مدمن تائب


بسم الله الرحمن الرحيم

 

هذه أخي القارئ قصة عجيبة لأحد الذين وقعوا في أفتك أنواع المخدرات وأشدها خطراً (الهروين). * وقد قدم لقصته بمقدمة رائعة نبعت من أحاسيسه ومعاناته التي يشعر بها وهو يقضي مدة حكمه في السجن وإليك أخي القارئ هذه المقدمة.

 

تختلف أوضاع الزمان.. وتزهر أحلام الأيام وتذبل أوراق الليالي ويمضي العمر وكلنا ساعون نحو أجل مسمى.. فما الحياة سوى غربة يكابد فيها الإنسان ويسعى.. ويسعد فيها وربما يشقى. يعيش أيام العمر يكافح.. قد يكون غنياً أو فقيراً يعيش كما كتب في جبينه..

 

ثم لا يلبث أن يفارق الحياة الدنيا وقد عاصر فيها أنواع من التغيرات والأوضاع قد يذرف – ذلك الإنسان - الدموع لفراق عزيز إما لسفر أو لأي ظرف آخر.. وقد يبكي على حبيب عانق الثرى وتوارى فيه.. كل هذه الأنواع من البكاء تمر على كل إنسان في هذه الحياة.. ولكن هناك نوع آخر لا يمر إلا على أفراد من الناس.. ويختلف اختلافاً كبيراً عن جميع أنواع الحزن والبكاء..إنه البكاء على الذات.. عندما يبكي الإنسان على ذاته.. على نفسه.. لا يجد من يرى الدمعة.. ولا يقوى على البوح بما يختلج في صدره.. كما أنه لا يجرأ على الشكوى.. هذا هو البكاء المؤلم..الذي تفيض منه العين دموعاً حارة يضخّها ذلك القلب الأسير. فهل لمن قرأ قصتي هذه أن يعتبر فإن السعيد من وُعِظ بغيره.إن مستواي قد لا يؤهلني لصياغة قصة أدبية تليق بالمتلقي.. وإنما معاناتي قد تسد هذا الغرض وتفي بالغاية والغاية هي العبرة. وإليك أخي القارئ قصتي من بداية المأساة إلى حالتي وأنا أكتب هذه السطور. - خلال دراستي الثانوية وفي الصف الأول.. في تلك المرحلة التي يقول عنها أغلب علماء النفس إنها أخطر مراحل العمر في حياة الإنسان.. كنت أعاني من قسوة والدي وكانت قسوة شديدة.. مع أن تلك القسوة كانت لغاية معروفة وهي مصلحتي.. لكنها كانت قسوة لدرجة تفوق المعقول.. وأخيراً انفلت زمام الأمر من يد والدي..

 

بل وانفلت زمام نفسي من يدي.. وأصبحت في أيدي رفقاء السوء من ضحايا ذلك الوباء.. الذي سبقوني معرفة به.. كنت أجتمع بهم في بداية الأمر بحجة المذاكرة.. إلى أن اقترح عليّ أحدهم تناول حبة من الحبوب المنشطة وكان له تأثير مؤقت سرعان ما يزول.. وذلك التأثير يحدث إرباكاً للمخ يخرج من خلاله الإنسان إلى عالم آخر حلواً كان أو مراً.. ويقلب موازين الفكر إلى أن يتمادى الشخص وتزيد رغبته في مادة معادلة لتلك المادة من المهدئات مثل كبسولات (السيكونال (الأحمر)) لكي ينسى تلك الهموم التي يثيرها تناول المنشط عندما يعجز المتناول عن المواجهة الطبيعية التي وهبه الله إياها - وما أن يتناول المتعاطي تلك المادة المخدرة إلا ويصاب بقساوة في قلبه تثنيه عن جميع اهتماماته الدينية والدنيوية من جرّاء تأثيرها عليه.. وما يلبث ذلك التأثير للمخدر أن يزول إلا وتشتد حاجته بعد المواجهة الطبيعية للأمور والمشاكل.. والتي ربما لو أنه واجهها بشيء من الصبر ومشورة أهل الخير ولزوم الأخيار من الناس لأراح نفسه نهائياً - وبالفعل قمت بتناول مادة (السيكونال) حسب إرشادات رفقاء السوء والتعليل (أنسى وخش جو ثاني) كنت أتناولها ولم أعلم أنني أسقط نحو الحضيض بالتدريج.. إلا أنني كنت أشعر بخوف من المجهول. ولكن متى ما ضعفت الإرادة فإن ذلك يعتبر من أخطر الأمور على الشخص حقاً واسألوا مجرّب. وتزداد الأمور تعقيداً لأقع في بلاء أعظم.. فأتناول المادة المسخلصة من نبتة الخشخاش (الحشيش) فبواسطتها هربت من الواقع إلى الخيال.. لأنسى نفسي وأتناسى في غمرة النسيان مستقبلي وحياتي.. وغدي أنساه مع أمسي وقد أنساه من قبل أمسي.. حقيقة مرة.. واقع مشبع

 

بالألم.. لأني بتّ ثقيل الظل.. عالة على صديق السوء.. وفي عرف صديق السوء وأصوله يجب عليّ أن أعمل أي شيء وأكسب بأي طريق وإلا بقيت أصارع مأساتي بنفسي الموبوءة بداء المخدرات وضعف الإرادة.والغريب أن إرادتي المشلولة سارت نحو الهلاك بطريقة لو سارت بها نحو العود للطريق المستقيم لما حدث ما حدث. - لقد قبلت فكرة الترويج بلا تردد وبطريقة سريعة.. وقد ساعدني الإغراء المادي في تقبل هذه الفكرة ولقد كبرت خطوتي للسقوط في مغبة الهاوية بسبب السرعة التي وجدتها في الكسب المادي.. وبتّ أجاري صديق السوء في تحضير مادة الحشيش حتى أطلق عليّ أصدقائي اللقب العامي (أبوها). إلى أن أراد الله جلت قدرته ووقعنا في يد رجال مكافحة المخدرات..

 

لأدخل السجن ولأول مرة في حياتي.. ويا ليت ألم وحرقة دخول السجن كانت كافية في عقابي ولم أر ما حصل من أهلي وأقاربي.. لقد اتسعت مغبة السقوط لأسقط من أعين جميع الناس.. لأسقط من أعين أهلي وأقاربي للأبد - لأن مجتمعنا شديد النظرة وقلّما يغفر الخطأ أو يقبل أي عذر أو مبرر، وإنما يقابل المخطئ بالاستهجان والإنكار - كل ذلك أخي القارئ بسبب تأثير المخدرات وضعف الإرادة وغفلة الضمير.لقد أمضيت مدة السجن (سنتين) وخرجت بعدها مرة أخرى لأتجرع نظرات المجتمع ونبذ الأهل والأقارب ولم أعد أزن لديهم أي شيء.كل ذلك جعل مني أعزم على السفر إلى الخارج لأبدأ عمل شيء جديد استقيته من خلال وجودي في السجن. فهناك كما يقال (تحط اللي في راسك في رجليك).

 

حيث لا رقابة و نظرة مجتمع.. هذه هي حدود وغاية إرادتي الموبوءة - لقد تعرفت على ما هو أشد فتكاً وخطراً (الهروين) إنه أداة لتدمير الشباب وقتله غالباً في البلاد الغربية بالإضافة إلى أمراض الجنس والخوف والقلق بين أحضان البغايا اللاتي لا ترد أيديهن يد لامس ما دامت تلك اليد مليئة بالمادة. فإذا ما افتقرت يد اللامس من المادة فإنها ترد بكسرها أو بشل حركة الروح التي تحمل تلك اليد وذلك أسهل شيء وبلا تردد.. - إذا لا بد من المزيد من المادة بأي طريقة حتى ولو كان بالسرقة والاختلاس.. بأي طريقة. إن الغاية تبرر الوسيلة..

 

والمصاب بالداء أرعن في البحث والحصول على الدواء. - قد لا يصدق أحد عندما أورد هذه المعلومة وهي إن الضحية الأولى لي هي والدتي فقد احتلت عليها وأخذت كل ما كان بحوزتها.. إنه لم يكف ما قدمته برضاها، وبواسطة حيلتي فقد دفعتني الرعونة إلى سرقة بعض من ثمائن حليها وبعتها وسافرت بها بعد أن تسببت في انفصالها عن والدي بسبب إلحاحها عليه أن يبعث إلى المزيد من المال، لكي أحصل به على مادة الهروين التي باتت هي روحي وغايتي ومناط أفكاري فبدونها لست إلا كأتفه حيوان وقد يكون للحيوان قيمة وغاية أما أنا فلم يعد لدي غاية إلا الحصول على هذه المادة. - ثم بعد ذلك عدت من تلك البلاد بعد أن حملت معضلة كبيرة.. ليس من جراء ما فعلت بنفسي.. بل مما لحق بأهلي عند رؤيتي مما حدا بأحد أقاربي (ابن خالي وزوج أختي) إلى أن يحاول إقناعي بدخول أحدى المستشفيات للعلاج ولكن دون جدوى.وإليك أخي القارئ هذه المعلومة التي ربما تكون غريبة عندك ولكنها أمر طبيعي عند مستعمل هذه السموم كنت أنا وزوج أختي في سيارته وبينما نحن نسير هو يتحدث إذا بي أرى الوسيلة –الفلوس - معه في درج سيارته.. إنه يتحدث وينصح وأنا أخطط لسرقة ما بالدرج.. ويا ليتني متّ قبل هذا الفعل..

 

كنت أتمنى أن الأرض ابتلعتني ولم أفعل ما فعلت لقلد طلق زوجته –أختي - المسكينة.. لقد دمرت منزلها من حيث لا تدري ولا تعلم.. لأن ما فعلت معه قد أفقده صوابه. - سافرت بعدها لأعود محمولاً على أكتاف زملاء العلة موبوء.. مكروه.. منبوذ.. عاطل.. تعجز الطرقات والأرصفة وحتى أماكن تجمع النفايات أن تتحمل سيري أو إيمائي.أرضع الرداءة وألوك مسامير الوقاحة المتبقية في حذاء مهترئة..

 

إنها الكرامة.. بقايا الكرامة التي بقيت لي. أهذي فلا أميز هل هو مواء أم نباح ولكنه أقرب إلى النهيق.. وقد يكون النهيق مألوفاً ولكن بكائي نشاز.. لأن مصدره نشاز بجسد نشاز قلباً وقالباً. - وأخيراً اهتدي إلى باب مكافحة المخدرات لأبوح لهم بمعلومات هم في غنى عنها لأن محياي يدل عليّ ويترجم كل ما أخفي.لقد قبض عليّ وأدخلت مستشفى الأمل.. والحمد لله فقد لقيت كل اهتمام.. عولجت وعوقبت على أخطاء ارتكبتها.وعانقت الأمل من جديد.. ولكني إلى الآن أبحث عن المهم وهو عودة المياه إلى مجاريها بيني وبين أهلي.. فبعد أن أمضيت ثلاث سنوات في السجن تغيرت نظرتي للحياة فهل يقبلني أهلي ومجتمعي.. وأخيراً هل من معتبر.. هذا ما أتمناه وأرجوه. الطالب لعفو ربه ومغفرته..

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply