بسم الله الرحمن الرحيم
دعيت في يوم من الأيام لوليمة غداء عند أحد الأقارب القريبين جدا إلى نفسي فأجبت دعوته وما كان لمثل دعوته أن ترد خصوصا أنها كانت أيضا على شرف أحد أحبابنا القديمين الذين يزورون المنطقة الشرقية بعد فترة غيبة لا بأس بها.
وفي اليوم المحدد خرجت قبيل صلاة الظهر لقضاء بعض الأعمال قبل الصلاة وعندما أدرت محرك سيارتي لم اسمع صوتا لهذا المحرك وإنما سمعت شيئا هو أقرب لغرغرة الغريق الذي يلفظ أنفاسه، حاولت مرة أخرى وحصلت على نفس النتيجة وثالثة ورابعة ولكن لا حياة لمن تنادي، نزلت من السيارة وفتحت الغطاء وأخذت أقلب نظري يمنة ويسرة في محرك السيارة وفي أسلاكها ولكن لا جدوى لأن الخبرة ( الميكانيكية ) تساوي صفرا.
وبينما أنا كذلك إذا بصوت مؤذننا الرخيم يقطع علي حجاب الصمت لننتقل لأداء صلاة الظهر.
بعد الصلاة ركبت سيارة أجرة أنا وعائلتي وذهبنا للمكان المقصود وهناك قصصت ما حدث لسيارتي فعزم صاحبي على تشخيص الحالة بعد صلاة العصر نظرا لأنهما يتمتعان بخبرة جيدة في مثل هذه المواقف وبالفعل ذهبنا وكان التشخيص الأولي يفيد بإصابة السيارة بجلطة في البطارية لا حل لها سوى تغيير البطارية بالكامل وبعد إجراء الإسعافات الأولية ذهبت مع صاحبي إلى شارع مكة وقمت بشراء البطارية بعد أن ودعني الأصحاب لقضاء أشغالهم وأثناء تركيب العامل للبطارية حدثت هذه القصة العجيبة.
رجل في الخمسينات من عمره، بدا عليه الوقار، تكسوه لحية بيضاء وقد لبس نظارة طبية، يسير نحوي بخطوات وئيدة ولما اقترب مني وقف بجواري وأخذ يقلب طرفه يمينا ويسارا، وقف صامتا قرابة الدقيقتين فالتفت للعامل استعجله وفجأة بدد سماء صمته بكلمة واحدة ردد فيها حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" تتكالب عليكم الأمم\"، رددها مرتين وهو يرمقني بعين ملؤها الحزن والأسى والتعب، بادرته على عجالة فقلت له: نعم لقد قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك ولكنه قال \" ليبلغن هذا الدين مبلغ الليل والنهار\" فاطمئن يا والدي الدين منصور ولكن كيف نقدم نحن لأنفسنا ما يبرئ ذمتنا أمام الله – عز وجل -.
قال لي: يا ولدي والله لقد ارتحت لك، وإنني والله أحمل بين جوانحي هما عظيما بسبب ابني الوحيد الذي أتمنى أن أجد بعد الله – عز وجل - من ينقذه. قلت له: ما الخبر؟. قال: اسمع يا بني، إنني من اليمن وأعمل في التجارة في منطقة الجوف وأنا ولله الحمد بخير وفي نعمة من الله - عز وجل - نسأله أن يرزقنا حسن شكرها، ولقد أتم الله علي النعمة بأن رزقني غلاما ذكرا فرحت به أشد الفرح وكنت آخذه معي إلى المسجد منذ نعومة أظفاره وكم كانت فرحتي وسعادتي وأنا أرى ولدي وفلذة كبدي وهو يركع ويسجد لله رب العالمين وهكذا استمر الحال سنوات وولدي رفيقي إلى المسجد ويده لا تفارق يدي ورجلاه تسابق خطاي إلى المسجد وما أن انسلخت خمس عشرة سنة من عمره حتى تعرف على بعض أصدقاء السوء الذين تسببوا في المأساة التي أعيشها الآن يا بني، لقد تغير ولدي وأصبح بطيئا عن الخير، كسولا في أداء عبادته إن أداها، وأصبح يغيب عن البيت بكثرة، حاولت إثنائه عن هؤلاء الزملاء فكانت ردة فعله عنيفة، وبعد التحري علمت أن ابني أصبح مدمنا على مشاهدة القنوات الفضائية مع زملائه في الشقق المفروشة وذلك لأنني أمنع الدش من دخول منزلي، لقد تغيرت أخلاق ولدي وأدمن العلاقات المحرمة مع النساء الفاسدات، إضافة إلى إدمانه على مشاهدة القنوات الخليعة التي يشتري بطاقاتها من هنا وهناك.
لقد هرب ابني من منطقة الجوف حتى لا يصبح تحت نظري وذهب لأحد أصدقائه في المدينة ومكث لديه فترة من الزمن ثم علمت بعد ذلك أنه قدم إلى المنطقة الشرقية وله فيها فترة وهو يعمل في أحد المحلات الموجودة في هذا الشارع، وما يتعب في تحصيله بالنهار يضيعه بالليل على ما يسخط الله – عز وجل - ولقد عزمت بعد الاتفاق مع الجهات المختصة على تسفيره لليمن فهو اليوم يبلغ الحادية والعشرين من عمره ويقول عني أنا وأمه: إنكم متخلفون ولا أريد العيش معكم وأنا أبحث عن الحرية وعن حياة مختلفة عن حياتكم، يا ولدي لقد ضربنا الكفار بهذه القنوات الفضائية الخليعة في أعز ما نملك، ضربوني في أعز ما كنزته لنفسي، لقد ضيعوا علي حلمي وأحالوه أمام ناظري إلى رماد، لقد سمموا قلب ولدي، وفكر ولدي، وعرض ولدي، وسمعة ولدي، لقد أحالوني إلى أديم من الحزن والأسى على ما أراه من حال هذا الولد مع ما يتملكني من الخوف عليه أن يموت على حال سيئة وإنني اليوم أبحث عمن ينقذ لي ولدي، هكذا قالها والدموع تترقرق على لحيته الوقورة وأخذ يشيح بوجهه حتى لا أرى دموعه وطلب مني أن أسمح له بالانصراف نظرا لشدة تأثره، وقبل أن يذهب استأذنته في نقل هذه القصة فأذن لي وطلب مني ومن كل مسلم أن يدعو لولد هذا الرجل بالهداية والصلاح فأنقذوه يا أيها المسلمون بدعواتكم المباركة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد