بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال:
السلام عليكم.
في بداية شبابي سلكت طريق المغازلات النسائية بالهاتف، وما تبعه من خلوات غير شرعية، واستمر معي ذلك حتى بعد الزواج. لا أبرِّر فعلتي، ولكن أجد أن زوجتي سهَّلت لي طريق العودة لطريق الشيطانº بعدم مشاركتها لي المشاركة النفسية أو الشعورية في إطار الزواج، فقد كانت أمامي جسداً فقط، حرمتني الحوارات الزوجية، وحرمتني المشاعر الغرامية، وإحساس الرجل برجولته في بيته، وحرمتني نعمة احتواء الزوج لزوجته. ونتيجة لما حصل فقد فقدت بيتي وزوجتي وطفلي، وطلبت الطلاق بسبب ما اقترفته من غزل غير شرعي. أرجو منكم نصحي وإرشادي لأتوب وساعدوني، فأنا مفتقر للحنان أبحث عنه ولو عن طريق المكالمات الهاتفية.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أمَّا بعد:
لقد قرأت سؤالك، وتفهَّمت شعورك وبحثك عن طريق لترك المعاكسات الهاتفية وغيرها. اسمح لي -أخي الكريم- بعدة وقفات تجيب فيها بنفسك عل نفسك.
الوقفة الأولى: هل أشبعت هذه المكالمات هذا الجوع العاطفي، وإلى أي مدى؟... ألا تشعر بأنك في حالة جوع دائم، وترقٌّب دائم للمكالمات.. ألم تشغلك هذه المكالمات والمغازلات عن كثير من مهامك وطموحاتك؟ ألم تُحدِّث نفسك بأن هذه المكالمات العاطفية كذب على المكشوف، تقول بأنك تحبها ولا تستطيع فراقها، فإذا اتصلت بأخرى قلت نفس الكلام. ألا تشعر بأنها تكذب في حبها وعاطفتها، وأن هناك مائة غيرك؟!
الوقفة الثانية: ماذا عنك لو سمعت زوجتك تحدث رجلاً غريبًا بأنها تحبه، وتفصِّل الكلام في الغرام والهيام، بل وفي أخص ما يكون في فراش الزوجية ما هو موقفك؟.
أمر آخر وما يدريك لعل من تكلمها أنت متزوجة؟ فكيف لا ترضى في كلتا الحالتين؟
الوقفة الثالثة: كم من عمرك قد أضعته؟ كم من المال قد أنفقت في سداد أجرة تلك المكالمات؟ أضف إلى ذلك طلب الطلاق من قبل زوجتك، ومفارقتك أبناءك، وحرمانك لهم من عاطفة الأبوة والقيام على رعايتهم؟ (وقد يفعل أبناؤك مثل فعلك، فيبحثوا عن عطف الأبوة الذي حرمتهم منه... )
الوقفة الرابعة: ماذا عن علاقتك بربك؟ لقد انشغلت بالخلق من بنات حواء، وتركت ربك فلا تعطيه إلا أقل الأوقات في صلاة غير خاشعة، والتفكير فيمن تتصل بها، وفيمن قطعت الصلاة عن وصالها!
لعلك بعد أن تجيب عن هذه الأسئلة، وتقف مع نفسك تلك الوقفات تلحق بسفينة النجاة، فتركب قبل أن تغرق في مستنقعات الرذيلة، فتخسر في الدارين، ولات حين مندم.
الوقفة الخامسة: إن الكثير يريد من زوجته أن تهبه الشيء الكثير من الحب والعاطفة والحنان، وهو لا يهبها إلا السباب والشتم والاستهزاء بخلقتها.
فكيف تريد أن تتغزل فيك زوجتك؟ وأنت مقصِّر في حقها (وفاقد الشيء لا يعطيه). إنه على قدر معاملتك لزوجتك تعاملك بمثله أو أحسن. إن المرأة أرق خُلقاً وأسرع تأثراً من الرجل، مع ما جبلت عليه من عاطفة وحنان فياض يعطي بلا حساب-في أكثرهن- لا يعرف ذلك إلا من عرف التعامل الطيب مع زوجته؟.
الوقفة السادسة: لتنشيط الحياة الزوجية الفاترة هناك طرق منها:
(1) بدلاً من مغازلة بنات الناس اللاتي لا يجوز لك مغازلتهنº غازل زوجتك بكلمة طيبة، ابتسامة، غمزة عين، وصف لما حباها الله به من جمال من أخلاق، من دين، من عاطفة، من حنان، ترتيب منزل، طهي طعام، تعامل معك ومع أهلك.. لابد أن تجد لهذه المرأة حسنات كثيرة، نعم كثيرة عليك، فاحمد الله واشكره.
(2) أرسل لزوجتك رسالة تصرح فيها بحبك لها، وتمنياتك لها بكل خير، أظهر أُثرها في حياتك، استمع لشكواها ليكن سماعك لها أكثر من كلامك، وسوف تجد اهتمامها بك وحبها لسماع حوارك مع عملها على تكميل النقص الموجود عندها، مشكلة البعض أنه لا يعرف كلام الغزل والحوار إلا مع الغير، وأما مع زوجته فالصراخ والعصا؟!
أخي الكريم، كما أن زوجتك وأبناءك أحق الناس بنفقتك عليهم، فكذلك بعطفك وحنانك عليهم، كيف تصرف من هذا الحب وهذه العاطفة على من لا تعرف من بنات الناس، وتجعل زوجتك وأبناءك عالة يبحثون عن الحب والعاطفة من البعيد والقريب، حيث لا يجدون إلا أقل القليل مع منة الناس عليهم في ذلك.
إن الحب الذي تبحث عنه ما هو إلا كرائحة في مطعم تمر به ولا تأكل منه، فيبقى الجوع ملازماً لك مع عذاب نفسي لعدم قدرتك على الشراء، وإن حاولت أخذه بقوة كنت مغتصباً تحال إلى السجن. أو كسراب في أرض قفراء في رابعة يوم حار يستدرجك المسافات الطويلة، فإذا ما وصلت إليه لم تجده شيئاً، وخارت قواك، وكان في ذلك هلاكك؟.
الوقفة السابعة: حكم المغازلات الهاتفية: أيها الأخ المبارك: ينبغي لك أن تعلم أن هذا الطريق -أعني مكالمات الغزل والعشق- محرمة، فالله تعالى- حرم الزنا وحرم وسائله، وهذه المكالمات طريق رئيس لارتكاب الزنا، قال - تعالى -: \"وَلاَ تَقرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً\" [الإسراء: 32]، وفي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) أخرجه البخاري (2295)، وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه)، أخرجه البخاري في صحيحه (5774)، كما أن فيه إفساداً لنساء المسلمين، والله تعالى- لا يحب المفسدين، وفيه إضاعة مال وعمر، ففي الحديث عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس، عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وماذا عمل فيما علم\" أخرجه الترمذي في سننه (2340)، كما أن فيه مما جاء النهي عنه من قيل وقال: أخرج البخاري بسنده قال: كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إلي بشيء سمعته من النبي - صلى الله عليه وسلم - فكتب إليه: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: \"إن الله كره لكم ثلاثاً، قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال\" (1383)، فعليك بالتوبة النصوح، وعدم الرجوع لذلك، قال - تعالى -: \"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله *إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم\" [الزمر: 53]، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه\" أخرجه مسلم في صحيحه (4872)، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"لله أشد فرحًا بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها\" أخرجه مسلم في صحيحة (4928)، فباب التوبة مفتوح، فمتى التوبة يا عبد الله؟ اعزم على التوبة ولا تسوفº فإنك لا تدري متى يفجأك الموت، أم تريد تأخيرها حتى تكون عبرة ومثلا يتعظ به (والسعيد من وعظ بغيره.. )
الوقفة الثامنة: كيفية التوبة، والتخلص من إدمان هذه المعصية:
أولاً: للتوبة شروط منها:
(1) الإخلاص في التوبةº بأن يكون الباعث على التوبة هو الخوف من الله، والرجاء فيما عنده من الأجر الذي أعده للتائبين، والمستقيمين على شرعه. فلا تكون التوبة خوفًا من الزوجة أو المجتمع، وماذا يقول الناس عنك، أو من أجل السجن وغيره.
(2) الإقلاع عن هذا الذنب، فكيف يكون تائبًا من كان مقيمًا على هذا الذنب؟ هذا وربي خداع للنفس وكذب عليها..
(3) الندم على ما فات في الماضي من ارتكاب للمعصية وتلذٌّذ بها، وجراءة على فعلها.
(4) العزم على عدم العودة مستقبلاً، فلا يكون في نفسه أنه يعود، وإلا فتوبته غير مقبولة لأن في هذا مخادعة وكذب.
ثانياً: من الطرق العملية للتخلص من المكالمات الغزلية:
(1) مفارقة هذا الهاتف محل المعصية، إما بفصله عن الخدمة مدة من الزمن، حتى يُنسى هذا الرقم من جانب تلك الفتيات، وإما بتغيير الرقم إلى آخر، والعمل على إتلاف أو حذف قائمة أرقام المغازلات الهاتفية.
(2) المحافظة على القيام بأعمال العبادة من صلاة وصيام وحج وغيرها، فرضها ونفلها (السنن الرواتب، وصدقة التطوع، والعمرة إلى العمرة) مع المحافظة على الأذكار، وكثرة الاستغفار، ودعاء الله، وطلب هدايته..
(3) اربط نفسك بصحبة صالحة تعينك في دينك ودنياك، فتعلمك إذا جهلت، وتذكِّرك إذا نسيت، وتحفظك في غيبتك، (وهم -بحمد الله- كثير تجدهم في المساجد وحلق العلم).
(4) تجنب الخلوة في غير طاعة، ومنفعة دنيوية راجحة.
(5) تجنب قول السوء وسماعه (محادثة النساء الأجنبيات عنك غير المحارم، سماع الأغاني).
(6) تجنب الاختلاط بالنساء، وغض بصرك عن مشاهدتهن (في الأسواق، وفي شاشات التلفاز والفضائيات، والمجلات، والإنترنت..)، ويلحق بذلك الاختلاط بالفسقة، ومن همه لا يتعدى ما بين السرة إلى الركبة، ويكثرون الحديث الفاحش في النساء، ويزينون الرذيلة.
وفقك الله للتوبة النصوح، وهداك لخير الأعمال والأقوال، فإنه الهادي الرحيم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد