بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال:
أخي الصغير يشتري سيديّات، وفي بعض هذه السيديات مخالفات شرعية تصل لحد المناظر العاريـة، فأقوم بنصحه بأن هذه الأمور لا تنبغي ولا تصلح ولا تجوز، فيقول بأنه لن ينظر إلى هذه المناظر، فلا أدري هل أستمر في إقناعـه أم آخذها وأكسرها سواء اقتنـع أم لم يقتنع، علما بأن أخي الأكبر قال لي: يجب أن لا آخذ منه شيئا بالقوةº لأنني إذا أخذت منه شيئا بالقوة، فإنه سيأتي بهذه السيديات في غيابي، وأنه يجب علي أن أقنعه، فإن اقتنع وإلا أتركه، فلا أدري هل أستمر في إقناعه أم أستعمل صلاحيتي؟ علما بأنـه لا زال في الفصل الخامس الابتدائي.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله. صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد.
أخي الكريم! أسأل الله - تعالى -أن يعينكم ويوفقكم، ويجعلكم صالحين مصلحين. وآمل أن أوفق في الإجابة على تساؤلك حول موضوع أخيك بما يفيد. وذلك من خلال الوقفات التالية:
1) احرص على تربية أخيك على إقامة الصلاة، فإن هذا ضمانة بإذن الله لأن يدع مشاهدة ما لا يحل، فصلاته ستنهاه يوما. قال الله - تعالى -: \" وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر \". غير أن من المهم أن ندرك أن الصلاة التي تقام حقيقة هي التي لها هذا التأثير العجيب، وذلك بأن يؤتى بشروطها وأركانها وواجباتها وخشوعها وما يمكن من سننها، وأن يعلم المصلي أنه واقف بين يدي جبار السماوات والأرضين، الخالق الرازق المحيي المميت. أما حين تؤدى صورة الصلاة فقد لا يكون لها هذا الأثر، وفرق بين الحقيقة والصورة.
2) ما دمت مطلعا على أمره، فمن المهم أن يكون لك دور إيجابي في العلاج. وأذكرك بأهمية أن تبني عنده المناعة والقناعة، لا أن يقتصر دورك على مجرد منعه مما هو واقع فيه. فالمنع لوحده قد لا يفيد، ولو امتنع أمامك عن النظر إلى الصور السيئة فقد يقع في ذلك بعيدا عن ناظريك، وقد يقع فيه إذا كنت مسافرا أو خارج البيت. ويمكن أن تنبني هذه المناعة، وتوجد هذه القناعة من خلال عدة أمور:
أ) تذكيره بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تبني المناعة، وتوجد القناعة. ومن هذه الآيات على سبيل التمثيل لا الحصر: \" أيحسب الإنسان أن يترك سدى \"، \" فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره \"، \" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم...وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن \"، \" ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد \".
ب) غرس الرقابة الذاتية والخوف من الله، والتأكيد على سعة علم الله واطلاعه، بدلا من خوف الرقيب البشري الذي يغفل وينسى ويموت ويسافر...
ج) طرح التساؤلات يمكن أن يوجد القناعة. ومن ذلك مثلا:
* أتحب أن يأتيك الموت وأنت على هذه الحال؟
* هل النظر إلى مثل هذه الصور السيئة من معالي الأمور أم من السفاسف والتوافه؟ وعند هذا السؤال لن يجرؤ أخوك على أن يقول بأن ذلك من معالي الأمور. والله - تعالى - لا يحب من الأمور إلا معاليها، والمسلم مأمور بتجنب ما لا يحبه الله. (وسأفرد فقرة خاصة بهذا الموضوع المهم).
* ما الذي جعل الغرب يتقدم؟ أهو الاهتمام بالتوافه والسفاسف، أم استغلال الوقت بما يفيد؟
* من هم الذين رفعوا شأن بلادهم؟ أهم المهتمون بمشاهدة الأفلام السيئة واللعب واللهو، أم هم الجادون في حياتهم؟ (مع التأكيد على أنه لا بأس أن يقضي الإنسان بعضا من وقته في اللهو المباح)... ونحو هذه التساؤلات.
3) من المهم تربية الشاب على الاهتمام بمعالي الأمور، وتجنب الأمور التافهة التي لا تنفع الإنسان نفسه، ولا ترفع الأمة. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: \" إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها\". مع التأكيد على أن الأمة الإسلامية يجب أن تكون هي الأعلى، غير أن الواقع يقول بأن الكثيرين من المسلمين هم في مؤخرة الركب. وهذا راجع في الغالب إلى أن كثيرا من أبناء المسلمين قد ضعفت هممهم، وصاروا يقتلون كثيرا من أوقاتهم بما لا يرضي الله، ولا يبني الأمة. بل قد يصرفه بعضهم بما يفسد الأخلاق، ويهدم القيم، بينما اهتم الغرب بالبناء العلمي فوصلوا إلى ما وصلوا إليه. ولا يعني هذا أنه لا يوجد لديهم انحراف، بل بالعكس.. الانحراف لديهم كبير، والحالة الاجتماعية والأخلاقية التي يعيشونها لا يحسدون عليها. غير أن الذي رفع الغرب ليسوا هم الشباب الذين يهتمون بالتوافه، وإنما أهل الطموح والهمم العالية.
4) من المهم أن تطرح مع أخيك بوضوح أن النظر إلى الصور الفاضحة يمرض القلب، ويؤثر عليه تأثيرا سلبيا كبيرا. فالنظر سهم مسموم من سهام إبليس، وهو بريد الزنا. وكم من إنسان بدأ بنظرة، ثم أتبعها بأخرى، فصار يسعى لذلك جهده، وكانت النتيجة مرض القلب وسقمه. ولقد قال الشاعر وأجاد:
يا من يرى سقمي يزيد *** وعلتي أعيت طبيبي
لا تعجبن فهكذا *** تجني العيون على القلوب
وقال الآخر:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا *** لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر *** عليه ولا عن بعضه أنت صابر
وقد يتوقع الإنسان أنه بالنظرة الثانية يطفئ نارا في القلب، ولكن الحقيقة أنه يزيد أوارها، وما أشبهه بماء البحر، كلما ازداد الإنسان منه شربا ازداد عطشا. وما أقرب صاحب هذه الحالة من قول الشاعر:
وكأسٍ, شربت على لذة *** وأخرى تداويت منها بها
واقرأ ما قاله الآخر، وأسمعه أخاك فلعل فيه عبرة:
كل الحوادث مبداها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها *** في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته *** لا مرحبا بسرور جاء بالضرر
وإذا أدمن الإنسان النظر فسيتعلق به قلبه كثيرا، وقد يؤثر هذا على حياته الدراسية والعملية، كما أنه قد يؤثر على حياته الاجتماعية، وعلاقاته الزوجية في مستقبل الأيام. ومن المعلوم أن إدمان النظر سبب من أسباب الضعف الجنسي.
إن بيان الحكمة وراء الأمر والنهي مهمة. وهذا لقمان عندما نهى ابنه عن الشرك بين له السبب: \" إن الشرك لظلم عظيم \"، وعندما نهاه عن التكبر على الناس بين له الحكمة: \" إن الله لا يحب كل مختال فخور \"، وعندما طلب منه غض الصوت قال له: \" إن أنكر الأصوات لصوت الحمير\"....
5) بين له أن العين تزني وزناها النظر. كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة. فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه\". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \" كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة. فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه\". وبين له أيضا أن الشيطان إذا أراد إيقاع الإنسان في الفاحشة فإنه يوقعه في أمر يظن أنه سهل، وهو خطوة من خطوات الشيطان، وذلك مثل النظر إلى الصور العارية، أو استماع الأغاني، أو مشاهدة أفلام الجنس...، ثم ينقله إلى خطوة أخرى، ثم إلى ثالثة... وهكذا، حتى يوقعه في الفاحشة. ولهذا يقول الله - تعالى -: \" يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر \".
6) بين لأخيك أيضا أن الإنسان لا يؤاخذ بنظر الفجأة، وهي ما إذا وقعت عين الإنسان على صورة ما من غير قصد، ولكنه إذا كرر النظر فإنه يؤاخذ بذلك ويكتب عليه. ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: \" يا علي! لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة\". وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يقال عمن جعل همه النظر إلى الصور العارية والفاضحة؟ لا شك أنه يأثم بذلك إثما عظيما، وقد يقوده هذا إلى أمور عظيمة على ما سبق بيانه.
أعتذر عن الإطالة في الإجابة على تساؤلك. وأذكر بقية الأمور على سبيل الاختصار:
7) ذكر أخاك بقصر الحياة الدنيا، وأن الإنسان ميت لا محالة، وأن الموت لا يفرق بين شاب وكبير. متى جاء أجل الإنسان انتقل من هذه الدار إلى الدار الآخرة: \" إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون \". ووقتها لا ينفع الإنسان إلا ما قدمه من صالح عمله، وسيتمنى من يقع في معصية الله أنه لم يقع فيها.
8) ذكر أخاك بشدة عذاب الله - تعالى -: \" يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون \". والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: \" إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار، يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا، وإنه لأهونهم عذابا\". رواه البخاري ومسلم.
9) من المفيد إهداؤه أشرطة وكتيبات ومطويات ولو عن غير طريقكم: عن طريق صديق أو قريب أو إمام المسجد أو أحد جماعته....
10) يمكن أن تطلب من إمام المسجد أن يتحدث حول موضوع النظر، ووجوب حفظ البصر، وأثر ذلك في حفظ القلب من الزيغ والانحراف.
11) يمكن أن تطلب من خطيب الجمعة أن يتحدث حول خطورة النظر إلى الصور العارية والفاضحة، وعواقبه الوخيمة على الفرد والمجتمع.
12) من المفيد أن تطلب من المدرسة أن تتبنى موضوع بناء الرقابة الذاتية ونحوها من الموضوعات، وذلك من خلال الإذاعة المدرسية، وبرامج ساعة النشاط وغيرها. وإذا عرفت معلما يحبه أخوك فاحرص أن يكون له دور في استصلاحه، فإن للمعلم المحبوب تأثيرا كبيرا على طلابهº أكبر من تأثير غيره بكثير.
13) احرص كل الحرص على أن تبحث لأخيك عن رفقة صالحة، وشباب من ذوي الاستقامة والأخلاق الحميدة، والمحافظة على الصلاة وغيرها من الطاعات، ممن يقربون منه في العمر. فالقرين يؤثر تأثيرا كبيرا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: \" المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل\". وتذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بين أن الجليس الصالح كحامل المسك، وأن قرين السوء كنافخ الكير.
14) لا يجوز بحال أن يسكت عن الابن وهو ينظر لهذه الصور. نعم! من المهم أن يربى على الطهر والعفاف وحب الطاعات وبغض المعاصي. ولكن إذا لم يقتنع، ولم يمتنع من نفسه فيجب منعه. نعم لغة المنع وحدها قد لا تجدي، ومما يحفظه الجميع: كل ممنوع مرغوب. ولكن لغة المنع ليست مرفوضة بإطلاق. فقد يلجأ لها المربي إذا لم تفد لغة الحوار، وإذا فشلت محاولة بناء القناعة والمناعة. إن بعض الناس قد لا يستفيدون من أسلوب الإقناع، إما لقصور في الإدراك، أو لضعف الإرادة، وإما لغلبة الشهوة وقوة الرغبة في المحرم، وإما لسوء الطوية ومرض القلب، أو لغير ذلك من الأسباب. وهؤلاء يجب منعهم من الوقوع في المحرمات، ولكن بعد بذل الوسع واستنفاد الجهد، والمحاولة الجادة. وإذا كان والداك موجودين، فليكن لهما ولكم دور في بناء المناعة والقناعة، فإن لم يستجب الابن فليكن لهما دور في المنع، وليبق لكم دور في الإقناع وبناء المناعة.
15) من المهم إشغال الأخ ببرامج جيدة. ومن أفضل الوسائل والبرامج: تسجيله في حلقة القرآن، فالحلقة فيها خير وبركة، وهي من المحاضن التربوية الجيدة. وإذا أردتم استمراره فيها فشجعوه ماديا ومعنويا.. هذه هدية، وهذه جائزة، وإذا حفظت كذا فسنذهب برحلة إلى مكة أو إلى أبها أو غيرها، أو سنشتري لك كذا وكذا... وهكذا.
16) وأخيرا فإني أؤكد على أهمية أن تبذلوا وسعكم بعيدا عن اليأس، وإذا بذل الإنسان وسعه فما أحراه ببلوغ مأموله \" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا \".
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته *** ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
والإنسان يؤجر على قدر بذله. فإذا تحقق له مراده، وهدى الله على يديه فهذا خير عظيم، ولأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. وإذا لم يتحقق له مراده فلا لوم عليه، إذ هداية القلوب بيد الله وحده... لا يملك الإنسان هداية أحد من الناس ولو كان أحب الناس إليه. وقد خاطب الله - تعالى -نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - بقوله: \" إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء \". وقيل:
على المرء أن يسعى إلى الخير جهده وليس عليــه أن تتم المطالب
أقول هذه الأمور وأنا أعلم أن أخاك - أصلحه الله - صغير السن (في الصف الخامس الابتدائي). ولكن ثق تمام الثقة بأنه وإن كان في هذه السن إلا أنه يستوعب كثيرا، وأن إمكانية التأثير عليه وهو في هذه السن أكبر من إمكانية التأثير على الشاب الكبير، ذلك أن تربية الصغير تثبت كالنقش في الحجر.
أسأل الله أن يقر عيونكم بصلاح أخيكم وجميع شبابنا وأبنائنا، وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يرد الجميع إلى الحق ردا جميلا. كما أسأل الله أن يكتب على أيدينا جميعا الخير، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد