وبالشكر تدوم النعم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال الله تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم \"ابراهيم: 7\" وقال تعالى: اعملوا آل داود شكراً \"سبأ: 13\"·

تعريف الشكر:

الشكر هو فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث انه منعم على الشاكر أو غيره وحقيقة الشكر: الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع أي الاستكانة والتذلل· ويقال ايضاً حقيقة الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه إليه·

أقسام الشكر: وينقسم الشكر إلى ثلاثة أقسام: الأول شكر باللسان وهو اعترافه بالنعمة بنعت الاستكانة والخضوع· والثاني: شكر بالبدن والأركان وهو اتصاف العبد بالوفاء والخدمة للمشكور· والثالث: شكر بالقلب وهو اعتكاف من الشاكر على بساط الشهود أي حضور الفضل ورؤيته بادامة حفظ الحرمة ويتحقق ذلك بالاستقامة في سائر الأحوال·

شكر النبي صلى الله عليه وسلم :

أخرج البخاري عن عطاء قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها مع عبيد بن عمير فقلت: اخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم · فبكت وقالت: وأي شأنه لم يكن عجباً إنه أتاني في ليلة فدخل معي في فراشي أو قالت في لحافي حتى مس جلده جلدي ثم قال: \"يا بنت أبي بكر ذريني أتعبد لربي قالت: قلت: إني أحب قربك· فأذنت له فقام إلى قربة من ماء فتوضأ فأكثر صب الماء ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره ثم ركع فبكى ثم سجد فبكى ثم رفع رأسه فبكى فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة فقلت له: يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: \"أفلا أكون عبداً شكوراً\"·

قال الشيخ زكريا بن محمد الأنصاري في تفسير قول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنهما \"ثم قام يصلي فبكى\": إنما وقع له ذلك في الصلاة لأنها طهرة للقلوب واستفتاح للغيوب ومحل للمناجاة ومعدن للمصافاة تتسع فيها ميادين الأسرار وتشرق فيها شوارق الأنوار بإفاضة دقائق العلوم ورقائق المعارف فيجد المصلي في كل سورة معنى بل من كل آية بل من كل حرف ويتجدد ذلك عليه حسب الفيض والقصد والهمة، فهي الجامعة للإشارات واللطائف والدقائق والرقائق فيسري ذلك من القلب إلى سائر الجوارح والقوالب فيظهر عليها سمت الباطن ونور العمل وأسراره·

معرفة قدر النعمة بوجودها قبل فقدها:

قال الله تعالى: كذلك نجزي من شكر \"القمر: 35\" وقال تعالى: ومن شكر فإنما يشكر لنفسه \"النمل: 40\"·

فعلى المؤمن أن يشكر الله تعالى على نعمه ليزيده الله تعالى من فضله وعليه أن يعرف قدر هذه النعم بوجدانها قبل أن يعرفها بوجود فقدانها· فإن أكثر الناس لا يعرفون قدر النعم إلا إذا فقدوها وذلك لأجل غلبة الغفلة عليهم حين وجودها عندهم· وقال السري السقطي وهو من علماء السلف الصالح: \"من لم يعرف قدر النعم سلبها من حيث لا يعلم، وقال الفضيل بن عياض رضي الله عنه: \"عليكم بمداومة الشكر على النعم فقل نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم\"· ومن دعاء بعض الصالحين: \"اللهم عرفنا نعمتك بدوامها ولا تعرفها لنا بزوالها\"· قال الشيخ احمد بن عباد النفري: ولأجل غلبة الجهل بالنعم إلا عند الفقد وتضييع الشكر عليها من العبد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى من هو أسفل منا لئلا نزدري نعمة الله علينا والسعيد من وعظ بغيره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه أبو هريرة رضي الله عنه: \"انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم\"· (أخرجه الترمذي 58 وأحمد بن حنبل، 254، 482)·

ولتعلم أخي المسلم أن الشكر: \"من أفضل المقامات وأحسن الطاعات من حيث إنه متضمن للفرح بالله تعالى وموجب لمحبته، والشاكر يرى المنن في طي المحن فيتلقى المهالك بوجه ضاحك لأنه لا يكون شاكراً حقيقة حتى يشكر في السراء والضراء ولا يشكر في الضراء حتى يراها سراء باعتبار ما يواجه به في حال الضراء من الفتوحات القلبية والمواهب اللدنية فتنقلب النقمة نعمة\"· (البحر المديد في تفسير القرآن المجيد 357/3)·

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply