بسم الله الرحمن الرحيم
وكأنني بك عزيزي الشاب قد أصابك بعض اليأس والإحباط وأنا أغلق عليك منافذ الحل للنجاة من هذه الضغوطات المتلاحقة من الداخل والخارج وأنت تتساءل أليس هناك من حل؟
وهنا يمكنني الإجابة على السؤال الأول: هل هذا هو الحل حقًا؟
و تعال نجتمع على مجموعة من المسلمات:
1ـ قال - تعالى -: {مَا يَفعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً} [النساء: 147]، فالله - تعالى - لم يخلقنا ليعذبنا وليجعلنا نعاني وبالتالي فلم يخلق الشهوة فينا بدون خلق المسالك التي تصرف فيها طاقتها.
2ـ بلغت صور الفساد والانحلال الأخلاقي قبل البعثة وفي عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - حدًا عظيمًا والأدلة كثيرة منها:
أـ إحاطة أمة الفرس والروم بأمر العرب وانتشار الزنا والانحلال حتى عرفت عند العرب صاحبات الرايات الحمر، وهي بعض أشكال تقنين الزنا وإباحته.
ب ـ أنواع ا لزواج ويتضح من خلال حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - حيث أخبرت أنه على أربعة أشكال:
1ـ نكاح الناس اليوم.
2ـ الرجل يأمر امرأته بعد طهرها بالنوم مع رجل آخر ثم يعتزلها حتى يتبين حملها فإن شاء أصابها، والغرض منه نجابة الولد!!! \'نكاح الاستبضاع\'.
3ـ اجتماع الرجال أقل من العشرة على امرأة يصيبونها وتلحق ولدها بمن تحب.
4ـ البغايا يدخل عليهن من شاء ثم يلحقن الولد بمن يحدد القائف [أو من يعرف الشبه].
ج ـ الحديث عن الزنا وحده وعقوبته في الدنيا والآخرة والتحذير منه عشر مرات في القرآن الكريم.
د ـ استئذان الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الاختصاء [وهو إزالة الخصيتين لإيقاف الشهوة] واستئذان الشاب في الزنا كما في حديث البخاري.
إذن فضغط الشهوة كان شديدًا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أننا نفاجئ بعدم التوجيه من النبي ـ صلى الله عليه وسلم - للصحابة إلى الاستمناء أو العادة السيئة كوسيلة للتخفيف من هذا الضغط.
3ـ ينبغي كذلك التنبيه أن القدرة على الزوج لم تكن بالسهولة التي يتخيلها البعض ممن يحبون أن يشعروا أنهم في زمن صعب لم يكن له مثيل فمع أن تكاليف الزواج وأعبائه في الماضي لم تكن تبلغ حجمها في الحاضر إلا أننا نفاجئ أن حال الشباب لم يكن يختلف كثيرًا عن حاله اليوم، ويتضح ذلك من مشاهد كثيرة من السيرة النبوية لصحابة يزوجهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يحفظون من القرآن أو بخاتم من حديد أو بدرع وسلاح كما فعل مع علي بن أبي طالب، إذن فقد كان هناك شباب تحيط بهم الفتن وهم في أوج قوتهم وشهوتهم مع التأكيد كذلك أن الحجاب لم يفرض إلا في السنة الثانية من الهجرة، وهو للحرائر ويلزم الإماء كشف وجوههن ورءوسهن.
4 ـ ليست جديدة: لقد كان العرب يعرفون العادة السيئة منذ زمن، فقد نجد البعض اليوم ينادون بأنها لم تكن معروفة لهم لذا لم يتم التوجيه النبوي لها، كلا فقد كانت معروفة باسم \'جلد عميرة\' وهو اسم غريب في معناه ومبناه ولكنهم كانوا ينظرون إليها على أنها منقصة ودلالة على عدم اكتمال الرجولة الذي كانوا يعتبرورن الزنا مقياسًا لاكتماله ودلالة على الفحولة.
5ـ قال - تعالى -: {مَن عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ, أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً....}[النحل: 97] هذا الوعد من الله - تعالى - لمن عمل صالحًا بتحصيل الحياة الطيبة كفيل بالتأكيد على إيجاد هذا الحل لهذه الأمة الحقيقية أزمة الشهوة والتعامل معها.
6ـ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء....] إذن فالمشكلة أنا لم نحسن البحث عن الحل أو بالأصح لم نبحث عنه في مكانه السليم، أو كنا غير راغبين في بذل الجهد للبحث عن الصواب.
7 ـ {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ} {وَإِلَى اللَّهِ تُرجَعُ الأمُورُ} {وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلٌّه}...
أين نحن من الدعاء بالعفة والطهارة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [من لم يسأل الله يغضب عليه].
8 ـ لا بد من التأمل في التوجيهات الربانية القرآنية وكذا النبوية في السنة للحلول الجذرية لمسألة الشهوة.
أ ـ قال - تعالى -: {وَمَن لَم يَستَطِع مِنكُم طَولاً أَن يَنكِحَ المُحصَنَاتِ المُؤمِنَاتِ فَمِن مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم مِن فَتَيَاتِكُمُ المُؤمِنَاتِ... ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ العَنَتَ مِنكُم وَأَن تَصبِرُوا خَيرٌ لَكُم} [النساء: 25].
ب ـ قال - تعالى -: {وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ[5]إِلا عَلَى أَزوَاجِهِم أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ[6]فَمَنِ ابتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ} [المؤمنون: 5ـ7].
فهو الزواج أو ملك اليمين وليس غيرهما إلا الاعتداء والتجاوز.
ج ـ قال - تعالى -: {وَليَستَعفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ} [النور: 33].
فهو النكاح لمن وجد، أما من لا فعليه بالاستعفاف.
د ـ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء] [البخاري 4677].
فهو الزواج وإلا الاستعفاف بالصوم.
هـ ـ عن سعيد بن أبي وقاص قال: [رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا]. [البخاري 4658].
وفيه التنبيه إلى اشتداد الفتن حيث دفعت الصحابة إلى استئذان النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاختصاء، وفي المقابل بل ننبه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرتضِ بالحلول المقترحة من الصحابة، فكأنه ينبه على أن الحل هو ما أشار إليه الله - تعالى - بقوله: {وَليَستَعفِفِ}.
و ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: [قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني رجل شاب وأنا أخاف على نفسي العنت ولا أجد ما أتزوج به النساء. فسكت عني. ثم قلت مثل ذلك. فسكت عني ثم قلت مثل ذلك فسكت. عني ثم قلت. مثل ذلك فقال: يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاقٍ, فاختص على ذلك أو ذر] [البخاري 4686]
وفيه توجيه إلى أن الواجب الصبر لا الجزع والسخط المعبر عنه بالاختصاء.
س ـ حديث الشاب الذي استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الزنا فلم يأذن له ولم يوجهه إلى الاستمناء بل إلى الاستعفاف.
9 ـ إذن فهو الزواج أو ملك اليمين أو الاستعفاف، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من بيان كيف يتم تنفيذ الأمر الرباني بالاستعفاف ولتحقيق ذلك لا بد من تفهم ميكانيكية النمو والإثارة والتفاعل الجنسي حتى نحسن التعامل معه، أو الاستعفاف فسنفرد له مقالاً أو أكثر للتفصيل فيه.
10ـ السلوك الجنسي كما قسمه علماء النفس ينقسم إلى نوعين:
أـ الدافع الجنسي: وهو الميل الطبيعي من كل نوع للآخر من الذكر إلى الأنثى والعكس وهذا الشق راسخ داخل الإنسان وفي تكوينه.
ب ـ الرغبة الجنسية: وهي العملية التي يتم فيها الاستثارة الجنسية الفعلية ويشعر بها الشاب في أعضائه.
11ـ هذه الرغبة يمكن للمرء زيادتها أو تقليلها عن طريق التحكم في محفزات ثلاثة هي:
أ ـ التفكير والتخيل: وفيها يستحضر الفرد صورًا وتخيلات يستخدمها لاستثارة نفسه.
ب ـ الإثارة الحسية: وذلك باستخدام حواسه الواقعية عن طريق البصر بالنظر إلى ما حرم الله - تعالى -، أو الاستمتاع إلى كلام يتعلق بالإثارة أو شم روائح لها ارتباطات معينة أو اللمس المباشر.
والجدير بالذكر أن الرجل يثار تلقائيًا بسهولة بواسطة هذين الحافزين في المقام الأول والحافز الأخير هو قمة الإثارة بالنسبة له، أما المرأة فتأثرها بالحافز الأخير أشد.
ج ـ الإثارة الموضعية: وتتعلق بالتعامل مع مناطق الإثارة في الجسد والجماع.
12ـ بناءً على ما سبق فإن الشهوة أو ما يعرف بالرغبة يمكن للمرء تقليلها أو زيادتها بالتحكم في هذه المداخل الثلاثة المحفزة لهذه الرغبة، إذن فالشهوة ليست ذلك الوحش الكاسر الذي لا يضمه بناء بل هي جزء من البناء النفسي لطاقة الإنسان الداخلية التي تبني وتعمر، وهي تحتاج منا لتحقيق ذلك إلى فهمها ثم إزالة ما علق بها من تصورات فاسدة وحلول كارثية ثم العودة إلى صورتها النقية الصافية وهي الزواج أو الاستعفاف.
{وَليَستَعفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ}.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد