بسم الله الرحمن الرحيم
أهل النار الذين هم أهلها على الحقيقة هم الذين يخلدون فيها ولهم أعدت كما قال - تعالى -: "أعدت للكافرين" البقرة وعن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – قال: "أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون وهؤلاء أهلها الخالدون فيها هم أكثر ممن يدخلها من عصاة الموحدين الذين يخرجون منها بعد أن يهذبوا وينقوا" ويدل على ذلك ما روى أبو سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال "يقول الله - عز وجل - يوم القيامة: يا آدم فيقول لبيك وسعديك فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج بعث النار من ذريتك قال يا رب: وما بعث النار؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون فحينئذ تضع الحامل ويشيب الوليد, "وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد" الحج, فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: "من ياجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد" ثم قال: "أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض, أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" فكبرنا, ثم قال: "ثلث أهل الجنة" فكبرنا فقال "شطر أهل الجنة" فكبرنا" خرجاه في الصحيحين ولفظه للبخاري روى هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا المعنى, وفي حديثه "إنما أنتم جزء من ألف جزء" خرجه الإمام أحمد والحاكم وصححه, وخرج الإمام أحمد, والترمذي من حديث الحسن عن عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا المعنى أيضا, وفي حديثه قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: "قاربوا وسددوا فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية فيؤخذ العدد من الجاهلية فإن تمت وإلا كملت من المنافقين, وما مثلكم ومثل الأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير", وفي رواية قال: "اعملوا وأبشروا فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ومن هلك من بني آدم وبني إبليس", وخرج ابن أبي حاتم من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نحوه في حديثه: "ومن هلك من كفره الجن والإنس" فهذه الأحاديث وما في معناها تدل على أن أكثر بني آدم من أهل النار, وتدل أيضا على أن أتباع الرسل قليل بالنسبة إلى غيرهم وغير أتباع الرسل كلهم في النار إلا من لم تبلغه الدعوة أو لم يتمكن من فهمها على ما جاء فيهم من الاختلاف, والمنتسبون إلى اتباع الرسل كثير منهم من تمسك بدين منسوخ, وكتاب مبدل, وهم أيضا من أهل النار كما قال - تعالى -: "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" هود, وأما المنتسبون إلى الكتاب المحكم والشريعة المؤيدة والدين الحق فكثير منهم من أهل النار أيضا وهم المنافقون الذين هم في الدرك الأسفل من النار, وأما المنتسبون إليه ظاهراً وباطناً فكثير منهم فتن بالشبهات وهم أهل البدع والضلال, وقد وردت الأحاديث على أن هذه الأمة ستفترق على بضع وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة, وكثير منهم أيضا فتن بالشهوات المحرمة المتوعد عليها بالنار وإن لم يقتض ذلك الخلود فيها فلم ينج من الوعيد بالنار ولم يستحق الوعد المطلق بالجنة من هذه الأمة إلا فرقة واحدة وهو ما كان على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه ظاهراً وباطناً وسلم من فتنة الشهوات والشبهات وهؤلاء قليل جداً لا سيما في الأزمان المتأخرة, والقرآن يدل على أن أكثر الناس هم أهل النار وهم الذين اتبعوا الشيطان كما قال - تعالى -: "ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين" سبأ, وقال - تعالى -: "لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين" ص, فأما عصاة الموحدين فأكثر من يدخل النار منهم النساء كما في الصحيحين عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال في خطبة الكسوف: "رأيت النار ورأيت أكثر أهلها النساء بكفرهن قيل أيكفرون بالله قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط", وفي صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – قال: "اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء", وخرج البخاري من حديث عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – مثله, وخرجا في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: "يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فقلن: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: "تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن", وخرج مسلم من حديث جابر وابن عمر وأبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – نحوه, وخرجا في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – قال: "قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون غير أن أهل النار قد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء", وخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – قال: "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء والأغنياء", وفي صحيح مسلم عن عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – قال: "إن أقل ساكني الجنة النساء", وقد أشكل على بعض النساء الجمع بين هذا الحديث وبين حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال في أهل الجنة: "لكل واحد منهم زوجتان", وفي صحيح مسلم عن أيوب عن ابن سيرين قال: إما تفاخروا وإما تذاكروا الرجال في الجنة أكثر أم النساء فقال أبو هريرة ألم يقل أبو القاسم - صلى الله عليه وآله وسلم -: "إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على أضوء كوكب دري في السماء لكل واحد منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما في الجنة أعزب", فرام بعضهم الجمع بين الحديثين بأن قلة النساء في الجنة إنما هو قبل خروج عصاة الموحدين من النار فإذا خرجوا منها كان النساء حينئذ في الجنة أكثر, والصحيح أن أبا هريرة إنما أراد أن جنس النساء في الجنة أكثر من جنس الرجالº لأن كل رجل منهم له زوجتان ولم يرد أن النساء من ولد آدم أكثر من الرجال, ويدل على هذا أنه ورد في بعض روايات حديث أبي هريرة هذا الصحيحة: "لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين" كذلك رواه يونس عن محمد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خرجه من طريقه الإمام أحمد, وكذا رواه هشام عن محمد ابن سيرين عن محمد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خرج حديثه البيهقي, وخرج هذه اللفظة البخاري في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ويشهد لذلك أن في بعض ألفاظ روايات حديث أبي هريرة هذه المخرجة في الصحيح أيضا "وأزواجهم الحور العين" بدل, وقوله: "لكل واحد منهم زوجتان" فهاتان الزوجتان من الحور العين لا بد لكل رجل دخل الجنة منهما, وأما الزيادة على ذلك فتكون بحسب الدرجات والأعمال ولم يثبت في حصر الزيادة على الزوجتين شيء, ويدل أيضا على ما ذكرنا ما خرج مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – قال: "أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة" فذكر الحديث وفي آخره قال: "ثم يدخل بيته فيدخل عليه زوجتان من الحور العين" وذكر الحديث وكذلك ورد في الشهيد إذا استشهد أنه يبتدره زوجتان من الحور العين, فدل هذا على أن لكل رجل من أهل الجنة زوجتين من الحور العين, ولو كان أدنى أهل الجنة منزلة والله أعلم, وروى عبد الله بن الإمام أحمد بإسناده عن أبي صالح قال بلغنا أن أكثر ذنوب أهل النار في النساء كأنه يشير إلى الزنا ومتعلقاته, وروى ابن أبي الدنيا بإسناده منقطع عن ابن مسعود قال: ذنبان لا يغفران فذكر أحدهما رجل زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن هذه التي يهلك بها من هذه الأمة يشير إلى الشبهات المضلة والله أعلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد