً تصوير القرآن للندم الذي يحس به، مَن يصاحب الأشرار يوم القيامة قال - تعالى-:{وَيَومَ يَعَضٌّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيهِ يَقُولُ يَا لَيتَنِي اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيلَتَى لَيتَنِي لَم أَتَّخِذ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَد أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكرِ بَعدَ إِذ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً} (الفرقان:27-29).

 

3- احذر التلفاز..

هذا الجهاز الخبيث يهدم الفضيلة، وينشر الرذيلة، ويخدش الحياء، ويفسد الأخلاق ويدمر القيم، ويحارب الله ورسوله، ولا تتعلل بأن فيه بعض البرامج المفيدة، فقد حرم الله الخمر والميسر لأن إثمهما غلب على نفعهما: {يَسأَلونَكَ عَنِ الخَمرِ وَالمَيسِرِ قُل فِيهِمَا إِثمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثمُهُمَا أَكبَرُ مِن نَفعِهِمَا} (البقرة: من الآية 219).

 

احذر المجلات الهابطة.. فإنها تفسد الدين بما تنشره من صور قبيحة مدمرة، وقصص منحرفة فاجرة، وملاحقة أخبار الساقطين والمفسدين من الفاسقين والكافرين، وإشاعة أخبارهم التي تمتلئ بالفاحشة، والله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ} (النور: من الآية19).

 

4- احذر سماع الغناء..

فإنه لا يجتمع في قلب المؤمن أبداً: كلام الشيطان وكلام الرحمن! أما كلام الرحمن فقد سماه الله أحسن الحديث: {الله ُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقشَعِرٌّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم..} (الزمر: من الآية23)، وأما كلام الشيطان فقد سماه الله لهو الحديث وتوعد عليه بالعذاب الحثيث: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشتَرِي لَهوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله ِ بِغَيرِ عِلمٍ, وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ مُهِينٌ} (لقمان:6). قال ابن مسعود في تفسير الآيات والله الذي لا إله إلا هو: إنه الغناء. يرددها ثلاث مرات! ولهذا قال بعض السلف: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل.

 

5- احذر تضييع صلاة الجماعة..

فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعمى الذي يسمع النداء: [لا أجد لك رخصة!] يعني في التخلف عن الجماعة، وقال ابن مسعود - رضى الله عنه -:\"ولقد رأيتُنا ـ يعني في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وما يتخلف عنها ـ أي عن الجماعة ـ إلا منافق معلوم النفاق! \"فهل ترضى أن تكون من المنافقين؟ أُعيذك بالله من ذلك، وأرجو أن تكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم: [رجل قلبه معلق بالمساجد!].

 

6- احذر هجر القرآن..

لا تهجر حفظه، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب] ولا تهجر قراءته، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [مثل الذي يقرأ القرآن والذي لا يقرأ القرآن مثل الحي والميت]. ولا تهجر العمل به، قال - تعالى -: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلٌّ وَلا يَشقَى * وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعمَى} (طـه:123-124). قال ابن عباس في تفسيرها: \"تكفل الله لمن عمل بالقرآن ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة\". وأما من يهجره في شيء مما تقدم فسوف يكون خصماً للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة! ألم تقرأ قوله - تعالى -: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَومِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهجُوراً} (الفرقان:30).

 

6- احذر عقوق الوالدين..

لأنه من المعاصي التي يعجِّل الله عقوبتها في الدنيا، وأهل العقوق كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم] وذلك لأن الوالدين باب مفتوح إلى الجنة لا يضيعه إلا أحمق، وحسبك تأمين النبي - صلى الله عليه وسلم - على دعاء جبريل على العاق في قوله في الحديث الشريف: [من أدرك أبويه أو أحدهما ثم لم يغفر له فأبعده الله] أي طرده من رحمته.

 

7- احذر تضييع العمل في التسويف..

فإن أهل النار لا يشتكون من شيء أكثر مما يشتكون من كلمة \"سوف\" ! سوف أصلي، سوف أصوم، سوف أمتنع عن المعاصي، سوف أهتدي، سوف أتوب.. وهكذا حتى ينتهي الأجل..! ولله در القائل:

 

إذا كان يؤذيك حرٌّ المصيف               ويُبسُ الخريــــف وبردُ الشتا

 

ويُلهيك حسنُ زمان الربيع              فأخذُك للعلم قل لي: متى؟

 

8- احذر تقليد الكفار..

فقد نهانا الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عن تقليدهم والتشبه بهم: قال - تعالى -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُم أَولِيَاءَ تُلقُونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ وَقَد كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِنَ الحَقِّ} (الممتحنة: من الآية1) وأخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن: [من تشبه بقوم فهو منهم] و [من أحب قوماً حُشر معهم]. فاحذر تقليدهم في عاداتهم، ولباسهم، ومنهج حياتهم، واحذر الثناء عليهم، والافتتان بحضارتهم المزعومة، والتأسي بهم،.. وكن عزيزاً بدينك.. {وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَعلَمُونَ} (المنافقون: من الآية8).

 

وبعد.. فهذه نصيحتي إليك دفعني إليها محبتك، فو الله إني لأحبك، وأحب لك من الخير ما أحب لنفسي.. كما دفعني إليها أداء الأمانة التي كلفنا الله بها [فالدين النصيحة] وعسى أن تتقبلها بقبول حسن، وهذا ظني بك.. ومثلك من عرف الحق فلزمه، وأبصر طريق الاستقامة فالتزمه.

 

أسأل الله - تعالى - أن يشرح للإسلام صدرك، وأن يجعلك ذخراً لوالديك ولأمتك وأن أراك غداً من العلماء العاملين، والدعاة المخلصين، والمجاهدين الصادقين.. وهذا طريق العز في الدنيا والآخرة.

 

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply