بسم الله الرحمن الرحيم
المطلب الأول
أشجارها وثمارها كثيرة متنوعة دائمة
أشجار الجنة كثيرة طيبة متنوعة، وقد أخبرنا الحق أن في الجنة أشجار العنب والنخل والرمان، كما فيها أشجار السدر والطلح، (إن للمتقين مفازاً * حدائق وأعناباً) [النبأ: 31-32]، (فيها فاكهة ونخل ورمان) [الرحمن: 68]، (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين* في سدر مخضود *وطلح منضود * وظل ممدود * وماء مسكوب * وفاكهة كثيرة) [الواقعة: 27-32]، و السدر هو شجر النبق الشائك، ولكنه في الجنة مخضود شوكه، أي منزوع. والطلح: شجر من شجر الحجاز من نوع العضاه فيه شوك، ولكنه في الجنة منضود معد للتناول بلا كد ولا مشقة.
وهذا الذي ذكره القرآن من أشجار الجنان شيء قليل مما تحويه تلك الجنان، ولذا قال الحق: (فيهما من كل فاكهة زوجان) [الرحمن: 52]، ولكثرتها فإن أهلها يدعون منها بما يريدون، ويتخيرون منها ما يشتهون (يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب) [ص: 51]، (وفاكهة مما يتخيرون) [الواقعة: 20]، (إن المتقين في ظلال وعيون* وفواكه مما يشتهون) [المرسلات: 41-42]، وبالجملة فإن في الجنة من أنواع الثمار والنعيم كل ما تشتهيه النفوس وتلذه العيون (يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) [الزخرف: 71]. =
وقال ابن كثير كلاماً لطيفاً دلل فيه على عظيم ثمار الجنة، إذ استنتج أن الله نبه بالقليل على الكثير، والهين على العظيم عندما ذكر السدر والطلح، قال: \" وإذا كان السدر الذي في الدنيا لا يثمر إلا ثمرة ضعيفة وهو النبق، وشوكه كثير، والطلح الذي لا يراد منه في الدنيا إلا الظل، يكونان في الجنة في غاية من كثرة الثمار وحسنها، حتى إن الثمرة الواحدة منها تتفتق عن سبعين نوعاً من الطعوم، والألوان، التي يشبه بعضها بعضاً، فما ظنك بثمار الأشجار، التي تكون في الدنيا حسنة الثمار، كالتفاح، والنخل، والعنب، وغير ذلك؟ وما ظنك بأنواع الرياحين، والأزاهير؟ وبالجملة فإن فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله منها من فضله \". (1)
وأشجار الجنة دائمة العطاء، فهي ليست كأشجار الدنيا تعطي في وقت دون وقت، وفصل دون فصل، بل هي دائمة الإثمار والظلال (مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها) [الرعد: 35] (وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة) [الواقعة: 32-33]. أي دائمة مستمرة، وهي مع دوامها لا يمنع عنها أهل الجنة. ومن لطائف ما يجده أهل الجنة عندما تأتيهم ثمارها أنهم يجدونها تتشابه في المظهر، ولكنها تختلف في المخبر، (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا به من قبل وأتوا به متشابهاً) [البقرة: 25].
وأشجار الجنة ذات فروع وأغصان باسقة نامية (ولمن خاف مقام ربه جنتان * فبأي آلاء ربكما تكذبان * ذواتا أفنان) [الرحمن: 46-48]، وهي شديدة الخضرة: (ومن دونهما جنتان * فبأي آلاء ربكما تكذبان* مدهامتان) [الرحمن: 62-64]، ولا توصف الجنة بأنها مدهامة إلا إذا كانت أشجارها مائلة إلى السواد من شدة خضرتها، واشتباك أشجارها.
أما ثمار تلك الأشجار فإنها قريبة دانية مذللة ينالها أهل الجنة بيسر وسهولة، (متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان) [الرحمن: 54]، (وذللت قطوفها تذليلاً) [الإنسان: 14].
أما ظلها فكما قال - تعالى -: (وندخلهم ظلاً ظليلاً) [النساء: 57]، و (وظل ممدود) [الواقعة: 30]، (إن المتقين في ظلال وعيون) [المرسلات: 41].
المطلب الثاني:
وصف بعض شجر الجنة
حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن بعض شجر الجنة حديثاً عجباً ينبيك عن خلق بديع هائل يسبح الخيال في تقديره والتعرف عليه طويلاً، ونحن نسوق لك بعض ما حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - به.
1- الشجرة التي يسير الراكب في ظلها مائة عام:
هذه شجرة هائلة لا يقدر قدرها إلا الذي خلقها، وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - عظم هذه الشجرة بأن أخبر أن الراكب لفرس من الخيل التي تعد للسباق يحتاج إلى مائة عام حتى يقطعها إذا سار بأقصى ما يمكنه، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: \" إن في الجنة لشجرة (2) يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام وما يقطعها \". (3)
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة، واقرؤوا إن شئتم: (وظل ممدود) [الواقعة: 30] \". (4)
ورواه مسلم عن أبي هريرة وسهل بن سعد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \" إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها \". (5)
2- سدرة المنتهى:
وهذه الشجرة ذكرها الحق في محكم التنزيل، وأخبر الحق أن رسولنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها عندها، وأن هذه الشجرة عند جنة المأوى، كما أعلمنا أنه قد غشيها ما غشيها مما لا يعلمه إلا الله عندما رآها الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ولقد رآها نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى* ما زاغ البصر وما طغى) [النجم: 13-17].
وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الشجرة بشيء مما رآه \" ثم رفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. قال: (أي جبريل) هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار، نهران باطنان، ونهران ظاهران، قلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات \". رواه البخاري ومسلم. (6)
وفي الصحيحين أيضاً: \" ثم انطلق بي حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، ونبقها مثل قلال هجر، وورقها مثل آذان الفيلة، تكاد الورقة تغطي هذه الأمة، فغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك \". (7)
3- شجرة طوبى:
وهذه شجرة عظيمة كبيرة تصنع ثياب أهل الجنة، ففي مسند أحمد، وتفسير ابن جرير، وصحيح ابن حبان عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \" طوبى شجرة في الجنة، مسيرة مائة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها \". (8)
وقد دل على أن ثياب أهل الجنة تشقق عنها ثمار الجنة الحديث الذي يرويه أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أخبرنا عن ثياب أهل الجنة خلقاً تخلق، أمن نسجاً تنسج؟ فضحك بعض القوم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" ومم تضحكون، من جاهل سأل عالماً؟ ثم أكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: أين السائل؟ قال: هو ذا أنا يا رسول الله، قال: \" لا بل تشقق عنها ثمر الجنة، ثلاث مرات \". (9)
المطلب الثالث :
سيد ريحان الجنة
أخبرنا الله أن في الجنة ريحاناً (فأما إن كان من المقربين* فروح وريحان وجنة نعيم) [الواقعة: 88-89]، وأخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن سيد ريحان أهل الجنة الحناء، ففي معجم الطبراني الكبير بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" سيد ريحان الجنة الحناء \". (10)
المطلب الرابع:
سيقان أشجار الجنة من ذهب
ومن عجب ما أخبرنا به الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن سيقان أشجار الجنة من ذهب، ففي سنن الترمذي، وصحيح ابن حبان، سنن البيهقي، بإسناد صحيح، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \" ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب \". (11)
المطلب الخامس:
كيف يكثر المؤمن حظه من أشجار الجنة؟
طلب خليل الرحمن أبو الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - من نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في ليلة الإسراء أن يبلغ أمته السلام وأن يخبرهم بالطريقة التي يستطيعون بها تكثير حظهم من أشجار الجنة، فقد روى الترمذي بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك أن الجنة أرض طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر \". (12)
----------------
(1) النهاية لابن كثير: (2/262).
(2) في صحيح مسلم: شجرة.
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة، فتح الباري: (11/416)، ورواه مسلم في كتاب الجنة باب إن في الجنة شجرة: (2/2176)، ورقم الحديث: 2828.
(4) رواه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة، فتح الباري: (6/319).
(5) رواه مسلم في كتاب الجنة، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام (2/2175)، ورقم الحديث: 2826، 2827.
(6) صحيح الجامع الصغير: (3/18)، ورقمة: 2861، وعزاه إلى البخاري ومسلم وأحمد والترمذي.
(7) صحيح الجامع الصغير: (4/82)، وعزاه إلى البخاري ومسلم ورقمه: 4075.
(8) سلسلة الأحاديث الصحيحة: (4/639)، ورقم الحديث: 1985، والحديث إسناده حسن.
(9) المصدر السابق: (4/640).
(10) سلسلة الأحاديث الصحيحة: (3/407)، ورقمه: 1420.
(11) صحيح الجامع الصغير: (5/150)، قال ابن كثير في النهاية: (2/254)، رواه الترمذي: وقال: حسن صحيح.
(12) صحيح الجامع الصغير:(5/34)، ورقم الحديث: 5028.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد