بسم الله الرحمن الرحيم
رغم التزامي بأمور ديني من الفرائض والنوافل ومجاهدتي لنفسي مع تقصيري وارتكابي للسيئات أنا الآن وصلت لمرحلة اليأس من..... من معرفة السبب الذي من أجله تصيبني المصائب، في يوم تعرضت لابتلاء ومصيبة في عملي وترتب عليها أمور جسام وخسرت ما بنيته في الماضي من عمل وسمعة وعند خروجي من العمل كنت مرتب لخطوبة وبدون مقدمات ولا سبب فشل الزواج، وبعد أيام خسرت كل ما أملك إلا قليلا من مال جمعته في السنوات الماضية من الأسهم، في تلك الساعة سألت نفسي وقلت هل الذي يجري لي ابتلاء أم عقوبة من الله وقلت ما الذنب الذي فعلته حتى تنهمر علي المصائب هكذا في يوم واحد.. يا الله ارحمني فإني على وشك القنوط واليأس والعياذ بالله يا إخوان ما العمل والله إني ملتزم حتى في صلاة الفجر ما الحل أنا الآن لي سنة وأنا أدعوا ربي بأن يفرج كربتي ولم يتغير حالي مع أني غيرت جميع أموري حتى التي أعتقد أن بها معصية ولو كانت صغيرة يا أخوة وصل بي الحال أن أتكلم وأنا نائم بما حصل لي من مصائب بدون شعور فأخبرني أخي بما قلت مع أني لم أخبر أحد بمصائبي يا الله أريد أن تستر علي لا أريد أن أشكي الخالق للمخلوقين،،، استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم أرشدوني للنجاة قبل الهلاك
ملاحظة: تم تصحيح الرسالة.
الرد:
أخي الحبيب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد: فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه والحمد لله على كل حال فهو - سبحانه - المحمود في السراء والضراء.
أخي الكريم:
رفع الله قدرك وأعلى مقامك في الدنيا والآخرة فهكذا وعد الله - سبحانه وتعالى - المبتلين الصابرين فقال - سبحانه -: وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيء مّنَ ٱلخَوف وَٱلجُوعِ وَنَقصٍ, مّنَ ٱلامَوَالِ وَٱلانفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتهُم مٌّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيهِ رٰجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيهِم صَلَوٰتٌ مّن رَّبهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلمُهتَدُونَ [البقرة: 155-157].
أخي الحبيب:
يحار المرء ويتردد عندما تتداعي عليه المصائب وراء بعضها هكذا تترى وتختلط المسائل في عقله كما تختلط عليك الآن ولا لوم عليك في ذلك بل لك الشكر كله أن لجأت إلى إخوة لك في الله وبإذن الله - تعالى -سنحرص على أن نكون خير العون لك في محنتك هذه ولكني أرجوك أن تسترسل معنا ونحن نتعاون على وضع النقاط الأساسية التي تكفل لك بإذن المولى - سبحانه - إزالة هذا الاضطراب والتردد والحيرة.
أخي الحبيب:
أولا: الأصل أن الله - تعالى -لم يخلق عباده ليعذبهم
فقد أخبرنا - سبحانه - في كتابه بذلك فقال: (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) والأصل في المسلم أن يحسن الظن بربه وأنه ما من أمر يصيبه في هذه الحياة الدنيا إلا وعنوانه الخير وذلك إن أحسن المسلم التعامل مع هذا الأمر مصداق حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له)) فالأصل في كل ما يصيبك أنه خير ولكن الإنسان بطبعه تغلب عليه اللحظة الحاضرة فيغفل عن اللحظات التالية ويشغله ألم الموقف فلا يبصر هدايا الخير تأتيه.
ثانيا: قواعد في التعامل مع المصائب:
هذه مجموعة من القواعد علمنا إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للتعامل مع المصائب عند نزولها حتى يخف وقعها ويلمح العبد مراد المولى - جل وعلا - فتسكن نفسه ويطمئن خاطره ومنها:
1- ((إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها)) هذا الذكر المبارك هو العمدة عند نزول المصائب وتريد أن تعرف ما فيه من كنوز تأمل معي حديث إحدى المصابات المبتليات بفقد الحبيب والأنيس والزوج وأدعك معها تصف المشهد بنفسها: روى مسلم عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله يقول: ((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبة وأخلفه خيرا منها))، قالت: ولما توفي أبو سلمةº قلت: ومن خير من أبي سلمة صاحب رسول الله ثم عزم الله علي فقلتها فما الخلف؟ - قالت: فتزوجت رسول الله ) لقد قالت مثلك تماما وهل سيعود ما مضى وما الذي يضمن لي أنه سيكون خيرا مما كنت فيه من مال وزوجة وعمل ومستقبل و..... فهل اتفقنا على هذه أخي الحبيب، إذن فلنقلها معا.
2- تذكر المصيبة العظيمة بموت الرسول وكل مصيبة دون مصيبتنا بموته تهون، فبموته - عليه الصلاة والسلام - انقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة، وبموته انقطعت النبوّات، وبموته ظهر الفساد في البر والبحر، وتذكر ذلك تسلية وعزاء للمصائب يقول في الحديث الصحيح: ((إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب))، ويقول فيما صح عنه في سنن ابن ماجه: ((يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعزّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيريº فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي)) نعم إن تذكر النبي وما حل بنا بفقده هو أعظم مصيبة..
فاصبـر لكـل مصيبـة وتجـلـدِ *** واعلـم بـأن المرء غير مخلد
واصبر كما صبــر الكرام فإنهـا *** نوبُ اليـوم تُكشَف فـي غدِ
مـن لم يصب ممـن ترى بمصيبة؟ *** هذا سبيل لستَ عنه بأوحـد
فإذا ذكـرت مصيبـة ومصـابهـا *** فاذكـر مصابـك بالنبي محمـد
3- إياك والجزع من المصيبة وإني لأحمد فيك حرصك على عدم شكوى الخالق - سبحانه - إلى المخلوقين لأن الجزع لا يردها بل يضاعفها، فهو إذا جزع فجزعه مصيبة ويغضب ربه، ويحبط أجره، حدث أنس أن النبي مر بامرأة تبكي عند قبر، فقال: ((اتقي الله واصبري))، فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتيَ، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي فأتت باب النبي فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك وسوف أصبر يا نبي الله فقال لها: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) متفق عليه، فاصبر وتجلد خاصة عند سماع الخبر للمرة الأولى لأنك في محل اختبار وامتحان وهو - سبحانه - ينظر إليك حينها ليرى كيف ترد على البلاء.
4- تذكر يا أخي يا من أصابته المصيبة أن الله جعلك من فئة المخبتين بصبرك فيا لها من تزكية وَبَشّرِ ٱلمُخبِتِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَٱلصَّـٰبِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُم وَٱلمُقِيمِى ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقنَـٰهُم يُنفِقُونَ [الحج 34-35].
ثالثا: تصحيح التصورات (غير نظارتك).
1- كيف يحدد العبد إن كان ما نزل به من مصيبة بلاء أم عقوبة؟ سؤال سألته في رسالتك ولعله مثار الحيرة التي تذكرها وتعال معا نضع قاعدة بسيطة تحكم الإجابة على هذا السؤال وستندهش إذا علمت أن هذه الإجابة تعتمد كلية عليك أنت إذ يتحدد إن كان البلاء عقوبة أم بلاء عبر طريقة استقبالك له وتعاملك معه أو بمعنى آخر كل ما يصيب العبد في هذه الدنيا إنما هو موضوع تحت بند الامتحان فإن خرج العبد في نظرته خارج إطار البلاء الذي أصابه أو الموقف الذي آلمه وتأمل في مراد الله به مع وجود حسن الظن بالله فهو الفائز الأول، وإن تقاصر بصره وأبت نفسه إلا النظر تحت قدميها فلا يلومن إلا نفسه بالجزع والاضطراب والتردد والحيرة والعبد عند وقوع المصاب يتأمل فإن رأى في نفسه تقصيرا أو بعدا عن الله أقر له بالحق واعترف بالذنب والتقصير وإن رأى خلاف ذلك أيقن أنه - سبحانه - ما يريد به إلا الخير وجلس يتلمس مواطن هذا الخير حتى تراها نفسه فتطمئن وتسكن.
2- غير نظارتك: تعال معا نعيد النظر في الأحداث التي تتابعت عليك ونحاول أن ننظر إليها بمنظار جديد فلعل فقد المال والعمل مدعاة إلى أن تنطلق فتؤسسه من جديد لتكون بداية أقوى ولعل فشل مشروع الزواج إشارة إلى من يقف بجوارك في الأزمات من عدمه ويكفي أنه دفعك إلى مراجعة نفسك والتأمل في تصرفاتك بترك ما يكرهه لله - تعالى -والحرص على ما يحبه وهكذا بتأمل العبد المواقف وحسن النظر إليها نجد أن ما نعتقده ضاراً قد يكون غير ضار بل قد يكون نافعاَ.. ففي سورة النساء يقول - تعالى -: (عسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراَ كثيراً) (النساء آية 19) وجاء في تفسير الجلالين وابن كثير أنه إذا كرهتم النساء فعسى بصبركم عليهن يعوضكم الله خيراً كولد صالح. وكان موسى - عليه السلام - يعتقد أن فعل الخضر ضار، فقد رأى الخضر يقتل طفلاً ويهدم جداراً ويخرم سفينة، فاستنكر فعل الخضر وكان رد الخضر عليه كما في قوله - تعالى -: (ألم أقل أنك لن تستطيع معي صبرا)، ثم قام الخضر بإيضاح ما لم يفهمه موسى - عليه السلام - كما جاء في قوله - تعالى -(وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناَ وكفرا * فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراَ منه زكاة وأقرب رحما) (الكهف آية 80، 81) قد يشعر البعض أن هناك خططاً ودسائس ومكراً تدبر لهم وقد تنفذ بعضها مما يجعلهم يكتئبون ويضيقون وإذا بالسحر ينقلب على الساحر وتتحول نتائج الضرر إلى فوائد كقوله - تعالى -(وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (الأنفال آية 30).
3- وثمة سؤال مهم لماذا تصيب المسلم الفتن والمصائب؟ الجواب: حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة، لحديث أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \" مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤمِنِ وَالمُؤمِنَةِ، فِي نَفسِهِ، وَوَلَدِهِ، وَمَالِهِ، حَتَّى يَلقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ \" أخرجه الترمذي وأحمد، وقَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فالمصيبة سبب لحصد الحسنات، وتكفير السيئات، ولقاء الله - تعالى -نظيفاً طاهراً، خالياً من الأوزار والخطايا.
4- أن تنظر إلى مصابك، فتجد ربك قد أبقى عليك مثله أو أفضل منه، وادخر لك إن صبرت ورضيت ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي فقد أبقى الله - تعالى -لك صحتك وحياتك وعافيتك وخلافها فله الحمد على ما أخذ وله الحمد على ما أعطى.
5- تأمل حال من حولك، وانظر فهل يرى إلا محنة، ولو فتشت العالم لم تر فيهم إلا مبتلى، إما بفوات محبوب أو حصول مكروه، وأن هذه الدنيا يجسدها ابن مسعود - رضي الله عنه - بقوله: لكل فرحة ترحة، وما ملىء بيت فرحاً إلا ملىء ترحاً.
6- اعلم أن ما يعقب الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة، أضعاف ما كان يحصل لك ببقاء ما أصبت به، ويكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يبنى له في الجنة، على حمده لربه، واسترجاعه، فلينظر أي المصيبتين أعظم: مصيبة العاجلة، أو المصيبة بفوات بيت الحمد في جنة الخلد، وفي الترمذي عَن جَابِرٍ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \" يَوَدٌّ أَهلُ العَافِيَةِ يَومَ القِيَامَةِ حِينَ يُعطَى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ، لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُرِضَت فِي الدٌّنيَا بالمقاريض \"، وقال بعض السلف: لولا مصائب الدنيا، لوردنا القيامة مفاليس.
7- اعلم أنه ما منعك ربك إلا ليعطيك، ولا ابتلاك إلا ليعافيك، ولا امتحنك إلا ليصطفيك، يبتلي بالنعم، وينعم بالبلاء، فلا تضيع زمانك بهمّك بما ضمن لك من الرزق فما دام الأجل باقياً كان الرزق آتياً، قال - تعالى -: وَمَا مِن دَآبَّةٍ, فِي الأَرضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزقُهَا [هود: 6] وإذا أغلق عليك بحكمته طريقاً من طرقه فتح لك برحمته طريقاً أنفع لك.
8- تأمل كيف يتعامل عمر بن الخطاب مع مصائب زمانه جاء عنه - رضي الله عنه - أنه قال: ما أصابني مصيبة إلا وجدت فيها ثلاث نعم: الأولى: أنها لم تكن في ديني والثانية: أنها لم تكن أعظم مما كانت والثالثة: أن الله يجازي عليها الجزاء الكبير ثم تلا قوله تعالي: \"أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون\".
رابعا: ما الحل؟
((ومن يقنط من رحمة ربه إلا القوم الضالون))، إنها الثقة بالله عنوان المفتاح للحل وهو الاختبار والامتحان يبدأ بالبلاء ويختم بالنظر هل سيبر عليه العبد أم لا فلو أن البلاء نزل على العبد ثم أعقبه الله مباشرة بالفرج لزال وجه العبرة في الامتحان ولكنه البلاء ويعقبه سكون طويل ينظر الله فيه إلى النفس البشرية ماذا تصنع وأين تضع همها وإلى من تلتجئ. فالأصل أن تتشاغل بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك من رفع خلل أو اعتذار عن زلل أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب وتلمح سرعة زوال بليتك تهن فلولا كرب الشدة ما رجيت ساعة الراحة، وأجمع اليأس مما في أيدي الناس تكن أغناهم، ولا تقنط فتخذل وتذكر كثرة نعم الله عليك، وادفع الحزن بالرضا بمحتوم القضاء فطول الليل وإن تناهى فالصبح له انفلاج، وآخر الهم أول الفرج، والدهر لا يبقى على حال بل كل أمر بعده أمر وما من شدة إلا ستهون، ولا تيأس وإن تضايقت الكروب فلن يغلب عسر يسرين، واضرع إلى الله يسرع نحوك بالفرج، وما تجرع كأس الصبر معتصم بالله إلا أتاه المخرج.
يعقوب - عليه السلام - لما فقد ولداً وطال عليه الأمد لم ييأس من الفرج، ولما أُخذ ولده الآخر لم ينقطع أمله من الواحد الأحد، بل قال عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً، وربنا وحده له الحمد وإليه المشتكى فلا ترجو إلا إياه في رفع مصيبتك ودفع بليتك.
وإذا تكالبت عليك الأيام وأغلقت في وجهك المسالك والدروب وإذا ليلة اختلط ظلامها وأرخى الليل سربال سترها قلب وجهك في ظلمات الليل في السماء وارفع أكف الضراعة وناد الكريم أن يفرج كربك، ويسهل أمرك وإذا قوى الرجاء وجمع القلب الدعاء لم يرد النداء أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السٌّوءَ النمل: 62 وتوكل على القدير والجأ إليه بقلب خاشع ذليل يفتح لك الباب، يقول الفضيل بن عياض: (لو يئست من الخلق لا تريد منهم شيئاً لأعطاك مولاك كل ما تريد).
إبراهيم - عليه السلام - ترك هاجر وابنه إسماعيل بواد لا زرع فيه ولا ماء فإذا هو نبي يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وما ضاع يونس مجرداً في العراء، ومن فوّض أمره إلى مولاه حاز مناه.
وأكثر من دعاء ذي النون لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ الأنبياء: 87. يقول العلماء: (ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه)، يقول ابن القيم: وقد جُرب من قال: رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين سبع مرات كشف الله ضره، فألق كنفك بين يدي الله وعلق رجاءك به وسلم الأمر للرحيم واسأله الفرج واقطع العلائق عن الخلائق وتحر أوقات الإجابة كالسجود وآخر الليل.
وإياك أن تستطيل زمن البلاء وتضجر من كثرة الدعاء فإنك مبتلى بالبلاء متعبد بالصبر والدعاء، ولا تيأس من روح الله وإن طال البلاء فالفرج قريب، وسل فاتح الأبواب فهو الكريم وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وهو الفعال لما يريد، بلغ زكريا - عليه السلام - من الكبر عتياً ثم وُهب بسيد من فضلاء البشر وأنبيائهم، وإبراهيم بشر بولد وامرأته تقول عن حالها أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً، وإن استبطأت الرزق فأكثر من التوبة والاستغفار فإن الزلل يوجب العقوبة، وإذا لم تر للإجابة أثراً فتفقد أمرك فربما لم تصدق توبتك فصححها ثم أقبل على الدعاء فلا أعظم جوداً ولا أسمح يداً من الجواد.
وتفقد ذوي المسكنة فالصدقة ترفع وتدفع البلاء، وإذا كُشفت عنك المحنة فأكثر من الحمد والثناء، واعلم أن الاغترار بالسلامة من أعظم المحن فإن العقوبة قد تتأخر والعاقل من تلمح العواقب فأيقن دوماً بقدر الله وخلقه وتدبيره واصبر على بلائه وحكمه واستسلم لأمره.
فالزمان لا يثبت على حال والسعيد من لازم التقوى، إن استغنى زانته وإن افتقر أغنته وإن ابتلى جملته، فلازم التقوى في كل حال فإنك لا ترى في الضيق إلا السعة، ولا في المرض إلا العافية، ولا في الفقر إلا الغنى، والمقدور لا حيلة في دفعه، وما لم يُقدر لا حيلة في تحصيله، قال - تعالى -: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَولاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنُونَ التوبة: 51، والرضا والتوكل يكتنفان المقدور، والله هو المتفرد بالاختيار والتدبير، وتدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وهو أرحم به منه بنفسه.
يقول داود بن سليمان - رحمه الله - (يُستدل على تقوى المؤمن بثلاث: حسن التوكل فيما لم ينل، وحسن الرضا فيما قد نال، وحسن الصبر فيما قد فات)، ومن رضي باختيار الله أصاب القدر وهو محمود مشكور ملطوف به، وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به، ومع هذا فلا خروج عما قدر عليك، قيل لبعض الحكماء ما الغنى؟ قال: قلة تمنيك ورضاك بما يكفيك.
وقال شريح - رحمه الله -: ما أصيب عبد بمصيبة إلا كان لها فيها ثلاث نعم: أنها لم تكن في دينه، وأنها لم تكن أعظم مما كانت، وأنها لا بد كائنة وقد كانت.
أسأل الله العظيم أن يفرج كربك، ويكشف غمك، ويجبر كسرك، وأن يعوضك خيراً من مصيبتك، وأن يرفعك بها درجات في دنياك وأخراك.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد