ظاهرة خطـيرة تزايد أعداد المنتحرين ...


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نسمع ذلك مرارا..

في الحي الذي أسكن، شاب كان على وشك الزواج، أراد الانتحار بواسطة حبل معلق في السقف.. وآخر كاد أن يرمي بنفسه من سطح البيت..

ولعلكم تعرفون كثيرا من هذا، وتقرؤون في الصحف..

فما الذي يحدث؟؟!!..

وكيف الحل؟..

لا بد أن لذلك أسبابا، ولا بد علينا معرفة الدوافع، وتضافر الجهود لحل هذه الظاهرة الخطيرة..

فهذا جهدي فيما يلي، فأين جهودكم. ؟...

-------

عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار)..

وعنه مرفوعا قال: (من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)..

وعن جندب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كان برجل جرح فقتل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) رواه البخاري في كتاب الجنائز والأدب.

 

ما الذي يدعو الإنسان إلى أن يقتل نفسه ويضع حدا لحياته بمحض إرادته؟..

بالرغم من أنه في الأصل يحب البقاء والخلود حيا، ويكره الموت الذي يمنعه من ذلك، وهذه نقطة ضعف في بني آدم، منها نفذ إبليس عليه اللعنة إلى قلب آدم وحواء وأغواهما حتى أخرجهما من الجنة: {قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى}.

ولما كان الجنس البشري يحب الحياة ويكره الممات، انخدع آدم لقول الشيطان.

فإذا قتل إنسان نفسه بأية طريقة، فإنه بفعله يخالف ما طبع عليه البشر، لذا يحق لنا أن نتساءل:

لماذا يستسهل الإنسان، سواء كان مؤمنا أو كافرا، قتل نفسه، وإزهاق روحه، ومخالفة فطرته التي طبع عليها من حب البقاء؟..

وجوابا نقول:

إن الإنسان يحب الخلود في هذه الحياة، لأنه يشعر أن سعادته وراحته فيها، في بقائه مع عياله وأهله وأملاكه والمناظر الجميلة/ والتراب الذي عاش عليه ورؤية الوجوه التي ألفها، والموت يقطعه عن ذلك كله.

وما بعد الحياة بالنسبة إليه غيب، فهو لا يدري ما حاله فيها، وكيف يكون، هل يكون سعيدا أو شقيا؟..

لذا فهو يكره الموت، لأنه ينقله إلى حياة أخرى، لا يدري ما مصيره فيها.

 

والشيطان يهمه جدا أن يضل ابن آدم ويفسد دينه، فينظر في قلب كل إنسان، فمن وجده صاحب نعمة وغنى، ويغلب عليه التفاؤل وقوة النفس، علق قلبه بحب الدنيا والبقاء فيها، كي يلهيه عن الدار الآخرة، التي فيها معاشه وإليها مآله، وينسيه الجنة ورضوان الله - تعالى -، لأن كل من نسي آخرته فإن سيترك العمل والاستعداد ليوم المعاد، ومن ثم يقع في الذنوب، التي يكون فيها هلاكه.

 

وأما الإنسان الذي تكثر عليه المصائب من فقر وهموم غموم وأمراض تلازمه ولا تنفك عنه ويغلب عليه التشاؤم وضعف النفس، فإنه يؤيسه من الحياة، ويزهده في الدنيا، ويرغبه في الموت، ويخيل له أن فرجه فيما بعد الموت، أو أن راحته في الخروج من هذه الدنيا، فيعمل على تحطيم معنوياته، وزيادة همومه، وبث الحزن في قلبه، ويسوّد الدنيا في عينيه، ليصيبه باليأس والقنوط من رحمة الله، ويمنع عن قلبه رجاء الفرج، ويصرفه عن الصبر واحتساب الثواب، حتى يصل به إلى أن يخالف فطرته، فيعمل على قتل نفسه بمحض إرادته.

 

فانظر إلى وسوسة الشيطان:

- كيف غرس في قلوب طائفة من الناس حب الدنيا والبقاء فيها، لأن حب الدنيا هو الطريق إلى غوايتهم وإفساد آخرتهم ودينهم..

- وحبب لطائفة أخرى الموت، وزين لهم إزهاق أرواحهم، لأن حب الموت وقتل أنفسهم هو الطريق إلى هلاكهم وفساد آخرتهم.

 

ولذا فإن الله - تعالى -نهى عن التمادي في حب الدنيا، كما نهى عن اليأس والقنوط من رحمته، فقال في التحذير من الركون إلى الدنيا والتعلق بها: {يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}..

وقال في التحذير من اليأس والقنوط: {قال ومن ينقط من رحمة ربه إلا الضالون}..

وقال: {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}.

وهذا هو الرجاء والخوف، فالمؤمن يعبد الله بالرجاء والخوف، وهما - كما قال بعض العلماء - جناحا المؤمن، كما أن للطائر جناحان بهما يطير، فكذلك الإنسان لا يستقيم عيشه في الدنيا إلا بأن يكون رجاؤه وخوفه سواء، لا يطغى أحدهما على الآخر، حتى يخرج إلى الغرور أو إلى اليأس والقنوط.

 

شرب قدامة بن مظعون الخمر متأولا قول الله - تعالى -: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا.. }..

 

فأجمع الصحابة على أنهم إن أصروا على أن يستحلوا الخمر أن يقتلوا، وإذا تابوا أن يجلدوا، فتابوا وجلدوا، ثم إن قدامة أيس من رحمة الله، فكتب إليه عمر يقول: {حم * غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير}..

 

لا أدري أي ذنبيك أعظم استحلالك للخمر أولا أم يأسك من رحمة الله ثانيا.

--

فهذا اليأس قد يقع للعاصين كما يقع للطائعين، كما أن الغرور يقع للطائعين والعاصين:

فيأس العاصي أن يسرف على نفسه بالمعاصي، ويصر عليها حتى يؤيسه الشيطان من مغفرة الله له، ويوهمه أن مثله لا يرحمه الله ولا يقبل عذره، وأنه ليس له حظ في الآخرة ولا ثواب، وأن فرصته في الدنيا فيها يلهو ويتلذذ ويفرح، فيزين له الازدياد من المحرمات، ويفرحه بها أولاً..

ثم مع مرور الأيام يملها وتكثر عليه الهموم والمصائب، فينتقل به الشيطان إلى مرحلة خطيرة، يخيل إليه فيها: أنه لاطريق للخلاص من الآلام التي يعيشها إلا بقتل نفسه، فربما قتل نفسه بالفعل.

وقد جاء في الآثار السالفة التحذير من التعدي على النفس بالقتل أو التعذيب لأمور:

- منها أن هذه النفس ليست ملكا للإنسان، إنما هي أمانة لا يحق لإنسان أن يتصرف فيها كما يشاء.

- ومنها أن قتله نفسه يظن بذلك أن سينال السعادة ويرتاح من الآلام والشقاوة ظن خاطيء، فإنه لا يدري ما بعد الموت، فربما كان العذاب أشد، بل هذا الذي يدل عليه الحديث فيمن قتل نفسه.

-

- إن الله - تعالى -خلق هذه الدنيا مزيجا من الخير والشر، فلا الشر فيها خالص، ولا الخير فيها خالص، وجعل الآخرة خالصة، فالنار شر خالص والجنة خير خالص، فاعتقاد الإنسان أنه يمكنه العيش فيها بسعادة تامة، اعتقاد خاطيء، فإن السعادة التامة في الجنة، أما في الدنيا فلابد من الفرح والترح، ومن الرضا والسخط، ولابد من الصبر.

 

وكثير من الناس يجهل حقيقة أخرى هامة، وهي:

أن الله - تعالى -عادل غير ظالم، وأن الخير كله بيده، وأن الشر ليس إليه..

فإذا أصاب الإنسان شر، فإنما هو من نفسه كما، قال جل في علاه:

{ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}..

فما يصيب الإنسان من مصائب، فإنما بسبب ذنوبه ليكفر الله عنه، ولا يخلو أحد من الذنوب لا مؤمن ولا كافر..

فأما المؤمن فمعه من الإيمان ما يرزقه الصبر والمثوبة، وأما الكافر فليس معه إلا الجزع والهلع فلا يخفف عنه شيئا من المصيبة، وليس له ثواب عند الله.

فهذه المصائب رحمة في حق المؤمنين، ووبال في حق الكافرين، فلا نعجب إذاً أن نرى الكفار يقتلون أنفسهم بسبب ما يعانونه من عذاب نفسي، وإنما العجب من مسلم يقتل نفسه أو يتمنى الموت لأجل دنيا:

كيف ينسى فضل الله عزوجل عليه، حين أصابه بالمصائب في الدنيا: تطهيرا له ورحمة به؟..

كيف لا يعرف عدل الله - تعالى -فيما نزل به من العقوبة جزاء ذنوبه؟..

إن المؤمن معه وسائل كثيرة، بها ينال السعادة ويطرح الشقاوة، ويقلب حياته فرحا وسرورا، فلماذا لا يعمل بها؟..

هذه الوسائل منها شرعية، ومنها طبيعية، ومنها وسائل عرفها أهل الخبرة والتجربة:

فما هي وسائل الحياة السعيدة؟..

للجواب على هذا السؤال نحتاج إلى مجلس ولقاء آخر، فعسى أن يكون إلى ذلك سبيلا...

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply