بسم الله الرحمن الرحيم
خرجت لتوي من المسجد بعد صلاة العصر.. ورغم أن الشارع المؤدي إلى المسجد غاصُّ بالمسلمين إلا أن عددنا أثناء الصلاة لم يتجاوز الخمسة كالعادة..
رحت بعدها أنقل خطاي المتثاقلة في اتجاه قلب المدينة، وهو قريب من المسجد، محيياً جموع المسلمين الذين تناثروا عبر الساحة وفي الطريق..
كنت وحدي متأملاً، حائراً غارقاً في الأسباب، حتى لاحت من ناصية الشارع فتاة عليها حياء ونبل.. بدأتني بالتحية.. تسمرت في مكاني للحظة ثم أجبتها متسائلاً: عفواً.. هل أنت عربية؟
فردت: لا.
تعجبت حينها، فأردفت وقد أحست باستهجاني الأمر: وهل يجب أن أكون عربية حتى أحييك بتحية الإسلام؟
قلت:.. لا. فقط لم أسمع حتى اللحظة تحية إسلامية من متحجبة في هذه الديار.. إلى أين تذهبين؟
فردت: إلى المسجد لصلاة العصر.. اسمي \"سارة\"، أبواي إيطاليان، لبست ثوب الإسلام حديثاً بعد إسلام والدتي بكثير.. والدي كاثوليكي ككل أفراد عائلتي..
أحسست بكثير من الحرج، ففضلت عدم السؤال ثانية.
أجل، إنها أختنا في الإسلام \"سارة\" - حفظها الله - وجعلها ذخراً لأمهات المسلمين إنها الفتاة المسلمة الوحيدة التي تقطع دروسها في الجامعة لأداء صلواتها في المسجد في مدينة يبلغ عدد مسلميها حوالي الخمسة آلاف..
\"سارة\"، إيطالية شرح الله صدرها للإسلام، وراحت بحكم دراستها الجامعية، بعيداً عن أهلها، تتساءل دون تعب عن حال الأمة وحال هؤلاء العربيات اللائي يملأن الدور والمقاهي وليس لهن من العروبة والإسلام عدا الاسم.. لتكتشف فداحة الخطر الذي يحدق بالأمة وبالإسلام من المسلمين أنفسهم..
لم تكن دهشتها أمام حال المسلمين التعيس في هذه الديار أكبر من حيرتي، وقد راحت تحدثني أنها تقوم بزيارة المسلمين في السجن وتأخذ لهم مصاحف وبعض ما يحتاجون.
حينما التقيتها أول مرة لم تكن قد تجاوزت العشرين إلا بقليل، والآن ها هو الطموح والإصرار يكبران معها، ويكبر فيها حبها لأمتها ولقضايا دينها الحنيف.
يتعرف عليها شاب إيطالي من عائلة متدينة كاثوليكية، لم تتوان في أن تضع أكبر أولوياتها ودون تردد الإسلام كشرط لارتباطها به..
وتم ذلك فعلاً بعدما تيقن بأن الإسلام هو طريق الحق، وغير اسمه متحدياً الجميع بمن فيهم عمه القس في الكنيسة..
حدثتني عن والدتها التي تركت زوجها بعد إسلامها وأعطتني فرصة للحديث معها في الهاتف..
تحدثت إلى والدتها الكريمة وعلمت حجم المعاناة التي لا نعلم عنها شيئاً... إنها معاناة أخواتنا الجديدات في الإسلام..
أم \"سارة\"، اختارت الإسلام لتترك زوجاً وأبناء لم يدركوا حقيقة الإسلام بعد فبقوا على سيرتهم الأولى، وتشتري بذلك نفسها لتدركها لاحقاً بنتها الرائعة \"سارة\".. رغم الضغوط.
حدثتني كذلك عن معاناة تعرفها أخوات كثيرات حديثات العهد بالإسلام ممن شرح الله صدورهن للحق.. ولا يعلم بهن إلا الواحد الأحد..
هناك الآلاف ممن يخفين إسلامهن خوفاً وحذراً.. فلا تعرفهن لأنهن لا يرتدين حجاباً قد يسبب لهن حرجاً أمام الأهل أو في الشارع.
لقد تغير كل شيء بعد أحداث سبتمبر كما تضيف، حيث صار المسلم الجديد يتخوف أكثر من إبراز مواقفه بصراحة أو البوح أمام الجميع، لما يتبادر إلى أذهانهم من أفكار إذا تعلق الأمر بالإسلام أو بالإرهاب أو حتى بأمريكا..
هكذا تواصل، ولتؤكد أن المسلمين لم يفعلوا شيئاً خاصة الجاليات الإسلامية في الغرب، فبدل أن تصوغ أو تساهم في صنع القرار عبر الدول التي تعيش فيها راحت تكرس فعل الذوبان مرة والمداهنة والتستر مرات.. لتضيف أن هذا رأي كل فتاة جديدة في الإسلام أيضاً.. يفوق عددهن الآلاف يتوزعن على كامل التراب الإيطالي خاصة المدن الكبرى (.. وأنا مستعدة أن أجمعك بهن لمناقشتهن إن أردت).
نعم، أثناء حديثي إليها دارت في مخيلتي قصص كثيرة يندى لها الجبين من أبناء جلدتنا.. لا يسع المجال ولا المقام لإثارتها في هذه العجالة.. ينتهي حديثي معها لأتأكد أنا أيضاً من صعوبة ما نحن مقبلون عليه..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد